” وإنني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر الفضيل من شهر رمضان المبارك ليكون يوم القدس، وإعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين ” ..( الأمام الخميني ) .
تعيش الأمة حالة أقل ما توصف بأنها صراع مع الذات , فبعد أن ترسخت مفاهيم التشرذم والشتات التي أريد من خلالها تأسيس الدويلات المتحاربة ضمن الجغرافية الإسلامية , حتى صار ذلك واقعاً عبر تأسيس الجماعات التكفيرية الداعية لنسف المجتمعات المختلفة معها ومهما كان حجم هذا الأختلاف , فضلاً عن ممارساتها الأجرامية بحق الآخر (دين , مذهب , تيار فكري ) .. رغم هذا الواقع المرير , بيد أن الأمة لا زالت تحتفظ بنقاط مضيئة تجعلها تعود لثوابتها الإنسانية .
يوم القدس العالمي , هو ذلك اليوم الذي أعُلّن عنه في طهران لأول مرة عام 1979 بواسطة رجل فقيه يعد من قيادات الأمة الإسلامية , جاء في عصر أبتعدت الأمة فيه عن مضمونها التحرري , وكان لهذا الإعلان دلالات مهمة أستطاع من خلالها إعادة المبادرة بعد أن صارت حكراً على أقطاب معدودة .. ذلك هو الأمام الراحل الخميني (ره) الذي أعاد العمل بالمفاهيم الإسلامية ووفق نمط أنساني كرّس من خلاله البعد العالمي للدين الحنيف وعدم محدودية أفقه وقتل روح الجمود والبعد عن قضايا الأنسان العادلة .
أن لهذه المناسبة مميزات عديدة , ومن أبرزها :
1- إنسانية الدعوة :
لم يكن يوم القدس حكراً على فلسطين , إنما هو الأنطلاقة لمحاربة كل أشكال الظلم والتعسف بحق الشعوب , وفلسطين بوصفها نموذج للجور والأضطهاد الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني بكل مكوناته ( إسلام , مسيح ) , وما يؤكد ذلك هو عدم أقتصار هذه المناسبة على المسلمين , بل تعدت ذلك الحد لتشمل حتى أتباع الديانة اليهودية , كحركة “ناطوري كارتا” المناهضة للصهيونية .
2- أستحضار القضية :
مارس الصهاينة التطبيع بكافة أشكاله , ولم يقتصر الأمر على التمدد الجغرافي والاستيطان والإرهاب , حيث حالوا طمس كل آثار الأحتلال .. كان من شأن هذه المخططات أن تنسي الأجيال ماهية القضية الفلسطينية الأمر الذي يعطي “إسرائيل ” صفة الأصيل .. يوم القدس أفشل تلك الأستراتيجية الصهيونية واصبحت الجمعة الأخيرة من شهر رمضان الإدانة والرفض الشعبي العالمي للأحتلال .
3- الهوية :
ذابت الأمة الإسلامية بين معسكر الشرق والغرب , وفقدت هويتها , الأمر الذي جعلها أمة ليس لها شأن في صياغة الحضارة الجديدة وتحولت إلى مجرد تراث وتجربة تاريخية .. رغم أن تأسيس جمهورية إسلامية شيء يؤسس لتلك العودة , بيد أن أستحضار القدس وأعتبارها نقطة جامعة للأمة يعد عنوان لجمع ذلك الشتات .
4- الوحدة :
لو تابعنا النهايات , سنتعرف على ذلك الأثر الذي تركته الدعوة .. نجد اليوم صراع المذاهب الإسلامية على أشده , بيد أنه ليس نتيجة , إنما هو أجراء مخطط له من قبل “الكيان المسخ ” .. تلك الدعوة , جمعت كل الفصائل الإسلامية حول محور وحدوي قادر على أستيعاب جميع الخلافات الجانبية والتي عملت دوائر عديدة على أبرازها لتقطيع كل أواصر الصلة والجوامع بين الطوائف وجعل الإسلام متعدد .
ليس للأمة قضية أسمى من كرامتها وهويتها الممزقة , وما الصراعات إلا محاولة (نجحت إلى حد بعيد) لتمزيق العالم الإسلامي .. ليس من باب المصادفة أن يشن النظام البعثي حربه الضروس ضد إيران عام 1980 , ولعلها كانت موجهة ضد التوجه الجديد كي يغلق الباب أمام أي وحدة من شأنها الأرتقاء بعموم الأمة .
5- الزمان :
أختيار شهر رمضان تأكيداً على ما يجمع هذه الأمة , فكما لنا رب ونبي وقبلة واحدة , فطقوسنا وعباداتنا موحدة ولا أختلاف إلا في تفاصيل يختلف بها المذهب الواحد .
أن هذه المناسبة هي الفرصة القابلة لتحقيق ما عجز عنه الجميع , سيما أن الأحداث التي تغوص بها المنطقة باتت واضحة الأهداف وجعلت قضايا تفصيلية تبرز , بينما هُمشت القضية الرئيسية وصارت رقماً متأخراً في سلم الأولويات .. أتفاق الموقف بين الجميع , يساهم دون ريب في صعود الأعتدال المفقود وتلبية حقوق الأنسان المستلبة من قبل الإرهاب “المتأسلم ” .