19 ديسمبر، 2024 12:06 ص

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 4

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 4

الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ (2)
الحمد هو أعلى مرتبة من المدح، والمحمود هو الذي يُحمَد من قبل حامِد له، والحميد يمثل صيغة المبالغة لاسم المفعول محمود. والحامد عندما يحمد محموده، إنما يذكر مَحمَدة من محامده أو كل محامده. والمحمدة هي صفة الكمال التي تكون عند المحمود النسبي نسبية مهما بلغت من درجة، بينما هي بالنسبة للمطلق مطلقة مثله بالضرورة، فالقدرة، والعلم، والحكمة، والعدل، والرحمة، كل ذلك يكون مداه عند الله مطلقا غير محدود، فواجب الوجود مطلق المحامد باتجاهين، بالاتجاه الأفقي، بمعنى أنه متصف بالكمالات كلها بلا استثناء، وبالاتجاه العمودي، بمعنى أن كل كمال من كمالاته مطلق غير محدود. وقد استخدم الحمد بمعنى الشكر، فكأنما الشاكر يريد أن يعبر عن شكره لمشكوره بحمده، أي ذكر محامده وكمالاته. أما كون الله ربا، فهذا يعني أنه ليس خالقا يمثل العلة الأولى الأزلية واجبة الوجود فحسب، بل هو إله يعبد، ولا إله ولا معبود سواه، وأنه رب الوجود الممكن الحادث الذي خلقه، أي السيد والراعي والمربي، فالربوبية سيادة ورعاية. أما العالمين فهي إما بمعنى العوالم، جمعا لـ(عالَم)، بمعنى أنه رب كل العوالم المادية والمعنوية، وإما بمعنى الناس، أي هو رب الناس، والتخصيص هنا جاء، باعتبار أن القرآن الذي ينسبه مؤلفه إلى الله إنما يخاطب الإنسان بدرجة أساسية، فالناس هم المرسَلة إليهم الرسالة (القرآن/الإسلام) بواسطتين، رسول ملك نعت جبريل، ورسول بشر هو محمد مؤلف القرآن، أو لنقل التالي له على الناس، والداعي للإيمان به. ولكن فات مؤلف القرآن توصيف الله بـ(المُتحمِّد)، أي المتحمد بالذات والاستقلال، والغنيّ عن أن يكون محمودا، لأن المحمود إنما يحتاج إلى حامِد، كون المفعول مفتقرا دائما إلى فاعل.

الرَّحمانِ الرَّحيمِ (3)

وحسنا فعل المؤلف إذ أكد على الرحمة كما مرّ بيانه في البسملة. وتوسطت الرحمة ربوبية الله للإنسان، وبالتالي عبودية الإنسان لله في الدنيا من جهة، ومالكية أو ملوكية الله ليوم الحساب والجزاء، ثوابا وعقابا، في الآخرة. وهنا لا بد من الإشارة، بأن يوم الحساب، أو كما ورد بمسمياته المختلفة، كيوم القيامة، ليس من الضرورات العقلية، في حال آل بالعقل إلى الإيمان بالله، عبر أدلته وبحثه، وليس عبر إخبار الأديان، بينما الجزاء يكون عندها من ضرورات العقل، لأنه من لوازم العدل، والعدل من لوازم الكمال، والكمال المطلق من لوازم واجب الوجود، أو ضروري الكؤون. والجزاء إثابة وتعويضا، وربما عقابا، لا يحتاج بالضرورة إلى حساب.