17 نوفمبر، 2024 12:50 م
Search
Close this search box.

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 103

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 103

إِنَّ الَّذينَ يَشتَرونَ بِعَهدِ اللهِ وَأَيمانِهِم ثَمَنًا قَليلًا أُلائِكَ لا خَلاقَ لَهُم فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنظُرُ إِلَيهِم يَومَ القِيامَةِ وَلا يُزَكّيهِم وَلَهُم عَذابٌ أَليمٌ (٧٧)
بلا شك إننا نجد هذا النوع من الناس، أي «الَّذينَ يَشتَرونَ بِعَهدِ اللهِ وَأَيمانِهِم ثَمَنًا قَليلًا» فيمن أشارت إليهم هذه الآية من يهود ومسيحيين، كما نجدهم في المسلمين، فهل يشمل المسلمين السالكين نفس السلوك أنهم «لا خَلاقَ لَهُم فِي الآخِرَةِ»، أي لا نصيب لهم من رحمة الله، وأنهم «لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنظُرُ إِلَيهِم يَومَ القِيامَةِ وَلا يُزَكّيهِم»، وإنهم سيكون «لَهُم عَذابٌ أَليمٌ»؟ طبعا الآية لا تنفي ذلك، لكن المشهور لدى معظم المفسرين وعلماء الكلام (اللاهوت) والفقهاء أن المسلمين لا يعذبون بنفس عذاب (الكافرين)، أي غير المؤمنين بالإسلام، ولا يخلدون في النار كالكافرين، فكما إن اليهودية تعتبر اليهود شعب الله المختار، وكما تعتقد المسيحية أن الخلاص لا يشمل إلا من آمن بالمسيح ابن الله، يجعل الإسلام خصوصية للمسلمين عند الله لا تكون لغيرهم.

وَإِنَّ مِنهُم لَفَريقًا يَّلوونَ أَلسِنَتَهُم بِالكِتابِ لِتَحسَبوهُ مِنَ الكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الكِتابِ وَيَقولونَ هُوَ مِن عِندِ اللهِ وَما هُوَ مِن عِندِ اللهِ وَيَقولونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُم يَعلَمونَ (٧٨)

لماذا يكون ليّ آخرين ألسنتهم بما يدّعونه كتابا من الله ليحسبه الناس أنه من كتاب الله مرفوضا ومدانا، بينما يكون ليّ مؤلف القرآن لسانه بما عرض على الناس من كتاب، ليحسبه الناس كتاب الله مقبولا وممدوحا وغير مسموح الشك فيه؟

ما كانَ لِبَشَرٍ أَن يُّؤتِيَهُ اللهُ الكِتابَ وَالحُكمَ وَالنُّبوةَ ثُمَّ يَقولَ لِلنّاسِ كونوا عِبادًا لّي مِن دونِ اللهِ وَلاكِن كونوا رَبّانِيّينَ بِما كُنتُم تُعَلِّمونَ الكِتابَ وَبِما كُنتُم تَدرُسونَ (٧٩)

مؤلف القرآن ومؤسس الإسلام طرح نفسه عبدا لله، ولم يأمر الذين آمنوا به أن يعبدوه، بل دعا بعبادة الله وحده لا شريك له. لكنه عندما يجعل طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، ويجعل ما أوجبه فرض الله، وما نهى عنه محرمات الله، وما أباحه حلال الله، وإذا علمنا أن بعض ما أوجبه لم يوجبه الله، وبعض ما حرمه لم يحرمه الله، وبعض ما أحله لم يحله الله، ألا يكون ذلك بمثابة دعوة للناس أن يكونوا عبادا له من دون الله؟

وَلا يَأمُرَكُم أَن تَتَّخِذُوا المَلائِكَةَ وَالنَّبِيّينَ أَربابًا أَيَأمُرُكُم بِالكُفرِ بَعدَ إِذ أَنتُم مُّسلِمونَ (٨٠)

