22 ديسمبر، 2024 10:49 م

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 20

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 20

في قُلوبِهِم مَّرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَّلَهُم عَذابٌ أَليمٌ بما كانوا يَكذِبونَ (10)
النفاق بما هو نفاق، أي النفاق الطوعي، والمنطلق من حسابات النفعية، وليس الاضطراري، ولا المنطلق من حسابات الحكمة، فهو يعبر فعلا عن حالة مرضية، عندها يصح نعت المنافق أنه مريض القلب، ولكن النفاق، وبالتالي هذا المرض النفسي أو القلبي درجات ومستويات، فمنه المستحكم الميؤوس من معالجته، ومنه ما هو قابل للمعالجة، ككل الأمراض النفسية والأخلاقية، بينما نجد هنا تعميما لكل الذين ذكروا، وشمولا لهم جميعا بالعذاب الأليم، دون مراعاة ما بينته من كون النفاق مستويات ودرجات، ويختلف في الدوافع، ولكن يمكن أن يجاب على أن هذه الإشكالية مجاب عليها بما ورد في القرآن «إِنَّ اللهَ لا يَظلِمُ مِثقالَ ذَرَّة»، ولكن هذا ما يناقضه القرآن نفسه في العديد من الآيات التي تتوعد من لا يؤمن بالعذاب الأليم الخالد، وكل عاقل يعلم أن العقيدة في الأعم الأغلب ليست اختيارية، والعقاب على ما يكون المعاقَب مجبرا وغير مختار فيه هو خلاف العدل يقينا. فالإنسان يرث الدين والمذهب غالبا من أبويه، أو يتأثر بالمحيط الذي يعيش وسطه، بل حتى الذي يختار عقيدته بنفسه، فهناك عوامل غير اختيارية تجعله يعتنق هذه أو تلك العقيدة، ونفس الاقتناع أو عدم الاقتناع بفكرة ما، ومنها الدين، هو أمر ليس بيد الإنسان، فواحدنا يجد نفسه غالبا، من غير اختيار، إما مقتنعا أو غير مقتنع، ويكون خلاف العدل أن يعاقب الإنسان، كونه لم يستطع أن يقتنع بأمر ما، حتى لو كان خلاف الحقيقة، أو أن يجد نفسه غير قادر على الاقتناع بأمر آخر حتى لو مثل الحقيقة. طبعا هذا لا يشمل المكابر والمعاند بسبب مصلحة ذاتية أو هوى في نفسه، بل نتحدث هنا عن القناعة وعدم القناعة بصفتيهما هاتين مجردتين عن النوازع النفسية والمصالح الذاتية. في آخر الآية يوصف المنافقون بأنها كاذبون، وهذا وصف دقيق، لأن النفاق، إذا تحقق فعلا، فهو لون من الكذب، وإذا كان هناك كذب مسموح به بعنوان ثانوي، فيكون النفاق مثله، وذلك عندما يكون بعنوان التقية، سواء اتقى المسلم بطش غير المسلم إذا اضطهده في دينه، أو اتقى غير المسلم لاسيما المرتد عن الإسلام بطش المجتمع المسلم أو النظام الإسلامي أو المؤسسة الدينية، فالتظاهر بغير المكنون في داخل الإنسان اضطرارا ودرءً لخطر حقيقي حادق أو حرج لا يتحمل عادة، لا يمكن نعته بالنفاق المستحق للإدانة، ناهيك عن استحقاقه للعقاب.