18 ديسمبر، 2024 11:43 م

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 14

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 14

وَالَّذينَ يُؤمِنونَ بِما أُنزِلَ إِلَيكَ وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُم يوقِنونَ (4)
هذه الآية تكمل سرد صفات المتقين الذين أريد للقرآن أن يكون هدى لهم، فتضيف ثلاث صفات أخرى، ليكون مجموع الصفات ستا. الصفة الرابعة بعد الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة والإنفاق هي الإيمان بالإسلام، والخامسة الإيمان بالأديان السماوية (الإبراهيمية) السابقة، أما السادسة فهي الإيمان اليقيني بالآخرة. إذا ما تناولنا صفات المتقين كمفهوم عام، فكان الأجدر الاكتفاء بإضافة الصفة الأخيرة دون المرور على الرابعة والخامسة، لكن إذا أخذنا بنظر الاعتبار اعتماد القرآن ككتاب يستهدى به، فمن الطبيعي ألا يكون مستعدا للاستهداء به، إلا من آمن به وبإلهية مصدره وبنبوة المبلغ به، فبمعايير الإسلام يكون القول دقيقا جدا، ألا ريب في أن في هذا الكتاب هدى للذين آمنوا بأن القرآن كتاب منزل من الله على رسوله محمد، وبالذات لما أسمتهم الآية الثانية بالمتقين منهم، أي من الذين ترسخ في قلوبهم الإيمان بالله وبمحمد وبالإسلام وتفاعلوا مع القرآن بشكل أكثر وأعمق وأشد تطبيقا من غيرهم. لكن حتى هذا لم يتحقق، لتعدد فهم القرآن بسبب المتشابهات والتعارضات فيه. أما الصفة الثالثة، أي الإيمان اليقيني بالآخرة، فلعلنا نتوقف عند شرط اليقينية التي لا تتأتى لكل إنسان، ويفترض أن الإيمان الظني كاف لتحقق شروط التقوى، وهذا ما يقوله القرآن نفسه في آية سنعرض لها بقوله «وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشِعِينَ، الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِم وَأَنَّهُم إِلَيهِ رَاجِعُونَ» ولم يقل (الذين يوقنون) ولا حتى (الذين يؤمنون)، مما يدل على أن الإيمان الظني مقبول من الله حسب التصور القرآني، ولو في هذه الآية، التي لن تنجو من أن تنسخها أو تدحضها أو تنقضها آيات أخرى. ولكن أيضا حسب التصور الفلسفي وفقا لفهمي لا بد من قبول الله بالإيمان الظني، ولو إن الإيمان وعدم الإيمان حسب مبادئ العدل الإلهي العقلي لا الديني، لا يجب أن يدخلا كعنصري ثواب أو عقاب. نعم يمكن القول إن اليقين بالآخرة أدعى لتحقق التقوى بمعناها الديني، هذا بالرغم من أني أرى ان الإيمان بالله وبالجزاء في حياة أخرى من طبيعة أخرى لا نعرف تفاصيلها من الضرورات العقلية، دون أن تكون بالضرورة من البديهيات لكل شخص، فالضرورة بمعنى الواجب العقلي قد تحتاج إلى إعمال للعقل وعملية استدلال لا تخلو من صعوبة وتعقيد، لكن عندما نصل إلى النتيجة، كما هو الحال مع المعادلة الرياضية الصعبة، فليس هناك إلا نتيجة واحدة لا غير. ولكن يمكن القول إذا فهمنا التقوى لا بمعناها الديني، وبالذات وفق معايير الإسلام، بل بمعنى الاستقامة بمعايير العدل والأخلاق والنزعة الإنسانية، فالذي يتحلى بكل ذلك، أو يسعى جادا للتحلي به دون استحضار الثواب والعقاب، هو أكثر استحقاقا لرضا الله وحبه وثوابه، لأنه عمل الخير دون مقابل، فهو لا يتاجر بالخير بل يعيش معانيه الإنسانية ويسعى لتجسيدها ما استطاع إلى ذلك طريقا.