18 ديسمبر، 2024 11:16 م

أحياناً أجالس أحد الأصدقاء لنتبادل أطراف الحديث ونريح أنفسنا من ثقل الأيام وهمومها. غالباً ما تكون هذه الجلسات مصحوبة بتناول بعض الطعام في إحدى المطاعم للأكلات السريعة. صديقي هذا حساس جداً من ناحية نوعية الأكل والنظافة مضافاً إلى ذلك حرصه الشديد على نوعية الحساء وحرارته. فإذا كان الحساء بارداً ينقلب مزاجه ويبدأ بالتذمر والاستياء. ليس هذا فحسب بل يعمل على صب جل همه على العامل الذي يقوم بالخدمة وتقديم الوجبات. صديقي يستلم العامل الصغير الشاب هذا الذي جاء يعمل في خدمة الزبائن في هذا المطعم. إنهم شباب دفعتهم الحاجة إلى العمل لساعات طويلة جداً تصل إلى نصف ساعات النهار في الكثير من الأحيان ومقابل أجور زهيدة. إنها الحاجة والعوز الذي ساقهم ليكونوا في هذا المكان ويكونوا عوناً لعوائلهم. أنا أضجر كثيراً عندما أجد صديقي هذا وهو يتهجم وبعصبية بالغة على عمال الخدمة وهم لا ناقة لهم ولا جمل من الذي يدور خلف الكواليس في المطبخ. شباب من طلبة الجامعات يقضون ساعات طويلة متحملين وزر العمل والمزاج العكر للزبائن مقابل دراهم معدودة يسدون به رمقهم ويشترون مستلزمات دراستهم الجامعية.

طالما نصحت صديقي بأن يهجر طبعه السيء هذا في اهانة عمال الخدمة الشباب، فهم أبرياء من الذي يحدث وليس لهم إلاّ تنفيذ الأوامر الموجهة إليهم. لكن محاولاتي ذهبت سداً في كل مرة. مشهد هذا الصديق وهو يحاول النيل من الشباب، يفسد عليّ دائماً لذة الصحبة وطعم ما أتناول في هذا المكان. رغم الرجاء من الصديق بأن يهجر طبعه المشين هذا ورغم التنبيهات إلاّ أن الطبع في البدن لا يغيره إلاّ الكفن.

يا صديقي يا عزيزي إذا كنت تريد الاصلاح فعليك بأصحاب الشأن. عليك مخاطبة من له الأمر وإليه تعود القرارات. عليك اتخاذ موقف صارم من الذي يجلس خلف المكتب وتذهب إليه الأموال. عليك أن تكون حازماً مع من يتربع على عرش الإدارة ويجني الواردات لصالحه ويخدم مصالحه. عليك بصاحب المطعم الذي أصبح ذا منصب وجاه من خلال أموالنا نحن زبائن المطعم. أما أن تنصب بغضبك على صغائر العاملين فهذا فيه اجحاف وخوف من مواجهة أصل المشكلة.

العتب مع صديقي العزيز هذا ينعكس علينا جميعاً. فحن أمة نحب الحديث فيما بيننا عن كل ما يعترضنا من نواقص لا نرضى بها. نذكر التقصير والعيوب للأخرين وننتقد وننال من المقابل وكل ذلك بغياب صاحب الشأن. الوجه الذي نحمله في حضور الشخص المقصود هو غير الوجه الذي نظهره بغيابه وهنا تكمن الطامة الكبرى. نحن لا نضع أنفسنا أمام المدفع ونحسن صورنا عند السيد المسؤول أو الغني صاحب المال ونكون في الظاهر شيء وفي الباطن شيء مخالف حيث نفتقر القدرة في المواجهة.