تكملة الآية (4) من البقرة
أما الصفتان الرابعة والخامسة، فهي متعلقة بالإيمان بالإسلام بشكل خاص، وبعموم ما يسمى بالأديان السماوية أو التوحيدية أو الإبراهيمية أو الكتابية بحسب المصطلحات المختلفة. فالآية تقول عن المتقين الذي جعل القرآن هدى لهم، أنهم يؤمنون بما أنزل على محمد وما أنزل من قبله، مع إن الإسلام لا يؤمن بما لدى اليهود والمسيحيين الذين يسميهم بالنصارى، بأنه يمثل ما أنزل الله إلى موسى وعيسى، لأنه يقول بتحريف اليهود والمسيحيين للتوراة والإنجيل. إذن هو إيمان بكتب يفترض أن الله أنزلها، لم يعد لها وجود، حسب عقيدة الإسلام، ولا ندري أي معنى للإيمان بشيء مفترض لا وجود له في الواقع. ولكن بعيدا عن ذلك، ألا يمكن أن يكون الإنسان مؤمنا وموحدا ومتقيا من غير الإيمان بالإسلام؟ بلا شك إن هذا ممكن، أما الإيمان بالأديان السابقة والتي يتصور المسلمون أنهم يمتازون بكونهم يؤمنون بكل الأديان السابقة لهم، ويعتبرون ذلك ميزة ليس عند اليهود الذين لا يؤمنون بإلهية الدينين اللاحقين المسيحية والإسلام، ولا عند المسيحيين الذين يؤمنون بإلهية اليهودية والمسيحية دون الإسلام، بينما المسلمون يؤمنون بالأديان الثلاثة كلها. إن في هذه الدعوى، أو في هذا التصور خللا كبيرا ومجانبة للحقيقة. من الطبيعي أن بقاء اليهودي على يهوديته، يعني أنه لم يؤمن بما بعده من دينين، وهكذا بالنسبة لبقاء المسيحي على مسيحيته وعدم اعتناقه بالإسلام دليل على عدم اقتناعه بإلهية مصدر الإسلام. ولكن مقولة أن للمسلمين ميزة لا يمتاز بها أتباع الديانتين السابقتين، باعترافهم بهما، غير صحيحة أبدا. السبب أن إقرار المسلمين بصحة اليهودية والمسيحية هو إقرار بدينين غير موجودين في الواقع، فكل من اليهودية والمسيحية المعترف بهما من قبل الإسلام هما غير اليهودية التي يدين بها اليهود، وغير المسيحية التي يدين بها المسيحيون، فالدينان المذكوران المعترف بهما إسلاميا هما اليهودية والمسيحية ما قبل تحريف الأول من قبل اليهود، والثاني من قبل المسيحيين، حسب عقيدة الإسلام. إذن اليهودية والمسيحية لليهود والمسيحيين ليستا الديانتين اللتين يعترف بهما الإسلام، بل هما يهودية ومسيحية مفترضتان ولا وجود لهما في الواقع.