يبدو أنّ المملكة حشّدت قراراتها السياسيّة والعسكريّة بطريقة كمن يبحث بين حاجيات مبعثرة!.. بإمكاننا فهم ذلك من طريقة تعاطيها مع الحوثيّين ,وهذا يثبت أنّ المملكة السعوديّة لم يكن بواردها الهجوم المباشر على تنظيم لا يرتقى لمستوى دولة مهما نفخ فيه الاعلام ,ما يثبت أيضًا أنّ القتال بالنيابة كما تفعل إيران لا وجود له في عقل المملكة السياسي ,إقليميًّا بالطبع ,فالملاحظ أنّ لإيران خبرات عريقة في التصرّف مع المواقف الّتي تتعثّر بها دول كثيرة كالمملكة, فهي على درجة كبيرة من الحنكة في استخدام الحوثيين وحزب الله ميليشيّاتها المنظّمة في العراق ,ويثبت أيضًا أنّ المملكة ليس من سياستها التمدّد الثقافي خارج التثقيف الديني ليقينها الكامل بتبعيّة شعوب المنطقة لبرامجها التثقيفيّة الدينيّة ما يعني اصطباغ سياسات دول تلك الشعوب بسياسات المملكة ..أيقنت “السعوديّة” مؤخّرًا وبيقين أنّ الغرب لا يُعوّل عليه كثيرًا أماط اللثام عن تلك الحقيقة بالنسبة لها علاوةً على تركيا “تحالفها” مع أميركا والغرب ضدّ سوريّا ..فقد تعرّض هذا “الحلف” لهزّات بعضها عنيفة بعد فشل “الضربة الأولى” على سوريّا مع بدء الربيع ,وأيقنت المملكة وبقيّة دول الخليج أنّ الغرب لأجل مصالحه مستعدّ لأنّ يتخلّى عن أقرب المقرّبين إليه في أجواء سياسيّة معيّنة ,فإن لم تكن متوفّرة تلك الأجواء فسيخلقها بنفسه في سبيل التنصلّ عن تعهّداته لهم خاصّةً مع دولة عربيّة ..فلو تأمّلنا من طريقة الردّ السعودي على الحوثيّين بدت فيه المملكة كمن حديثُة عهد بأرشفة ملفّات أعدائها المبعثرة في خانات مختلطة مع دول أخرى ولذلك بدا ما حصل لو تأمّلنا طريقة الردّ السعودي في اليمن بدت وكأنّها تتعامل بملفّات اختلطت بملفّات دول أخرى! وهذا يثبت من جهة ثانية وجود عاملين لخيارها العسكري السريع أزاء الحوثيين؛ أمّا أنّها كانت بانتظار أوامر أميركيّة كعادتها في التبعيّة للغرب مع كلّ شأن خارجي للمملكة أو أنّ المملكة كانت على يقين بوجود عمليّة استدراج أميركيّة لإيران عن طريق غضّ الطرف عن التمدّد الحوثي الغير معقول في اليمن ,كما حصل للعراق في الكويت, عندها ستستطيع أميركا توجيه الضربة المناسبة لإيران لتنهي تلك الضربة لو حدثت حلم إيران النووي وسيصبح في خبر كان كما حدث الأمر مع العراق, ولربّما كانت تلك القناعة السبب المباشر للتصرّف السعودي في اليمن بعدما اكتشفت أنّها كانت تعيش أضغاث أحلام ..باعتقادي أنّ الرئيس المصري الأسبق محمّد مبارك كانت تقع على عاتقه مثل هذا التعاطي للشؤون الخليجيّة مع محيطها الإقليمي طيلة عقود وذلك ربّما جوهر الخلاف القطري السعودي جرّاء تبنّي قطر إسقاط الرئيس المصري لصالح الإخوان المسلمون.. قتال الخصم بنفس سلاحه “العصابات” أفضل من استخدام الجيوش وذلك ما استفاق عليه النظام السوريّ مبكّرًا, خاصّةً والاقتصاد السعودي اقتصاد متين وله امتداد عالمي واسع ولا يُعاني من عقوبات خانقة كتلك الّتي تُعاني منها إيران ؛ولنقل أنّ إيران لا تستطيع القتال بشكل مباشر, فهو انتحار سياسي في وضعها المجفّف اقتصاديًّا.. القتال بالنيابة أفضل الحلول حتّى وإن أخذ مدا زمني أبعد, والمملكة كان سيكون تأثيرها في الأحداث هذه أكبر على العدوّ الّذي يقف خلف الحوثيّون ..كان لها على الأقلّ توقف تمدّد الخصم المقترب من حدودها عند حدّ معيّن عندها ستنهك كلا الخصمين ,الحوثيّين ومن يقف ورائهم ,ذلك أنّ القتال المباشر غير مأمون الجوانب ,إذ ليس وحدك في المنطقة بل أنت محكوم بتقلّبات السياسة العالميّة وبالوضع الاقتصادي المرتبط بها..