أستهلال :
ليس من مجموعة بشرية ، تحب السلطة والحكم – بأستخدام القوة والعنف الدموي كالعرب ، فهم يستخدمون سيلا بل سيولا من الدم في سبيل تحقيق هذه السلطة ، ولا يردعهم رادع ، لمن يقتلون ! ، أن كان حفيد الرسول ، أو من الصحابة والتابعين ، أو أن كان من عامة الشعب .. المهم القبض على السلطة بأيدي من حديد ونار ، بأي ثمن أو طريقة تكون ! .
الموضوع : قبل الولوج في هذا الموضوع ، لا بد لنا أن نعرف السلطة ، ( السلطة Authority ، هي التمكن الاستئثار بالقوة والقدرة على التوجيه والإجبار نحو إتجاه معين من السلوك الاجتماعي . فالسلطة هي ثمرة القوة والقدرة على الاجبار بهدف توجيه سلوك الآخر / نقل من موقع المعرفة ) . ولكن هذا التعريف الحداثوي ، يمكن أن يكون ناقص الغرض للواقعة التي نتكلم عنها ! . وقبل ان أقدم قراءتي الحداثوية للموضوع ، سأسرد واقعة الطف ، التي قتل بها الحسين بن علي نحرا – من قبل جيش يزيد بن معاوية – في معركة من أجل السلطة ، من موقع / ويكي شيعة أنقل التالي وباختصار ( الطفّ اسم من أسماء كربلاء والتي تطلّ على شاطئ الفرات ، قال الحموي : سمّي الطّف لأنّه مشرف على العراق من أطفّ على الشيء بمعنى أطلّ ، وقد اشتهرت أرض الطف بكربلاء بعد أن استشهد فيها ابن بنت رسول الله الإمام الحسين مع ثلّة من أصحابه وأهل بيته ) ، وما يهمني هنا هي الطريقة التي قتل بها الحسين ، لأنها تدل على دموية لا مثيل لها ، تتمثل بها الأخلاق العربية القبلية أنذاك ( .. ثم أحاط بالحسين ، القوم يتقدمهم شمر بن ذي الجوشن إلاّ أنهم أحجموا عن مواجهته والشمر يحثّهم على ذلك. فأمر الشمر الرماة فرموا الإمام بالسهام حتى أثخن بالجراح والسهام فأحاطوا به صفاً. وقيل أنّ رجلاً ضربه على رأسه. وقالوا وقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف إذ أتاه حَجر فوقع في جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه ، فأتاه سهم فوقع في صدره. وروي أنّه أتاه رجل يقال له مالك بن النسير الكندي ، فشتم الحسين وضربه بالسيف على رأسه. ثم ضُرب على كتفه اليسرى ، وضربه آخر على عاتقه ثم رموه بسهم ، فوقع في نحره ، وطعنوه على خاصرته فسقط الحسين عن فرسه إلى الأرض ثم جاء الشمر مع جماعة ، يحثّهم على القضاء على الحسين . فأمر خولي بن يزيد الأصبحي ليحتزّ رأسه فنزل ليحتّز رأسه فأرعد وامتنع عن ذلك ، فشتمه شمر ، فنزل هو بنفسه ، وقيل إنّ سنان بن أنس النخعي .. هو من قطع رأس الإمام ) . أما عدة وقوام الطرفين ، فالوقائع التاريخية تدل على عدم توازن عددي ، بل تخلخل واضح بين الطرفين يثير للأنتباه ! ( وكان رهط الحسن ، يتكون من اثنين وثلاثين فارساً وأربعين راجلاً ، فجعل الحسين زهير بن القين على ميمنته ، وحبيب بن مظاهر على ميسرته ، ودفع الراية إلى أخيه العباس بن علي . أما جيش يزيد فبلغ عدده على المشهور أربعة آلاف مقاتل ، يتقدّمه عمر بن سعد – يؤم جيشه ، وجعل عمر بن سعد على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي ، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن الضبابي ، وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي ، وعلى الرجالة شبث بن ربعي الرياحي .. / نقل من موقع الكوثر ) .
القراءة : 1 . لا بد لي أن أقول ، أنه بموت الرسول ، أنتهى الأسلام كدعوة ورسالة ، وما تأسس هو حقبة سلطة وحكم صحابة الرسول – تحت مظلة الأسلام ، ويمكن أن نسمي هذه المرحلة ب تصارع مراكز القوى على السلطة . ومعركة الطف 61 للهجرة ، هي من سلاسل معارك السلطة . بدأت معارك السلطة ب سقيفة بني ساعدة 11 هجرية / حين أستلم أبو بكر السلطة ، والرسول لا زال مسجى – لم يدفن ، ثم مقتل عثمان بن عفان ، من قبل الصحابة والتابعين سنة 35 للهجرة ، ومعركة الجمل 36 للهجرة – بين علي بن أبي طالب وعائشة بنت أبي بكر ، ومعركة صفين 37 للهجرة – رفع المصاحف على أسنة الرماح / بين علي ومعاوية بن أبي سفيان … وسأضيف الى معارك السلطة ، مقتل عبدالله بن الزبير – لدموية مقتله ولكونه حفيد أبي بكر / وهناك أية بحقه ( .. ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا / 40 سورة التوبة ) ، وكان أبن الزبير في نزاع مع الأمويين على الخلافة ( حيث حز رأس ابن الزبير مع رأس عبد الله بن صفوان ، وعمارة بن حزم وأرسلا إلى عبد الملك بن مروان ، وقد أمر الحجاج إذا مروا بالمدينة أن ينصبوا الرؤس بها ، ثم أمر بجثة ابن الزبير فصلبت على ثنية كدا عند الحجون ، يقال : منكسة .. / نقل من موقع نداء الأيمان ) .
