تزامناً مع الوقت الذي يعتبر المراقبون أنّ النظامين الإيراني والمصري، يملكان من الأوراق ما يجعلهما قادرين إلى حد ما على إنقاذ المنطقة ككلّ، من جحيم الفوضى،إلا أنّ مطمح النظام والدولة السعودية في أن تكون دولة محورية بالمنطقة العربية، قد يحدّ نوعاً ما من التقارب المصري ـ الإيراني، ومع ذلك فأنّ مسار الحرب على الدولة السورية، المستمرة إلى الآن ودور مصر المستقبلي بالملف السوري، تحديداً ومسارات ونتائج الحرب العدوانية على اليمن وفرضيات التطورات المتوقعة بالوضع العراقي، هي بمجملها ستكشف، بحسب المراقبين، مدى ثقل كلّ من النظامين الإيراني والسعودي، بخصوص كسب الورقة المصرية وقدرتهما على التأثير في علاقات التقارب المصري مع دول الإقليم ككلّ. فالتقارب المصري ـ الإيراني إنْ تمّ، سيكون المفتاح لإعادة تكوين موازين القوى بالمنطقة ككلّ، ما سيحتم عليهما التعاون والتعامل بمنطق الواقع، للحفاظ على مصلحتي البلدين وعلى دورين فاعلين ومتزنين في الإقليم، للنظامين الإيراني والمصري كليهما.
اليوم وبالرغم من الاحاديث الإعلامية التي تتحدث عن تباعد بالموقفين الإيراني والمصري بخصوص ملفات المنطقة ، ولكن خلف الكواليس هناك مؤشرات توحي بالتقاء نقاط تقارب بين البلدين ،وهذا التقارب «المرحلي» المتوقع مستقبلاً، الذي بدأت تتضح معالمه، تدريجياً، في الوقت الحالي، من الطبيعي أن نرى، كنتيجة أولية، لهذا التقارب، بين الحين والآخر، بعض التقارب في الآراء بين العاصمتين في مجموعة ملفات إقليمية، سواء في العراق أو في سورية، أو في اليمن إلى حدّ ما.
لكن، هناك محدّدات لشكل هذا التقارب وطبيعته،ومع الحديث عن تبلور نقاط التقاء إيرانية ـ مصرية، برز وبشكل ضاغط الدور السعودي المعارض، من الأساس، لفكرة التقارب هذه. ومع زيادة سياسة الضغط السعودي على النظام المصري، اقتصادياً وسياسياً، بخصوص منع فكرة التقارب مع إيران. ومع زيادة حجم الفوضى والإرهاب في الدولة المصرية والمنطقة عموما وحديث بعض صنّاع القرار المصريين، عن وجوب تخلي مصر عن المرجعية السعودية والتوجه السريع نحو طهران وحديثهم عن وجوب وجود دور إيراني ـ مصري بالمنطقة ككلّ، للمساعدة في إخماد نار الحروب الطائفية والمذهبية فيها، تبرز إلى الواجهة، حقيقة أنّ النظام المصري قرّر، تدريجياً، الخروج من تحت عباءة بعض دول الخليج والسعودية تحديداً والتوسع بتحالفاته مع دول الإقليم الفاعلة. فهناك اليوم، حقائق جديدة وخفايا بدأت تظهر على أرض الواقع. وهذه الحقائق والخفايا، تقول أنّ كلتي الدولتين المصرية والإيرانية، أصبحتا الآن تعيشان في محيط جغرافي ساخن، أمنياً وسياسياً: فلسطين، اليمن، البحرين، العراق، سورية وليبيا. وفي وضع مصري داخلي مضطرب، إلى حدّ ما.
وهذه الملفات ، بدورها، افرزت نوعاً من التقارب، بالآراء، بين كلتي العاصمتين، إلى حدّ ما، بخصوص الملفات الساخنة بالإقليم، ككلّ. فهذه الملفات، بشكل خاص، وضعت كلا النظامين في خانة التناقض في الفترة الماضية. لكن في المرحلة الحالية ونظراً إلى صعوبتها وتطوّر وتلاحق الأحداث في المنطقة، من المؤكد أنه ستكون هناك حالة من التقارب بالآراء والرؤى، بين البلدين والنظامين ولو مرحلياً.
هنا، يمكن القول إنّ السبب الحقيقي لهذا التقارب، بين طهران والقاهرة ، يعود إلى تجاوز مرحلة الخلافات، ولو مرحلياً والتجهيز لمرحلة تقاطع المصالح الاستراتيجية والإقليمية للدولة والنظام المصري، الساعي إلى الصعود، بقوة، إلى مصاف القوى الفاعلة في الإقليم واستراتيجية ورؤية الدولة الإيرانية لعموم ملفات المنطقة. والهدف من ذلك هو التجاوز المرحلي لحالة الاختلاف برؤية كلتي الدولتين الرسمية، لأسلوب ونماذج الحلول في المنطقة. وبالطبع، هنا تجدر الإشارة، إلى أنّ هذا التقارب، إنْ تمّ فعلاً وتحوّل إلى شراكة فعلية، فسيكون عنواناً لمرحلة جديدة لكلّ أحداث المنطقة وسيخلط أوراق الإقليم ككلّ من جديد. وسيؤثر بشكل بنّاء، في مسار وضع الحلول لفوضى الإقليم، بشكل عام.
ختاماً، هنا من الطبيعي ،وفي ظلّ تطورات خطيرة ومتلاحقة، تعيشها المنطقة ككلّ وفي ظلّ واقع سياسي وأمني ساخن، يفرض وجوده بقوة في المنطقة ومن منطلق أنّ السياسة هي من تحرك مصالح قوى الإقليم وبما أنّ السياسة هي لغة المصالح وهي من تحرك «براغماتية» أغلب قوى الإقليم والسياسة «البراغماتية» هي التي تدفع الآن وبقوة، كلّ دول المنطقة للبحث عن حلول «مرحلية» تقيها أتون نار متسارعة ومخططات صهيو ـ أميركية هدفها إغراق المنطقة، ككلّ، في جحيم الفوضى، لهذا من الطبيعي أن نسمع عن نشوء تقارب في الرؤى والآراء، بين بعض القوى الفاعلة في الإقليم. الهدف، هذه المرة، هو تفادي السقوط في جحيم هذه الأزمات، التي تمرّ بها المنطقة بشكل عام. والهرب من بعض الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الداخلية، التي يمرّ بها بعض دول المنطقة. وهذه العوامل بدورها، هي من أسّست لتبلور معالم لتقارب جديد، متوقع مستقبلاً وبقوة، بين طهران والقاهرة.