الموضوع أعد باللغة الألمانية، ثم ترجمته لاحقا إلى العربية، عندما كنت مؤمنا بالإسلام، وما يكون بين مضلعين [هكذا] يمثل موقفي بعدما تحولت إلى الإيمان العقلي اللاديني.
[فيما يتعلق يرؤيتيَّ للنسخ في القرآن عبر مرحلتين، واللتين أشرت إليهما في الحلقة الثامنة عشر، فالرؤية الأولى كانت على ضوء يقيني بأن القرآن وحي إلهي، ولامتناع أن ينزل الله عندي حكما، تحصل عنده من بعد ذلك إعادة نظر فيه، فيستبدله بغيره، ولذا كنت أرفض النسخ بالمعنى السائد، فتحريم الخمر في مرحلة متأخرة عن النهي بإتيان الصلاة في حالة السكر، لم تنسخ – حسب فهمي آنذاك – الحكم الأول، بل أكملته بحكم آخر مكمل وليس بديلا، فحتى لو ارتكب المسلم الملتزم مخالفة شرعية بشرب الخمر، إذا سلمنا بحرمة الخمر حسب المشهور، فبقطع النظر عن كونه ارتكب وفق الشريعة الإسلامية محرما بشربه للخمر، يجب عليه الامتناع عن الصلاة في حالة السكر، فلو صلى وهو سكران، تكون صلاته باطلة، ويكون قد خالف ثلاثة أحكام شرعية، الأول أنه شرب الخمر، الثاني، أنه صلى وهو سكران، والثالث أنه تسبب في أن يفوّت وقت الصلاة، لكون صلاته في حالة السكر باطلة، ففي الحالتين، لو التزم بالانتهاء عن الصلاة وهو في حالة السكر، أو ارتكب حرمة ثانية بالصلاة سكرانا، يجب عليه إعادة صلاته، فإذا اضطر أن تكون إعادته لصلاته عند زوال السكر بعد فوات وقت الصلاة، يكون قد تسبب بشرب الخمر في تفويت وقت صلاته. أما الرؤية الثانية التي اعتمدتها في وقت لاحق، والتي تقر بوجود نسخ في الأحكام، فكانت عندما اعتمدت التفريق بين جوهر الدين الثابت، وشكله المتغير، وأن كُلّ أو جُلّ الأحكام الشرعية ذات البعد الاجتماعي والسياسي متغيرة بتغير الزمان والمكان، ولو إن هناك ما يناقض هذه الرؤية، كالحديث النبوي بكون حلال محمد حلالا إلى يوم القيامة وحرام محمد حراما إلى يوم القيامة، ولو أنه غير مجمع على صحته، كما هو الحال مع الأحاديث التي تنهى عن الإحداث في الدين، وتعدّه بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. فمن هنا قد يكون التفسير المتشدد للقرآن والقائل بأن ما يسمى بآيات السيف قد نسخت آيات السلام والتسامح والتصالح، يمكن أن يكون هو مراد مؤلف القرآن، أو هو تعمد أن يجعله حمّال أوجه كما عبّر عَلِيّ. واليوم بعدما ثبت لي أن الإسلام ليس وحيا إلهيا، فالنسخ أمر مفهوم لديَّ عند إنسان تتجدد عنده القناعات، أو تظهر له أمور تستوجب إعادة النظر، لم يكن قد التفت إليها أول وضعه للحكم المنسوخ لاحقا، ولذا لم يثبت على قاعدة، فهو تارة يؤسس لقاعدة الثبات إلى يوم القيامة، وأن كل إحداث تغيير أو تجديد هو بدعة مآل صاحبها نار جهنم، وتارة أخرى يؤسس لقاعدة النسخ، أي التبديل والتغيير وإعادة النظر.