شعارات كثيرة تطالب اليوم
بالحرية للسيد القبانجي،
ولست أدري ماذا تنفع” الحرية” هذا السيد،
في بلد يتحول مع الوقت الى معسكر اعتقال،
كما ان الحرية، في الاصل، هي حرية الداخل،
كما في قول المسيح:
” الحق يحرركم”،
التحرر الداخلي أولا،
والقبانجي، قبل السجن المادي، لم يكن حراً،
لا من الداخل ولا من الخارج،
وتلك قضية تخص السيد وحده،
لكن ماذا سيحل به في السجن الايراني؟
كسجين سابق في ايران عندي فكرة طيبة
عن انواع” التثقيف” و” غسل المخ” التي سيتعرض لها السيد
قبل أن تعاد صياغته مرة ثانية،
ويعود الى المؤسسة:
1 سيتم ايقاظه في الاسبوع مرة أو مرتين منتصف الليل لزيارة المقابر وهي مقابر على شكل حدائق وتسمى بهشت زهراء، أي جنة الزهراء،
والغرض من هذه الزيارات نزع شهوة الحياة أو الرغبة فيها أو الطمع أو الطموح أو الأمل والخ.
2 في الاسبوع مرة أو اثنتين يدخل في سرداب كربلائي تتم فيه قراءة المقتل بصورة مؤثرة مع خطاب عن الفاجعة،
واذا كنت أنا المحصن، جينينا، من البكاء من هذه الامور، قد أجهشت في البكاء، فيمكن تصور حال السيد القبانجي فك الله أسره.
أكيد يخرج من السرداب مغميا عليه.
3 عزل تام حتى عن المحيط،
لأن العزل يلغي فكرة التواصل مع الاخرين،
وهذا العزل لا يصلح مع الجميع،
لأنه معي قاد الى نتائج معاكسة،
فبدل الترويض،
قاد الى التأمل،
لأنني أحب العزلة بطبيعتي.
أما السيد فسيكون العزل كارثة نفسية لأن كل كيانه مؤسس
على” الخطاب” أمام جمهور،
فماذا يفعل أمام حيطان مسورة؟
4 بين يوم واخر يدخل اليه في الزنزانة أكثر من فقيه أو عالم دين لاعادة تأهيل السيد الى الحياة والمؤسسة،
ويجري حوار طويل عن التاريخ الاسلامي الثوري
المضاد لكل سلط التاريخ،
يخرج بعدها العالم او الفقيه ويوصي إما:
ـ بقطع التدخين عنه اذا كان مدخنا
ـ أو حرمانه من المشي اليومي في الحديقة لمدة محددة
اذا لم ينفع الحوار.
5 ايقاظ ليلي للمقبرة:
كان هذا الطقس من أحب الطقوس الى نفسي
لأن المقبرة أجمل من السجن والعزل،
لكن في حالة السيد يكون الايقاظ اهانة
لأنه يتعارض مع فكرته عن نفسه وصورته الذاتية في ايقاظ الوعي العام.
6 بين ثلاثة شهور تقريبا تتم زيارة له الى أجمل مناطق المدينة بصحبة حراس بثياب مدنية،
يدخل أفضل المطاعم،
يشرب ويأكل ما يشاء بحساب مدفوع
والغرض من هذا الطقس جعل السيد يحقد على نفسه اولا،
وعلى أفكاره التي حرمته من لذائذ الحياة،ثانيا،
وعلى من يدافع عنه، ثالثا،
ويبدأ الشك يتسرب اليه عن جدوى الفكر التنويري ومهازله الذي حرمه من أطايب الطعام والهواء النقي وملذات الفراش.
7 بما انهم خبراء في غسل المخ، يعرفون هواجس السيد الداخلية
والحوار الداخلي مع نفسه،
وفي هذه اللحظات يمارسون صمتا متعمدا لاطالة فترة العذاب النفسي وصراع الذات حتى يبدأ هو نفسه بالكلام أو توسل الكلام.
8 تمر فترة على السيد لا ينام، بعد أن بدأت الاساليب السابقة تفعل فعلها، وبعد ضخ مكتبة كاملة من الكتب المنضبطة،
وهي أسوأ مراحل سجن السيد.
9 في هذه المرحلة لن يزوره أحد لكي لا ينفس عن صراعه النفسي ويعيش عذابه وحده،
لكنهم يعرفون في هذه المرحلة ان السيد نضج للتوبة
أو الجنون وفي هذه الحالة هناك ثلاثة احتمالات للسيد:
الأول: خطاب ندامة واعتراف بالذنب.
الثاني: جنون مطلق خاصة اذا كان شديد القناعة بافكاره وليس مهرجا باحثا عن الشهرة،
لأن الصراع الداخلي في هذه الحالة عنيف وقيم السيد تقاوم بقوة وينهك تماما.
ثالثا: يقرر البقاء في المنطقة نفسها، اي التصميم نفسه على افكاره،
وهذا لن يحدث للسيد في رأيي لأنه من غير المعتاد لأمثاله مواجهة أزمة عاصفة وحيدا بلا اصحاب ولا أهل ولا اصدقاء وفي عزلة عن العالم.
هناك اشخاص أقوياء بالمحيط
وليس في داخلهم:
في حالة العزل يصبحون أطفالاً.
10 اذا تاب السيد وعاد الى العراق،
والى” المؤسسة” والى الفكر السائد،
والجماعة،
هناك اكثر من احتمال، أقواها:
ـ إما أن يتحول الى فقيه طاغية ويلعن كل الذين تضامنوا معه،
ـ أو يضرب كاس أولها بكأس آخرها
” لأن هذه الدنيا لا تساوي عفطة عنز”
* من الفيسبوك – صفحة الكاتب الشخصية