كأنهما تؤامان ملتصقان بعضها بالبعض العالم الخارجي ووعي الشاعر ،فالعالم الخارجي سلسة من الأحداث المرئية والمحكية وتشكل أحيانا شبكة من الإنذارات المبكرة وخصوصا في الأوقات المخيفة ومنها الحروب سيدة الموت ،ولايمكن فصل الوعي عن متطلبات الباطن أو المرور به عبر ممراته الإفتراضية دون أن تكون هناك قوى فاعلة لتقزيم (القبول الإضطراري – القدر – الحاجة – الواجب .. ) ومسميات أخرى كثيرة قد تقنع الإنسان بالهول وعمق المصاب ، ولعل كل تلك العلامات التي تقوده الى متاهات الغرابة وبالتالي وضعها في محيط الأسئلة الكونية هي بحد ذاتها تشكل له عالمه الجديد والذي يلتقط من خلاله ذاته النسيجية حين تتشقق كل يوم بفعل الصدمات وتراكماتها وتصبح الذات (حقل إسقاطات لنداءات خفية ) ،ولاشك أن الحياة الإنسانية والشعر خاصة لهما وجودهما الضمني ضمن مناطق التوتر التي تخلقها قوانين الوجود الأرضي بفعل محركات تلك القوانين وطبيعة التوافق مع غير المُرضي قسراً أي أن الحياة المقبولة أو
التوافقية هي مصابة بالعقم مقدما ، وأمام ذلك لابد من شحن المخيلة الشعرية (حكايا أنية- ذكريات –ألغاز – مشاهد بصرية –عبث- تعامي-محاكاة أحلام – هذيان عقلي –تنقيب في المدرك- إقتناء من المجهول .. ) لإستقطاب مجرى الضرورات في اللاوعي الإنساني عبر مغناطيسية نبؤة الكلمة الجاذبة وخلق جوها القدسي الذي يقود الى أعماق الأزمات الكبرى .
ومن خلال جواد الحمراني بنصه(كون يموت ) المنشور في جريدة الحقيقة عبر عددها 544في 7/4 /2015 ، فقد تناول الحمراني في نصه هذا التكوين السببي الطليق لوقائع الأشياء والتي كونت سلسلة متصلة من الأزمنة الإستقطابية وحولت الماضي الى حقل كهرومنغاطيسي لجذب قوى المنبهات تارة ولرفع الحجاب عن المشاهد المعتمة تارة أخرى ،ويبدو ومنذ لحظات إختيار النص أن هناك إيصالات متعاقبة تمثل ردود الأفعال العاطفية والتي جعلها الشاعر إحدى مرتكزات نصه من حيث العودة الى المناطق الذهنية التي أسست مشتركاتها بأبعاد متقاربة وكأن الشاعر يريد أن لاتفلت حلقة واحدة من حلقات التذكر كونها تمثل الجزء الأهم في تقديم شهادته الروحية والنفسية عبرَغرضه الشعري ومضامينه التي تشرق من دلالاتها المأساوية ،لقد وضع جواد الحمراني وضع يده على الأهم من الموجودات ومنها ذكريات الطفولة وذكريات رحيل الأحبة ومابين ذكريات الطفولة وذكريات رحيل الأحبة كماً من الإنسياحات حيث أعد الشاعرُمقدمات مخارجها وتبويب علاقاتها التداخلية بل وأعطاها سلمها الموسيقي وتشكيلاتها اللونية وهنا تكون مساحاته لإستقطاب المتلقي ثرية بمدخلاتها وأنواعها المترفة النوعية وتشكيلات مشاهدها المتعاقبة ومنح خطابها الخصوصية للمُرسل إليه :
كون يموت ..
كلمن رايد
يموت ،
وكون إيظل عَدل
بس النريده
وكون ايرد غني
ومحمد اردود
ورحيم وبارق
وروحه الشهيدة
وكون انرد جهال
التاتي توات
ويجينة الطنطل
وصوت الرعيدة
أو..