في كل الأديان اتخذ فريق من أتباع كل منها أربابا وآلهة من دون الله، من حيث يشعرون، ومن حيث لا يشعرون. فقد تعني الآية هنا المسيحيين، إذ تعني أنهم اتخذوا عيسى بن مريم إلها واتخذوه وأمه ربَّين، ولكن اتخاذ أنبياء ورسلا وأئمة وقديسين وصديقين وكتبا وأضرحة وأماكن مقدسة وشرائع أربابا من دون الله، كما اتخذ آخرون آيديولوجيات وقادة وأوطانا أربابا وآلهة. أما الملائكة فهي وجودات وهمية لم يثبت وجودها، إلا بدعوى الأديان، مع اختلاف تصورات الأديان عن الملائكة، والإسلام استنكر على أديان أخرى بجعلها الملائكة إناثا، بينما هم في الإسلام إما ذكور، أو هم عديمو الجنس، فلا هم ذكور ولا هم إناث، حيث لم يوضح القرآن جنسهم، سوى استنكاره تصورهم إناثا، لكن ذكورتهم هي الأرجح، لأن الملائكة الذين نزلوا على بعض الأنبياء، حسب القرآن، كانوا دائما بهيئة رجال، بل حتى الملاك الذي نزل على مثل مريم بوصفها امرأة، كان بهيئة رجل.

 

وَإِذ أَخَذَ اللهُ ميثاقَ النَّبِيّينَ لَما آتَيتُكُم مِّن كِتابٍ وَّحِكمَةٍ ثُمَّ جاءَكُم رَسولٌ مُّصَدِّقٌ لِّما مَعَكُم لَتُؤمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قالَ أَأَقرَرتُم وَأَخَذتُم عَلى ذالِكُم إِصري قالوا أَقرَرنا قالَ فَاشهَدوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشّاهِدينَ (٨١)

بكل تأكيد لا علم لليهود والمسيحيين أنه قد أخذ من أجدادهم الأولين إقرارا، بأن إذا ما ما أتاهم نبي مصدق لما أوتوا من كتاب أن يصدقوه ويتبعوه. وحتى لو افترضنا وجود هكذا عهد وميثاق، ولو افترضنا أن اليهود والمسيحيين الذين عاصروا ظهور الدين الجديد على يد محمد علموا بذلك، فمحمد لم يصدق ما بين أيديهم من توارة وإنجيل، بل افترض وجود توراة وإنجيل حقيقيين غير محرفين، لم يعد لهما وجود، بينما الذي كان بين يدي كل من اليهود والمسيحيين، فقد اعتبرهما كتابين محرفين عما أنزل الله على موسى وعيسى.

فَمَن تَوَلّى بَعدَ ذالِكَ فَأُلائِكَ هُمُ الفاسِقونَ (٨٢)

هكذا هو حكم القرآن على كل من لم يصدق بمحمد نبيا مرسلا ولا بالقرآن كتابا منزلا ولا بالإسلام دينا ناسخا لما قبله، بأنهم فاسقون تارة، وأخرى كافرون، أو ظالمون، وفي كل الأحوال سيكون مآلهم إلى جهنم خالدين فيها أبدا.

أَفَغَيرَ دينِ اللهِ يَبغونَ وَلَهُ أَسلَمَ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ طَوعًا وَّكَرهًا وَّإِلَيهِ يُرجَعونَ (٨٣)

دين الله ليس هو إلا الإسلام بحكم «إِنَّ الدّينَ عِندَ اللهِ الإِسلامُ» «وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دينًا فَلَن يُّقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ»، كما في الآية ما بعد اللاحقة. إذن يمكن قراءة الآية على هذا النحو: «أَفَغَيرَ دينِ الإِسلامِ يَبغونَ […]»، أو «أَفَغَيرَ دينِ مُحَمَّدٍ يَّبغونَ […]». فلا ندري كيف يلزم أتباع دينين آخرين، باتباع دين يدعى أنه دين الله، في الوقت الذي لم يقتنعوا به، أنه حقا دين الله.

 

أحدث المقالات