19 ديسمبر، 2024 12:03 ص

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 13

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 13

تكملة الآية (2) من سورة البقرة
أما الصفة الثانية للمتقين المعنيين بالاهتداء أو قابلية الاهتداء بهذا الكتاب الموسوم بالقرآن، فهي أنهم يقيمون الصلاة، ومن غير شك إن الصلاة، إذا أديت حق أدائها، كممارسة رمزية، من شأنها أن تؤكد علاقة المصلي بالله، أي بالمطلق، وهذا يفترض به أن يزيده روحانية، وصفاءً نفسيا وتألقا روحيا ونزعة إنسانية وروحا خلاقة مبدعة، وحبا لمعاني الجمال، لكن الواقع لا يدلنا على تحقق كل ذلك إلا بالندرة النادرة من المصلين، لا سيما إذا سيست الصلاة، وتحولت إلى غطاء شرعي لكل المفارقات الأخلاقية، أو كانت مبررا لكراهة الآخر، من موقع مفهوم الكره في الله، تعالى الله عن أن يثقف بثقافة كراهة الآخر. على أي حال الصلاة، لو أديت كما ينبغي لها لا بمعايير الدين، بل بمعايير العقل والفطرة الإنسانية غير الملوثة التي فطر الله الإنسان عليها، فسيمكن أن يكون لها من أثر إيجابي، ولصاغت حقا من المصلي الإنسان الإنسان، أو قل الإنسان المتقي، أي المستقيم الواقي نفسه من مفارقة الاستقامة والمثل الإنسانية، بحيث تدعوه صلاته ليصحح مسيرته كلما انحرفت عن استقامتها. والآية لا تبتعد من حيث النظرية عن هذا المنحى، لأنها لم تجعل إقامة الصلاة شرطها الأخير، بل أعقبت إقامة الصلاة بالصفة الثالثة الملازمة لما قبلها، والناتجة عنها، إذا ما أديت حق أدائها، أي كما يعبر المصطلح القرآني الجميل إذا أقيمت، إذا كان للصلاة تأثيرا وحضورا مع الإنسان المصلي، فتكون روح الصلاة معه أينما حل، وحاضرة في أي سلوك سلك. من هنا فالصفة الثالثة هي أن ينفق الإنسان مما رزقه الله، فينفق الغني من ماله، والعالم من علمه، والمثقف من ثقافته، والمختص من اختصاصه، والخبير من خبرته، والواعي من وعيه، والقوي من قوته، وذو الجاه من جاهه، وهكذا ينفق الإنسان من وقته ومن راحته ومن اهتماماته الشخصية لنفع الصالح العام، متحليا بروحية العطاء، سعيدا بعطائه أكثر من سعادته بأخذه. لكن هل يدلنا الواقع على أن – لا أقول كل – بل أكثر المصلين قد جعلتهم الصلاة كما ذكر؟ وإذا قيل هذا ليس ذنب الإسلام، بل ذنب أكثر المسلمين، فهذا يعني أن مشروع الإسلام الذي هو مشروع الله كما يعتقد المسلمون مشروع فاشل، وأن الله أنزل مشروعه هذا للبشرية ولم يكن يعلم أنه سيكون مشروعا فاشلا، ثم عجز عن أن يتدارك ويصحح الخطر، لأنه تورط وجعل الإسلام خاتم الأديان، تنزه الله عن كل ذلك.