18 ديسمبر، 2024 11:47 م

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 10

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 10

سورة البقرة – سورة 2 – عدد آياتها 286
بِاسمِ اللهِ الرَّحمانِ الرَّحيمِ
أَلِف لام مّيم (1)
حروف مقطعة، تقرأ: ألف لام مّيم. لقد فصل المفسرون كثيرا في معنى هذه الحروف المقطعة، منها تفسيرات تقترب قليلا من المعقولية، ومنها ما هو استغراق في فك الطلاسم والتأويلات غير المعقولة. في كل الأحوال تبدأ بها 29 سورة من مجموع 114 سورة، أي أكثر من ربع عدد سور القرآن. أقلها حرف واحد، وأقصاها خمسة حروف. بقطع النظر عن معاني هذه الحروف، فإن القرآن الذي يعتقد المؤمنون به أنه منزل من الله، والمخاطب به هو الإنسان، فمن الحكمة، والله الحكيم حكمة مطلقة لا يصدر منه ما يخالف الحكمة؛ أقول من الحكمة أن يكون الخطاب مفهوما من قبل المخاطَب ولا يشتمل على طلاسم وألغاز، وما يسمى بالمتشابهات، أي ما يحتمل التأويل إلى أكثر من معنى. فالذي يمارس هكذا خطاب إما أنه يريد تضليل المخاطَب، أو الضحك عليه، أو هو يهوى استخدام لغة الطلاسم، وهذا كله ما يتعارض مع حكمة الله ولطفه. وهناك من فسر الحروف المقطعة بمعاني زعم أنها من اللغة السريانية، وربما يكون لذلك ما يؤيده، أو يبقى الباب مفتوحا أمام احتمال صحة ذلك، ولكن لم ير هذا الكتاب فائدة من الخوض فيه.

ذالِكَ الكِتابُ لا رَيبَ فيهِ هُدًى لِّلمُتَّقينَ (2)

المقصود بالكتاب هو القرآن، واستخدم اسم الإشارة للبعيد (ذلك) من قبيل التعظيم، كما ذهب بعض المفسرين. وحيث أن الوقف والوصل في القرآن غير محسوم، فهو متعدد الروايات، ومتعدد الاجتهادات، وهنا يمكن قراءة هذه الجملة من حيث الوقف والوصل على ثلاثة أنحاء: «ذلِكَ الكِتابُ لا رَيبَ فيه. [جملة جديدة: هُوَ (أي الكتاب)] هُدًى لِّلمُتَّقيَن»، أو «ذلِكَ الكِتابُ لا رَيب فيه هُدًى لِّلمُتَّقين». وهذا ما لا يغير كثيرا من جوهر المعنى. المهم إن هذه الآية تريد أن تقرر ثلاثة أمور؛ تقرر عظمة القرآن أولا باستخدام اسم الإشارة البعيد (ذلك)، وكونه ثانيا معصوما من تسرب الريب إليه، وكونه ثالثا كتاب هداية، بالذات للمتقين، وسنكتشف إن صفة (المتقين) لا تتحقق إلا بشرط سابق له، هو أن يكونوا من المسلمين حصرا. أما كونه كتابا عظيما، فهذه دعوى لا نستطيع في بداية قراءتنا النقدية والمتجردة للقرآن، أن نحكم بإقرارها، كما لا نستطيع أن نحكم بنفيها، بل هذا ما سيتبين في مراحل قادمة من سياحتنا القرآنية النقدية والمتجردة والمنصفة والموضوعية، بمقدار ما يوفقنا الله له. أما كونه معصوما عن إمكان تسرب الريب إليه، فمن ناحية لا ندري ما المقصود بدعوى ألا ريب فيه، هل بمعنى ألا ريب في عظمته، أم لا ريب في كونه كتاب الله، أم لا ريب في أن فيه هدى للمتقين. لا نتكلم عن عظمة القرآن، فهو لا يخلو عند البعض من ثمة عظمة، ولكنها عظمة نسبية، وليست مطلقة، وهذا من أدلة استحالة صدوره عن الله، أو لا أقل مما يعطي مبررات الشك في ذلك. أما كونه لا شك في صدوره عن الله، فأقول إن القرآن، كما ثبت للدارسين المتجردين، مفتقر إلى الكثير من التنقيح، مضمونا ولغة، أو من حيث كونه يشتمل غالبا على ما أسماه القرآن نفسه بالمتشابهات، أي ما يقبل التأويل لأكثر من معنى، والحكيم لا يترك مخاطَبيه يتخبطون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في كثير من القضايا المطروحة من قبله، حائرين في حقيقة المعنى المراد منه، إضافة إلى الكثير من صياغات التعميم والإطلاق، فيما يرفض العقلاء بالإجماع كونه مما يقبل التعميم والإطلاق. وأما القول بألّا ريب في كونه كتاب هدى، فالدليل على عدم تحقيقه للهدف الذي ادُّعِيَ له، هو كثرة سبل الهدى المفترضة المستوحاة منه، مما يجعل الإنسان حائرا في أيٍّ يا ترى من تلك السبل تمثل طريق الهداية الحقيقي، خاصة وإن هذه الطرق المتعددة للهداية المدعاة تناقض في كثير من الأحيان بعضها البعض، ويكفّر أتباع بعضها أتباع البعض الآخر، مما يجعل الإسلام أديانا كثيرة، وليس دينا واحدا منسجما ومتجانسا.