23 ديسمبر، 2024 6:28 ص

القراءة الخلدونية ..وقدري قاد بقرنا..والحكم بإسم القطيع !!

القراءة الخلدونية ..وقدري قاد بقرنا..والحكم بإسم القطيع !!

أول درس كانت تتعلمه الأجيال العراقية ، منذ أن تدخل بمرحلة الصف الأول من المرحلة الإبتدائية ، عند السنة السادسة من العمر من درس القراءة الخلدونية في الستينات وما بعدها، هو: دار داران دور..نار نور!!

والدار هي (الوطن الصغير)..وهي (العائلة المصغرة) التي ينشأ فيها الفرد ، ويتعلم منها (منظومة القيم الأولى) ، ثم تأتي (المدرسة) و(المناهج الدراسية) لتضيف اليه المعارف والخبرات والمهارات، ويعيش الفرد ضمن (المجتمع) وينتقل اهتمام الإنسان عندما يكبر بـ (الوطن) ، ويجد فيه مبتغاه في أن يحقق على أرضه مبتغاه وطموحاته في العيش الكريم الآمن المستقر!!

دار دور ..هي ( القراءة الخلدونية) التي تخرجت منها آلاف الأجيال العراقية ، التي أبدعت في مختلف شؤون الحياة ، وخرجت رجالا أكفاء ، تولوا مناصب عليا في الدولة والمجتمع ، وظهر منهم أطباء ومهندسون وطيارون ومعلمون ومدرسون وأساتذة جامعات ومهارات مختلفة في كل شؤون الحياة ومناحي العلم ..وجلهم كانوا ناجحين ومتقدمين في حياتهم ، ولهم (شأن) في الحياة وبعضهم وصل الى مراحل السلطة العليا ، وراح يشارك في (صنع القرار الوطني) ، وتحمل المسؤوليات الجسام في قيادة البلد والمشاركة في نهوضه وصنع مستقبل أجياله!!

القراءة الخلدونية.. وما تبعها من مناهج تعلم وفكر متفتح ، في العراق ، والتي بقيت لعشرات السنين ، تنهل منها الأجيال دروس العلم والتعلم .. كانت كافية لبناء أجيال مقتدرة ، شيدت وطنا وبنت مؤسسات دولة وأقامت صروح علم ونهوض ، نهلت من عبق تاريخها الحضاري العريق ما يرفع رؤوس شعبها الى علياء السماء!!

وما إن غادرنا القراءة الخلدونية .. ورحنا نقلد دولا أخرى تحت حجج (مجاراة التطور) العالمي في المناهج ، واذا بنا (نهوي) في منحدر، لم نستفد منه كثيرا ، إن لم يكن قد تراجعنا كثيرا، ولم تعد أجيالنا تستسيغ هذا (الطوفان) الذي حل علينا ، ليحول كل أفكارنا ورؤانا وما بنته ضمائرنا من قيم ومنازل رفيعة، حتى (تهاوت) في أغلبها، وتدحرج العلم الى منازل وضيعة، ولم نعد نخرج أجيالا ترتقي الى حجم طموحات العراقيين في ان يبنوا رجالا أشداء قادرين على مواجهة التحديات، بعد إن طغت (الماديات) , (المظاهر المزيفة) و(الخزعبلات) و(أكاذيب التاريخ) على (القيم العليا) وتدحرجت الأخلاق و (منظومة القيم) وتحولنا الى (أتباع للغير) ،يفرضون علينا رؤاهم ومناهجهم التسلطية ، حتى ضاعت (قيم الوطنية) و(الشعور بالمسؤولية) وغاب (الضمير) وإستتر ، وهوت المنازل الرفيعة، يوم تخلينا عن قيمنا ومبادئنا وضمائرنا ، يوم باعها الكثيرون بثمن بخس دراهم معدودة!!

ولو حافظنا على أسس القراءة الخلدونية وبقية المناهج التي كانت تدرس في الستينات والسبعينات ، ولم ننغمس كثيرا في (المناهج الفكرية والمادية) للغرب ولتوجهات بعض دول الجوار ذات الأجندة التخريبية، ولتوجهات بعض دول الجوار الضارة بنا ، لما وصلنا الى ما وصلنا اليه من تدهور قيمي وأخلاقي ، كالذي نعيشه اليوم، ولتخرجت أجيال قوية الساعد وعقولها متفتحة وقادرة على مجاراة الواقع والنهوض به الى الأفضل.. !!

وما إن تركنا (القراءة الخلدونية) ..ودار دور.. حتى غادرنا زمننا وأقدارنا ، ولم نعد نخرج أجيالا تهتدي الى ديارها ووطنها الكبير، ولم يعد الدفاع عن الوطن والقيم والمباديء شئ مقدس، وعاد بنا التاريخ الى مراحل الكر والفر، ورحنا نتخذ من الغزو وسيلة لإشباع الغرائز ، حتى أعادوا بنا التاريخ الى مراحل حروب داحس والغبراء وحرب البسوس ، ومن ثم تهاوت ديارنا وقلاعنا الى قاع ومنحدر خطير،بعد إن ارتضى الكثير من ساسة اليوم وأحزابهم أن نكون (أتباعا) للغير ، ورحنا نقبل مرحلة (الوصاية) على مقدراتنا، وضيعنا المشيتين وإنطبق علينا المثل القائل : ” لا حظت برجيلها ولا أخذت سيد علي” !!

الخطيئة الوحيدة التي نسجلها على القراءة الخلدونية ربما هي أنها علمتنا : قدري قاد بقرنا..بالرغم من أنها تنبأت بها قبل عقود من أن يأتينا زمان يقود فيه الشعب من هو على شاكلة قدري، ليقود رقابه الى حيث الأقدار التي لاتليق بهذا الشعب، أن يحكمه من هو على شاكلة قدري ، وهو من يقود بقرنا الى حيث يحلب القطيع او يذبح ، وهو ما نلمسه كل يوم في عقود العملية السياسية، التي شاءت الأقدار اللعينة ان يكون قدري فيها هو من يتحكم بأقدارنا ،بعد إن هوى العراق الى منازل القاع، وراح” القدريون” و”الرعاع” هم من لهم الغلبة في أن يحكمونا بإسم القطيع!!