2 . القتل في سبيل السلطة عربيا ، به نوعا من التلذذ ! ، وهذا الأمر جلي وواضح مما ذكرت في أعلاه ، فالقاتل عندما يروم السلطة والحكم ، ويكون هناك ندا له ، فليس هناك من خطوط حمر في قتله ! . ولكن التساؤل في معركة الطف – مقتل الحسين بن علي : أولا – ألم يعرف القتلة ، أن المقتول هو حفيد الرسول ! أكيد يعرفون . ثانيا – ألم تكون هناك طريقة أخرى غير القتل ، لأنتزاع السلطة ! . ثالثا – لم هذا التلذ السادي بالقتل نحرا برأس الحسين بن علي ..
3 . أن الدعوة الأسلامية ، وصاحبها ، لم تشفع بحفيد الرسول الحسين ! ، لأن الحكام يعلمون بأن أمر صاحب الدعوة قد قضي ! ، والدنيا أولى بالأقوياء وأصحاب النفوذ والطامحين بالسلطة ، أما مكانة القتيل / الحسين ، وحب رسول الأسلام له فليس ذا أهمية عندهم ! ( وينقل عن أنس بن مالك : « إن رسول الله سئل : أي أهل بيتك أحبّ إليك ؟ قال : الحسن والحسين . وكان يقول لفاطمة : ادعي إليّ ابنيّ فيشمهما ويضمهما إليه » وفيما رواه الترمذي بسند حسن : إن رسول الله قال : حسين مني وأنا من حسين ، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً ، حسين سبط من الأسباط / نقل من موقع النبأ ) .
4 . أن القبائل العربية دوما مع القوي ، حتى وأن كان القوي على باطل ، وأيضا هي مع المنتصر ، حتى وأن كان المغدور حفيد رسولهم .. ويروى ” أن الأمام الحسين ، في طريق سأل الشاعر الفرزدق ، عن أمر الناس في الكوفة فقال : يا أبن رسول الله ، القلوب معك والسيوف عليك والنصر من السماء . ” ! .
5 . ان التشنيع في القتل ، والتمثيل بالجثث ، هو درس يقدمه أصحاب السلطة للشعب ، وذلك بأن من يشذ عن مبايعة الحاكم يقتل ! ، فنحن قتلنا الحسين – حفيد الرسول ! ، أما قتل الأخرين من العامة فلا يأخذ منا أي تردد أو تفكير ! .
6 . وفي القرن الحالي ، السادة أحفاد رسول الأسلام / حسب ما يدعون ، يقتلون بعضهم بعضا ، أيضا في سبيل التفرد بسلطة المرجعية في النجف ! . فالسيد مقتدى الصدر يصفي السيد عبدالمجيد أبن المرجع الأعلى أية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي ( في 10 أبريل/نيسان 2003 ، هاجمته مجموعة مسلحة بالهراوات والسكاكين في مسجد “ الإمام علي ” الذي كان يوجد فيه الخوئي ، إلا أن الروايات تعددت بخصوص طريقة قتله ، حيث نقلت وكالات الأنباء عن زوجة الخوئي بأنهم اقتادوه إلى دار مقتدى الصدر ليحكم بأمره ما يشاء . وأفادت زوجة عبد المجيد الخوئي ، بأن مقتدى الصدر قال لأنصاره الذين جاؤوا بـه مكبلا ينزف : أنا لا أعرفه اعملوا به ما شئتم .. / نقل من موقع جريدة الأستقلال ) .
خاتمة : أولا – ماذا يطرح قتل الحسين من دلالات على مستوى الواقع الديني والدنيوي ، أرى أنه بداية يطرح أن بني سفيان لم يؤمنوا بالرسول ، أيمانا حقيقيا ، ولو كان كذلك لكانوا لم يقتلوا الحسين ، ولم يمثلوا بجثته بعد قطع رأسه ، وقتل كل آل بيته ، عدا علي بن الحسين / السجاد ، ومن ثم تسيير أهل بيته سبايا الى يزيد بن معاوية ، وبالأصح ، هل من المنطق أن يقتلوا المؤمنين بدين معين حفيد رسول عقيدتهم – صاحب هذا الدين ! . من جانب أخر هذا يؤشر ، على أن الأسلام كعقيدة ومحمد بن عبدالله كرسول لهذه العقيدة ، الأثنين قضيا معا ! – بعد موت الرسول في 11 هجرية ، وأصبح بقاء العقيدة بلا وجود فعلي ! ، وأن التشبث بالأسلام والرسول هو فقط ، لأن هذا التمسك أصبح مظلة أو سقفايمارس الحاكم السلطة الدنيوية بقوة صداها وفعلها المجتمعي . ثانيا – من الممكن أن نطرح تقاطعات أخرى ، وهي أعتبار الصحابة والتابعين ومراكز القوى ، وباقي من جاء بعد الرسول ، أن حقبة محمد كانت ومن ثم زالت وأنتهت ، وأن التركة التي تركها تبقى موروثا تاريخيا للمسلمين ، أما قضية السلطة والحكم ، فهي مسألة أخرى ، لا تخضع الى دور الرسول الماضوي وآل بيته ، بل تحكمها محاور من وجد من رجال بعد أن قضى الرسول . وختاما أن واقعة الطف هي أحد أفرازات مرحلة ما بعد سقيفة بني ساعدة 11 هجرية ، تم التعامل معها من قبل أصحاب النفوذ والسلطة ، وفق ما كان المجتمع العربي يتميز من قسوة وعنف قبلي أنذاك ! دون أي خطوط حمر .