22 ديسمبر، 2024 10:38 م

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 23

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 23

وَإِذا لَقُوا الَّذينَ آمَنوا قالوا آمَنّا وَإِذا خَلَوا إِلى شَياطينِهِم قالوا إِنّا مَعَكُم إِنَّما نَحن مُستَهزِئونَ (14)
المتخفي أو المجامل سواء كان تخفيه نفاقا أو تقية، خوفا أو حرجا، أو كان ناتجا عن ضعف في الشخصية وعدم امتلاك الشجاعة الأدبية والاجتماعية لمواجهة المخالفين له برأيه بصراحة، فيما لا يوافقهم فيه، أو كان ناتجا عن صعوبة التشكيك بعقائد المسلمين، وهم في ذروة الحماس والقناعة التي لا تقبل الرأي الآخر، أو كان بسبب أن غير المقتنع ليس له القدرة على المجادلة وطرح الدليل المضاد مقابل أدلة الطرف الآخر. أقول بقطع النظر عما إذا كان التخفي، أي إخفاء الإنسان لحقيقة عقيدته إما سكوتا وإما تأييدا من غير قناعة حقيقية، وبقطع النظر عما إذا كان التخفي معذورا ومقبولا، أو مدانا ومستنكرا، بحسب اختلاف الدوافع والظروف، بقطع النظر عما إذا كان هذا التخفي والموافقة الظاهرية أمرا ممدوحا أو مذموما، فإن المتخفي يحتاج إلى مُتنفَّس لإظهار حقيقة قناعاته، وغالبا ما يفصح المتخفي اضطرارا أو اختيارا، تقية أو نفاقا، عن حقيقة ما هو عليه في الوسط المنسجم مع قناعاته الحقيقية. ومن هنا فمن الطبيعي أن الذين كانوا يخفون عدم إيمانهم بالإسلام أمام المسلمين، كانوا عندما يلتقون أو كما يعبر هنا يختلون بأقرانهم من مشركين أو من عموم غير المقتنعين بالإسلام، فإنهم يتكلمون عن حقيقة قناعاتهم، وعندما يُعاتَبون أو يُنتقَدون من قبل البعض، بسبب تظاهرهم بالإيمان بدين الإسلام أمام نبي الإسلام وتابعيه، ومجاراتهم للمسلمين، فإنهم يبررون موقفهم هذا بشتى التبريرات، ومنها إنهم كانوا يقولون، إنما نحن نسخر من هؤلاء ونستهزئ بهم، وإلا فنحن معكم تماما في عدم تصديقنا بنبوة محمد، وبكون ما يتلوه مما يسميه قرآنا وحيا أوحي إليه حقا من الله. طبعا إذا كان التخفي نفاقا وليس تقية واختيارا وليس اضطرارا، فإنما ينم هذا عن نوع من التفاهة وعدم الجدية، أو عن تزعزع الشخصية وخوارها، ومن غير شك إن الاستهزاء والسخرية ليس بالأسلوب المطلوب في مواجهة هكذا قضية بهذه الدرجة من الجدية والخطورة، إلا إذا كان هناك فعلا على الأقل حسبما يراه مما لا يستحق إلا السخرية والاستهزاء. فأحيانا لا يملك الإنسان إلا أن يتعامل بهذه الطريقة، عندما يواجه عقولا مغلقة وقناعات نهائية لا مرونة فيها وتعصبا ومغالاة، فلا يجدي السؤال أو الحوار، فيماشي هؤلاء في تعصبهم، ويتظاهر بموافقته لهم، وهو في قرارة نفسه مستهزئ بتلك العقول، أو عاطف على بؤس ما هم عليه. ثم غير المقتنعين هؤلاء بالإسلام، ليسوا كلهم سواء، فمستوى الوعي، ومستوى الثقافة، ومستوى القدرة على المحاججة، ومستوى الشجاعة، ومستوى توازن أو عدم توازن الشخصية، يختلف من الواحد إلى الآخر منهم، كما إن المسلمين ليسوا سواء. ومن موارد تعصب الإسلام إنه لا يتعامل مع مخالفيه، إلا بكيل الشتائم لهم، أقلها إنهم كفار، أو منافقون، أو أعداء، أو فسقة، أو فجار، أو شياطين كما هنا، أو أشرار، أو سفهاء، أو قردة وخنازير، أو أنعام، أو حمير، أو كلاب. فأي أدب يؤدب الله به مؤمنيه في تعاملهم مع المغايرين، وهذا ما يصعب أن تجبره المعاني الجميلة المنفتحة والمرنة، مثل «ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحكمَةِ والـمَوعِظَة الحسَنَة»، أو «لا تُجادِلهُم إِلّا بِالَّتي هِيَ أَحسَن»، أو «تَعالَوا إِلى كَلِمَةٍ سَواء»، أو «قُل إِنّا أَو إِيّاكُم لَعَلى هُدًى أَو في ضَلالٍ مُبين»، أو «لَكُم دينُكُم وَلِيَ دينِ[ـي]»، وغيرها. طبعا هذا دون أن نستطيع تبرئة المعنيين بهذه الآيات، بأن بعضهم، سواء أقلهم، أو أكثرهم، وبالتأكيد ليس كلهم، كانوا أسوأ تعصبا وتطرفا من المسلمين، ومنهم بلا شك قد يكونون سيئي السريرة، أو سطحيين متبعين لما وجدوا عليه آباءهم ومحيطهم اتباعا أعمى، وإنما هم رفضوا الإسلام، ربما لأنهم كانوا سيرفضون أي جديد، حتى لو مثل الحق والحقيقة.