23 ديسمبر، 2024 11:01 ص

القرآن و “الفكرة” و “التعليل” و .. “الليل” ! ..

القرآن و “الفكرة” و “التعليل” و .. “الليل” ! ..

تعليلين ـ تعليل 1 ـ على ضوء قرار “ملك” المغرب منع رجال الدين من الاشتغال بالسياسة ..

هل في رمضان , أو في غيره , “نتعلّل” فعلاً ؟!

“نتعلّل” مصطلح عادة ما تكون نغمته مريحة لأذن المستمع ,  فهور يرتبط ذهنيّاً بحالة الراحة والاسترخاء خاصّةً لمن اجتمع يطلبه بعد عناء من العمل فهو نار الحطب الّتي يجتمع حولها في السهرات , وخاصّة سهرات رمضان في العصور المتأخّرة قبل مداهمتها ب “التسالي” الرمضانيّة ! .. و”تعاليل” بالتأكيد مشتقّة من “تعليل” , ولنقل أنّ كلمة تعليل ملخّص عن “تحليل” , والتحليل هي عمليّة بحث عن “مجموعة ألغاز” هي مكوّن لمجهول محدّد يراد معرفة كنهه !  , ومن الظريف أنّ المتداول “داخل المجتمعات المتحضّرة” هو انشغالها الدائم عن علل أو “أسباب” لمجريات أو حوادث  “لم تُفهم أسباب حدوثها بعد” فتُتداول باستمرار , فمجتمع مثل هذا عادةً ما يكون هو “المفسّر” الرئيسي لأغلب الظواهر ! لذلك فإنّ مجتمعاتنا كانت متحضّرة , وهذا ليس بمكتشف جديد , وتأكيد تحضّرها ؛ عندما نعلم أنّ مصطلح “نتعلّل” الّذي بات اليوم تداوله وكأنّه يُستخدم للمتعة لذاتها , هو أشبه بندوة نقاش لدوام رسمي إضافي ! , تبدّد معناه الأصل فبقي وجهه الثاني ! , فالمصطلح على هذا “نتعلّل” أصبح من وجهين وجه “البحث عن سببيّته “أي تعليله” والثاني “التمتّع بهذا التعليل” ! لذلك لازمت صفة تعليل أوقات الراحة , ووقت الراحة هو الليل  , كأن يُقال : “تعالوا نتعلّل عند فلان” أيّ تعالوا نمضي سهرتنا في البحث عن الأسباب للقضايا التي لم نفهمها بعد فتعالوا “نتعلّل بها بقائنا ساهرين” ! انظر عزيزي القارئ كم كنّا متحضّرون ونحن حتّى متعتنا كانت لن تكون كذلك إلاّ بالبحث والتقصّي العلمي , ف”التعليل” يعني بحث علمي تّرجَع متداولاته للمنطق وللعقل , ومع الأسف اليوم أصبحنا “نتعلّل” بالبحث عن كلّ ما يُفرقنا أو يزيد في الأباطيل بيننا ويضع العراقيل امام فهم وتفاهم بعضنا مع بعض ونتعلّل بكلّ فكر يسهم بالتزييف , بتنا نتعلّل بمشاكل بعضنا البعض لا نتعلّل بإيجاد الحلول لها  ونتمتّع بما ينتج عنها من أضرار تصيبنا جميعاً ..  والأظرف نعلّل كلّ ما يصيبنا لأسباب خارجيّة لا داخليّة تعلّلنا بمسبّبات خلقها من العدم أو من عدوّ مجهول ! والمفهوم الدارج لدينا انّ من يخاف المجهول ويرمي أسباب مصائبه إليه سوف يظهر له !.. 

لربّما هي مفارقة , وما أكثر “المفارقات” إن دخل الدين فيها كموضوع ! , لا شكّ أن قرار الملك السادس ( بمنع اشتغال رجال الدين بالسياسة ) هو قرار صائب لكنّه كان يجب أن يصدر “منذ زمن بعيد منذ ما قبل تولّ “الجد” الأوّل لملوك المغرب ! , وهي مفارقة فعلاً أن يكون وصول المُلك لبني “محمّد” كان لاعتبارات دينيّة أيضاً “على اعتبار أنّ ملك المغرب سلسلة آل البيت”  فلولا اشتغالهم بالسياسة باسم آل البيت لم يكونوا ليصلوا ملوكا لبلاد المغرب ! ..

