23 ديسمبر، 2024 11:34 ص

القتل الرحيم في التشريعات المقارنة وقصور المشرع العراقي

القتل الرحيم في التشريعات المقارنة وقصور المشرع العراقي

كنت لم اقرر حينها ان اسلك درب اوبرا المهني، ماشدني فقط  ذكاء ومهنية(سيد اوبرا) يحيى الفخراني محامي الطبيبة (عايدة)حنان الترك. كانت مسلسل اوبيرا عايدة قصة حقيقية لجريمة هزت الاوساط المصرية في تسعينيات القرن الماضي ، كان محامي الطبيبة عايدة حين يزور موكلته في حجزها ويسالها عن اي اغنيات ام كلثوم تستهويها، الطبيبة الجراحة عايدة المتهمة بقتل 23 مريضاً كانت تستهويها اغنيات ام كلثوم بالحان عبد الوهاب، انت عمري وامل حياتي دارت الايام وأغدا القاك ، استشف من ذوقها عن شخصية رقيقة وحساسة وعاطفية و لاتميل شخصيتها لأي سلوك  جرمي ، ودافع لقتل عمد ،فقد اضطرت الطبيبة الشابة ان تنهي عذابات مرضاها الميؤوس من شفاءهم بحقنهم بجرعة من مهدئات كانت قاتلة لهم وبهذا تنهي الامهم بالكامل، كانت جريمتها هي قتل بدافع الشفقة او القتل الرحيم الذي لم يكن مقبولا او شائعا. وذكرته الادبيات القديمة برصاصة الرحمة واعتبرته بعض الشعوب الاولى بانه خلاص من الآم المرض الميؤوس من شفائه . فهل من حق الانسان ان ينهي حياة الاخرين بدعوى الرحمة ؟؟ إن حق الحياة في الإسلام حق مقدس يستند إلى تكريم الإنسان، وينطلق من مبدأ حرمة الاعتداء عليه إلا بحق، في الوقت الذي أخذ يشيع في بعض المجتمعات ما يسمى بالقتل بدافع الشفقة. اذن هي معادلة القتل والحق بالحياة. فالقتل الذي هو ازهاق للروح اما الحق في الحياة  فهي المصلحة التي يحميها القانون في أن يظل الجسم الحي مؤدياً وظائفه الأساسية، والتي كفلتها الشريعة الاسلامية كما في نص حديث رسول الله (ص)) اجتنبوا السبع الموبقات، قيل وما هن؟ قال :الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتوّلي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات(، و تعود الجذور التاريخية لهذا النوع من القتل إلى مراحل عميقة في التاريخ فهذا النوع من القتل كان يستخدم في مجال الحيوانات، فكان الحيوان الذي يتوجع ولا يرجى في شفائه  والانتفاع به يقتل راحة له من عذابه .  كما مورس هذا النوع من القتل في عهد الإنسان الأول وذلك أن قيمة الإنسان كانت تقاس بما يقدمه لمجتمعه من الرزق، أو الصيد، أو الرعي، والغزو،  والدفاع عن شرف القبيلة ودحر الغزاة والمعتدين٠كما أن هذا الأمر شغل بال فلاسفة اليونان وبخاصة)أفلاطون( في كتابه المشهور)الجمهورية( ،الذي يتضمن تصوره لمدينة مثالية مؤسسة على العدالة عام ٣٨٠ق. م قائلاً :إن لكل فرد الحق في العيش في ظل الدولة ولكن ليس له الحق في أن يعيش حياته بين المرض والعقاقير وبذلك فهو يدعو إلى فكرة(البقاء للأصلح)، وذلك بالتخلص من كل فرد يوجد نقص في جسمه أو مرض أو عاهة معينة فيه. إلا أن التعبير الدقيق لهذا المصطلح (القتل بدافع الشفقة ) لم يجد صداه إلا في القرن الثالث عشر من قبل فرانك باكون  في كتابه المسمى  (علاج المرضى غير القابلين للشفاء)،  حيث اقترح موتاً هادئاً لهم يقوم به الطبيب ،ومن  أجل تسهيل الموت وتهدئته فهو يرى أن على الأطباء أن يعملوا على إعادة الصحة إلى المرضى والتخفيف من