23 ديسمبر، 2024 1:39 ص

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 3

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 3

سورة الفاتحة – سورة 1 – عدد آياتها 7
بِاسمِ اللهِ الرَّحمانِ الرَّحيمِ (1)
لعل من أجمل ما تبناه القرآن هو افتتاح كل نص قرآني المسمى بالسورة، باستثناء الأخيرة نزولا والتاسعة ترتيبا في المصحف (سورة التوبة)، بهذه العبارة الافتتاحية الجميلة، المسماة بالبسلمة، كمصطلح منحوت من اللفظ المركب «باسم الله». فافتتاح الكلام بالبسملة يجعل المفتتح بها ينفتح بقلبه وبعقله على الله، وبالتالي على كل المعاني المطلقة، حيث الكمال المطلق، والجمال المطلق، والجلال المطلق. وقد أجاد مؤلف القرآن عندما اختار من كل صفات الله صفة الرحمة، وأكدها بتكرارها بوزنين من أوزان صيغة المبالغة لاسم الفاعل للفعل «رَحِمَ، يَرحَمُ، رَحمَةً»، فهو «راحِم». وصيغ المبالغة متعددة، منها المألوف، ومنها غير المألوف، أمثال الأوزان «فَعّال»، «مِفعال»، «فِعّيل»، «فاعول»، «أُفعول»، فنقول: «رَحّام»، «مِرحام»، «رِحّيم»، «راحوم»، «أُرحوم». لكن مؤلف القرآن اختار وزنين مألوفين بالنسبة لمادة (راء، حاء، ميم)، وهما «فَعلان» و«فَعيل»، فكان «رحمان» و«رحيم». أن يفتتح الإنسان بوعي وتفاعل وجداني، وليس برتابة العادة؛ عندما يفتتح أعماله وأقواله ومشاريعه باسم الله، يجعله مستحضرا ضرورة انسجام سلوكه وكلامه ومشاريعه مع قيم المطلق، بالرغم من أنها كلها من مفردات عالم الإنسان، والذي هو بالضرورة عالم النسبية، لكنها نسبية تكاملية، أو لنقل كادحة نحو الكمال، أي دائما إلى ما هو أكمل، مع وعي استحالة بلوغ الكمال المطلق. ثم تأكيد صفة الرحمة دون بقية صفات المطلق، يحدث إحساسا ثلاثي الأبعاد، بعده الأول أن يعيش الإنسان حالة الرجاء في رحمة الله، والبعد الثاني أن يجعل نفسه وعاءً نظيفا، من أجل أن يكون مؤهلا لاستقبال إفاضة الرحمة الإلهية، والثالث أن يستحضر قيم الرحمة والتراحم ويتحلى بروح وسلوك الرحمة. والرحمة قد تكون من جهة دون مرتبة الحب الذي أكدته المسيحية أكثر مما فعل الإسلام، ولكن في نفس الوقت يمكن القول أن الرحمة أشمل من الحب، لأن الرحيم يرحم من يحبه ومن لا يحبه. وإن كان القادر على حب عدوه كما تدعو إليه أديان أخرى، لاسيما المسيحية، يمكن أن يكون أرقى مرتبة من الرحيم، ولكن من جهة أخرى يمكن القول إن من يحب معاني الجمال لا يمكن أن يحب من يمقت هذه المعاني ويعمل على هدمها، لكنه ومع عدم حبه لمثل هؤلاء، لا يمنع أن يعيش الرحمة تجاههم. لكن مع كل هذا التأكيد على الرحمة، سنجد في القرآن الكثير الكثير مما يتعارض بشكل حاد مع الرحمة، إن كان على مستوى العلاقة الإنسانية، لاسيما علاقة المؤمن بالإسلام تجاه غير المؤمن بالإسلام، والمنعوت بـ(الكافر)، وكذلك على مستوى فهم مؤلف القرآن ومؤسس الإسلام لرحمة الله، التي سنجدها لا تخلو من ثمة مزاجية، وتجعلها متأزمة وقاسية قسوة لا يتقبلها من له عقل يتدبر، وقلب ينبض بالإنسانية، ناهيك عن تعارض الكثير في القرآن مع العدل، كما سيشار إليه في محله.