واجب من يرغب تصدّر واجهة الدين أو من يتكلّم باسمه أو من يدعو الناس للاقتداء بتعاليمه , أيّ دين كان , هو تضييق حلقة الشرور ومحاصرته بنشر الوعي الخلقي  .. فالمعادلة هنا , كلّما اجتهد دعاة الدين في زرع المحبّة و تعليل منافذ نشرها بين الناس كلّما ضاق الشرّ داخل المجتمع , وبالتالي تكون نتائجه “سياسيّة” أيضاً ! ؟ .. كيف ؟ لتعليل ذلك يكمن من تتبّعنا الفرص التاريخيّة الّتي وائمت لظهور حكّام ذووا خلق ومواصفات قياديّة أقرب للواقعيّة , وبتعليل ظروف ظهور تلك الفرص ستكون ايجابيّاتها وفيرة وكبيرة , فانتخاب الظروف لحاكم من بين مجتمع قاعدته الجماهيريّة تنحسر فيها الشرور ستكون أوفر حظّاً من نقيضها .. ولا ننسى هنا أنّنا نخصّ التعاليم الدينيّة المنتقاة من التّي تكون بعيدة كلّ البعد عن ما علق بالدين من شوائب كالخرافات وغيرها من الّتي ليس للعقل فيها شيء يُذكر أو حضور , الخالية من الأحقاد وغير المُثيرة لها , لا تضمر للآخر ما يكرهه , لا تكفّره لا تعتدي عليه لا تستعديه , تنشر المحبّة وتدعوا لتحكيم العقل باستمرار , مصادرها موثوقة إن تعلّق أمراً ما بحاجة لها , وما عداها يستوجب حرقها جميعاً ومعاقبة من يخالف ذلك لا العكس أن تُحرق “الفكرة” !   ..

تعليل 2 .. القرآن دستور دفاع ضدّ الأشرار 

البعض من المتحاملين على الدين , أعني المتحاملون على القرآن تحديداً ,  ينظر للمكوّن اللغوي “للقرآن الكريم” من رؤية “تعبيريّة لغويّة” إن صحّ التعبير , تدفعه لمهاجمته باعتباره “مجموعة مخاطبات لغويّة فاشلة” ويضع لذلك جميع مقاييس المكوّن اللغوي الفاشل للقرآن .. لا نريد هنا الردّ على مثل هذه الطروحات الّتي ينقص أصحابها الرويّة والتأمّل والتأنّي والموضوعيّة , لا أريد الخوض في تفنيد الحجج اللغويّة بتفاصيلها المتقاذفة بين الطرفان ـ المهاجم والمدافع ـ  نترك ذلك لأصحاب “الاختصاص” رغم انّي على قناعة أنّ المدافعون عن القرآن بالحجج اللغويّة لا يقلّون خطورة على “فكرة” القرآن من المتعرّضون له ! فلست من المتخصّصين أو الضليعين بعلوم الفقه اللغوي .. ولأنّه , اللجوء للتفنيد بالمحاجج اللغوي أجده يحتاج جهداً لا معنى له مع مثل هؤلاء الّذين يدفعهم الحقد على الرسول الكريم فقط  ولا غيره .. ثمّ هنا من المفيد أن يكون الردّ ردّاً فكريّاً بمجمله يعتمد على صور واقعيّة معاصرة لا ردّاً “كلاسيكيّاً” كما اعتاد عليه “النصّيّون” , لأنّهم سيشاركون الطرف الآخر “إبهام” الرؤيا هؤلاء الغارقون بالتفاصيل ممّا سيضيّع على المتابع البسيط الكثير من المقاصد  .. نستطيع تلخيص “التفنيد” لكلا الطرفين , هو أنّ القرآن “فكرة” تولدت صوراً لحدّ معيّن هدفها نقل المجتمع الّذي وُلدت من رحمه إلى حالة نقيض , لم تعتني تلك “الفكرة” ومركزها القرآن , بحسب تصوّري الشخصي , بقواعد الموروث في التخاطب , لأنّ “الصورة” الذهنيّة هي “الحجّة” قبل ظهور القرآن في التنابز بين المتبارين أي قبل ظهور “الصورة البيانيّة في الاعجاز الصوري” .. الصورة الاعجاز تلك هي من سوّرها المسوّرون بعد رحيل “صاحبها” وبحجج مختلفة داعيها الأوّل “الخوف” من انقراضها ! سمّيت تلك الأسوار ب “قواعد اللغة” ! .. أماتوا تطوّر الصور الذهنيّة الرائعة التنوّع بقواطع كونكريتيّة لا مجال لاختراقها بإبداع آخر ! ..