آلامهم، ولكن إذا وجدوا أن شفاءهم ميؤوس منه يجب عليهم أن يهيئوا لم موتا هادئاً. أما الذين تنقصهم سلامة الأجسام فيجب أن يتركوا للموت، غير أن رؤية بعض التشريعات التي تخص هذا النوع من القتل كانت تميل إلى التريث حتى عام 1960 م، حيث تبنى برلمان (أوهايوا ) جواز القتل بدافع الرحمة، وقد كان يفهم بالكيفية الآتية: كل شخص مصاب بمرض غير قابل للعلاج مصحوب بأوجاع كبيرة بمقدوره أن يطلب اجتماع لجنة مكونة من أربعة أشخاص على الأقل يبتون في وضع نهاية لهذه) الحياة المؤلمة) وكذلك فعل برلمان الأطفال غير كاملي الخلقة أو البلهاء. وكذلك كان الأمر في أفريقيا حيث سمحت بعض التقاليد الإفريقية التخلص من التوأم، إذ كانت بعض القبائل تعد التوأم نذير شؤم برحيل شيخ العشيرة، وكذلك قتل الأطفال الذين يولدون بصورة شاذة وكذلك الأطفال الخنث والمعتوهين . في ألمانيا رفض برلمانها عام ١٩٠٣ م وعام1913 م هذا النوع من القتل، وقد أثار هذا الرفض احتجاجاً شديداً من قبل أنصار هذه النظرية ، وفي بريطانيا رفض مجلس اللوردات مشروعاً أعد عام ١٩٣٦ من قبل أنصار القتل بدافع الشفقة الأمر الذي دفع أنصار هذه النظرية إلى المناداة  بتثبيته شرعاً ، وفي عام ١٩٣٩ م أصدر أدولف هتلر مرسوماً سمح بموجبه للأطباء بقتل الأشخاص الذين يقرر الأطباء أنه غير ممكن علاجهم بعد فحص طبي معمق، وقد ترتب على هذا النص عام ١٩٣٩ م إلى نهاية  الحرب العالمية الثانية تصفية ٢٧٥ ألف شخص ، وفي عام ١٩٤٧ م أدانت محكمة في أمريكا عدداً من الأطباء بسبب الموت المريح واعتبرته (جريمة ضد الإنسانية )، في عام ١٩٥٨ م وافق البابا بيوس الثاني عشر بابا الكنيسة الكاثوليكية على أنه يجوز للطبيب إعطاء المسكنات للمريض المحتضر بعد موافقته بكمية كبيرة.   لتخفيف الألم وتعجيلاً بموته . وفي عام 1984عقد مؤتمر في مدينة نيس /٩/ وفي ٢٠الفرنسية تطرق إلى هذا النوع من القتل وقد اعترف بعض الأطباء أنهم منحوا الموت الهادي لبعض( مرضاهم سواء بصورة إيجابية أو بصورة سلبية، وفي عام ١٩٩٦ م وعام ١٩٩٩ م صدر في ولايتي مين وارجون) الأمريكيتين قانون يبيح هذا النوع من القتل، كما صدر في هولندا عام ٢٠٠٠ م قانون يجيز  هذا النوع من القتل ،اما التشريعات العربية فجميع القوانين والتشريعات  لا تقر به وتوجب العقاب على من يقوم به. فقانون العقوبات السوري صنّف هذه النوع من القتل  في باب القتل القصد، ويعاقب مرتكبه بالأشغال الشاقة من خمس عشرة إلى عشرين سنة. كذلك فأن المادة /538/ من قانون العقوبات السوري هي التي تنطبق تماماً على حالة الموت الرحيم، فهي تنص على مايلي: (( يعاقب بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر من قتل إنساناً قصداً بعامل الإشفاق بناءً على إلحاحه بالطلب)). وتبقى إذن صفة جرم القتل الذي يعاقب عليه القانون مهما يكن نوعه. والمثير في الامر ان معظم القوانين العقابية وخاصة العربية والاسلامية تناولت هذا الموضوع ولكننا لا نجد ان قانون العقوبات العراقي قد تطرق الى هذا الموضوع و ترك الحال الى الاراء الفقهية دون وجود نص ملزم للحالة وهذه اشارة الى وجوب احداث تعديلات حقيقية في قانون العقوبات العراقي بشكل خاص وباقي القوانين يشكل عام.