ان إصرار اعضاء مجلس النواب العراقي على تعديل قانون الأحوال الشخصية ماهو إلا تنفيذ لمشروع الإسلام السياسي في العراق، فالهدف الرئيس لجميع تيارات الإسلام السياسي وان تناحرت فيما بينها او اختلفت في مرجعياتها ومناهجها وسياساتها الداخلية والخارجية، هو إقامة الدولة الإسلامية .. وخلف هذا الهدف تتوحد صفوفها وتركن خلافاتها جانبا وتنطلق من مبدأ واحد هو : (الإسلام دين ودولة) فالدولة في مبادئ الإسلام السياسي يجب ان تستمد جميع الاحكام والتشريعات والتداولات بين الناس من الشريعة الإسلامية لا القوانين والتشريعات الوضعية الإنسانية، فالانسان في تصورهم عاجز عن اختيار النظام الصالح لحياته بدون توجيه إلهي ..
وهذا ماتكرسه الدساتير ، المكتوبة وغير المكتوبة، للبلدان التي وقعت تحت سيطرة الإسلام السياسي، فقد نصت بعضها على ان الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع، ونصت بعضها على ان الإسلام هو المصدر الرئيس للتشربع، وفي البعض الآخر نصت على ان الإسلام مصدر رئيس للتشريع . وهذا التفاوت بين النصوص بحسب التزام تلك الدول بتعليمات الشريعة الاسلامية .
اذن ليس من المعقول ان نتوقع من البرلمان العراقي، والذي يشكل الإسلام السياسي فيه نسبة اكثر من 90 بالمائة، ان يصدر قوانين وتشريعات تواكب التقدم الحضاري والرقي الإنساني السائدة في البلدان المتطورة، والاعتراف بحقوق الانسان والحريات الاساسية، واتخاذ تدابير للقضاء على جميع اشكال التعصب والتمييز الديني والطائفي والقومي، وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين العراقيين على اساس المواطنة ..
وعلى مدى الخمسة عشر سنة الماضية -اي منذ سقوط العراق بيد الاسلام السياسي – عمدت تلك التيارات على اسلمة كافة مؤسسات الدولة وقسمتها على اسس طائفية واثنية لتغذي، بذلك، حالة الانقسامات الطائفية والاثنية في المجتمع العراقي، وسخرت كافة الادوات التي تمتلكها خدمة لمصالحها الحزبية الضيقة، فأتبعت شتى اساليب التضليل السياسي لخداع الجماهير والتلاعب بمشاعرهم وعقولهم، لضمان اصواتهم الإنتخابية، فكان توقيت طرح تعديل قانون الاحوال المدنية في البرلمان يهدف – بالإضافة الى ترسيخ مبادئ الإسلام السياسي واخضاع سلطة القانون إلى السلطة الدينية- الى الدعاية الانتخابية المبنية، أساساً على التفرقة الطائفية والأثنية، لكسب عواطف احدى مكونات المجتمع العراقي، بعد ان باتت الانتخابات النيابية قاب قوسين او ادنى .