نداوم صبحي
وَي درس العصافير
ونقرة ابشامتچ
يا سِت وحيدة
ولكي يسير في طريقه الشعري المستقيم وسط تفرعات المخيلة ومطالبها بالولوج الى جدليات ( الإفتراق – البقاء – اليقين – اللاأبالية – الحقائق كصيرورة- الإنبهار ..) يُبقي الحمراني خطاه ضمن عالمه بصفات وعيه الشمولي وأسطرلابه ا لشعري الذي يجيد قراءة المسافات وتقدير الفترات الزمنية التي تضعهُ على شاطئ الأمان بعيدا عن متاهة وعي الكلام متحولا الى فردوس الكتابة حين يغلق منافذ كثيرة من أجل الإستمرار بمنفذه الوحيد وهو يوشك على تحقيق إكتفاءه الذاتي من حياته الخاصة التي أراد تدجين مابقي من معطياتها لصالح من أحبهم رغم أن الزمن قد وضع فواصل عديدة بين كليهما وكأن الشاعر أراد أن يقول أيها الأحبة هذا هو وقت الإسترداد ، إسترداد طفولتي وصباي وأحلامي وأيامكم ،
من هنا يصبح الشعر صيحات نبؤة ، يصبح صراخا تبشيريا ،يصبح حكمة لترميم السقطات والخرائب ،كل تلك الإجراءات تعني أن هناك نتاجا من الإدراك والتصور وبشراكة الذاتية الكاشفة والتي تسلط ضوءها السحري على مشاهد الأزمنة الجميلة وبقايا الروح الخربة التي تنتظر حزنا من نوع خاص لإعادة تأهيلها وهي في تواصل يومي عبر الشعر وغيره وكأن النص الشعري لايستكين فقط عند اللحظة الشعرية لأن هناك الكم من اللحظات الشعرية التي تتناسل في وقائع عالمنا اليومي والتي تريد منا أن نبحث في كل مانراه لتأكيد فرضية المشابهة في الأحداث ثم الدخول الى عالم الشعر النبيل ،وهنا تبدأ الصور الشعرية في تمثيلها الإنبعاثي لإمتلاكها مرادفات هوسها الداخلي والذي يعني أن الذات عند شخوصة وبما في ذلك ذات الشاعر
وحدة تجريبية لكلمة مفقودة تنتظر الشعر لاغير أن يصحح خطأ هذا الكون ،:
ياريحة مطر
بخدود التراب
چن ريحة كتب
ريحة جريدة
كُون الموت
يرضة انواجه الموت
مثل الــ بالسجن
يوصل بريده
اشكثر اشتاق للچم مندفن غاد
لكن شوفة الميت بعيدة
أنه مفارگ بشر
ماتشبه الناس
انهجم بيتچ يروحي
شگد عنيدة
صلافة البيچ ياروحي مثل ذاك
ال..على صبعه
ويسِّد الباب بيده
عليهم مابچت
بس الحمامات
ولا بس المجانين الشريدة
عليهم لا الأه
الَّا الشعر چان
بَعد الله
ولاعبدوا عبيده
وجه الكمر أصفر
گاطع الزاد
وبچت عين الشمس
گالت اريده
لاشك أن تجربة جواد الحمراني تجربة تقدم للمعالجة مشتركات الهموم النفسية لتحفيز مواطن الذكرى على الإنبعاث من السوداوية الى عالم الإشراق حيث الوجود الساطع للجمال ووضوح مداخله السرية وإشباع ظمأ الإنسان للتخلص من الموت الإجباري والذي تزخر به رسائل الحروب وقد وصل الحمراني بذلك الى جودة الوعي والى طبقات الوعي الأخرى ودق باب لاوعيه بأسئلة الخلاص وبالأيام التي لم يبق منها غير رماد أحلامه الذي يتطاير فوق شَعر الحبيبات،