23 ديسمبر، 2024 7:26 م

القانون الانساني الخاص بالعمليات العسكرية وضحايا الحرب واستخدام الاسلحة – العدوانات الامريكية تجاه العراق نموذجا

القانون الانساني الخاص بالعمليات العسكرية وضحايا الحرب واستخدام الاسلحة – العدوانات الامريكية تجاه العراق نموذجا

• ترجمة – وليد خالد احمد
كتابة – كارين باركر
لقوانين الحرب وتقاليدها، او للقانون الانساني، فرعان: الاول- القانون الذي يحكم مجريات المعارك والاسلحة والثاني- القانون الذي يحكم معاملة الاشخاص المتأثرين بالحرب.اما الاول فيطلقون عليه (قانون لاهاي) واما الثاني فيعرف بقانون جنيف والقانون الانساني مبني على العرف وعلى الاتفاقيات ايضاً. ويعود مشرع القانون الانساني المعتمد على الاتفاقيات، الى مؤتمر جنيف عام 1864 ومؤتمر لاهاي لعام 1899 و 1907 حيث وضع قانون المعارك. وقد خضعت هذه القوانين الى الكثير من المراجعات، والمبادرات بخصوص الاسلحة. واما التقاليد او الاعراف فتعتمد على اراء الخبراء والقانون الانساني، وهو لذلك يتمتع باهمية خاصة.

القانون الانساني الخاص بالعمليات العسكرية
لقانون لاهاي مبدأ اساسي مهم: ان اية عملية عسكرية ضرورية لهزم العدو تعد قانونية ما لم تكن محظورة بشكل خاص او محدودة. ويمكن لهذا الحظر او التحديد ان يوجد في اي قانون دولي: الاتفاقيات والقوانين العرفية، مبادئ قانون الشعوب المتحضرة، قرارات المحافل الدولية، اراء الخبراء، القوانين الانسانية وما يمليه الضمير الانساني بهذا الخصوص . ويمكن العثور على مفردات الحظر في الاتفاقيات الموضحة بين طرفي النزاع. وبسبب من سعة انتشار هذه المحظورات والتحديدات في مصادر القانون الانساني، يشار الى مبادئها غالبا على وفق النتيجة الطبيعية لها فيقال: ان وسائل الحرب ليست مطلقة او غير محددة. وقد ظهرت هذه العبارة للمرة الاولى في اتفاق لاهاي لعدم 1907 (الفقرة 22): (ان حق المتحاربين في استخدام وسائل ايذاء العدو ليست غير محدودة). ويتضمن قانون لاهاي فقرة مارتر المشهورة التي تحدد طرق الحرب ووسائلها: (حتى توضح قوانين كاملة للحرب… فان السكان والمتحاربين يظلون تحت حماية مبادئ قانون الامم، التي وضعت بين الشعوب المتحضرة، ومن خلال القوانين الانسانية وما يمليه الضمير الانساني).
يمنع قانون لاهاي قتل المحارب المريض والجريح والذي اعلن تسليمه والمنسحب الذي لا يملك القدرة على الاستمرار في العمليات العسكرية. ويمنع قانون لاهاي ايضا السلب والعمليات العسكرية ضد المدن والقرى والمباني غير المحمية او ضد المدنيين ومقتنياتهم بما فيها الاغذية ومياه الشرب، كذلك يمنع العمليات العسكرية ضد المحاربين اذا كان هناك احتمال قوي بان عدداً غير ضروري من المدنيين سوف يقتلون او يجرحون بما لا يتناسب مع قوات العدو او الاهداف العسكرية المتوخاة.
ان مبدأ (الضرورة) هو احد القيود الاساسية على العمليات العسكرية، فالعملية العسكرية يجب ان تكون ضرورية لهزم العدو. ومما يجعل الامر ضرورة عسكرية هو عادة نزاع دائم حيث تبرر القوات المتحاربة القيام بالعمليات العسكرية على انها ضرورية. مع ذلك تطالب معظم المراجع في هذا الخصوص ان تكون العمليات ذات فائدة عسكرية محددة وواضحة. اذ لا يجوز القيام بالعمليات العسكرية اذا كانت ثمرتها العسكرية صغيرة جدا قياسا الى الخسائر بالارواح او بالممتلكات بما يجعلها غير ضرورية. ولا يجوز القيام بالعمليات العسكرية اذا كانت الحرب قد حسمت او اذا كانت الاهداف منها قد تحققت اصلاً.
وتعد القوات العسكرية للعدو وممتلكاتها وتسهيلاتها هدفا مشروعاً للعمليات العسكرية. اما التدمير المتعمد المسرف او الغشوم حتى اذا كان ضد ممتلكات عسكرية فهو غير مشروع. وبالطبع لا يجوز القيام بعمليات عسكرية ضد السكان المدنيين. ويمكن اعتبار الضحايا المدنيين خلال العمليات العسكرية المشروعة قد وقعوا مصادفة او بشكل لا يمكن تلافيه بشرط ان يكون عددهم قليلا بالنسبة لعدد القوات العسكرية الموجودة في المنطقة نفسها. اما العمليات العسكرية التي تجري بلا مبالاة متعمدة للسكان المدنيين فهي غير مشروعة، كذلك الامر مع العمليات في المناطق حيث هناك احتمال بوجود اعداد كبيرة من المدنيين نسبة الى العسكريين.

القانون الانساني الخاص بضحايا الحرب
لقد حدث تطور مهم في القانون الذي يحمي الضحايا. وتشمل الاتفاقيات التي تكون هذا القانون: اتفاقية جنيف لعام 1906، وقانون جنيف الخاص بالجرحى والمرضى لعام 1929، واتفاق جنيف الخاص باسرى الحرب لعام 1929 واتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949 الخاصة بالقوات في الميدان والقوات في البحر والاسرى والمدنيين، وبروتوكول جنيف الاول والثاني لعام 1977.
ثمة مبدأ اساسي لحماية الاشخاص المتأثرين بالحرب في قانون جنيف: وهو ان المحاربين عندما يكونون خارج المعركة، والمدنيين غير المعنيين بالمعارك المسلحة، لا يجوز ان يكونوا اهدافا للعمليات العسكرية ويجب ان يعاملوا بانسانية. ويتعرض جانب من القانون الانساني الى حق المحاربين في الحصول على الرعاية الطبية اذا كانوا جرحى او مرضى، وحق المعنيين بالمعالجة في تقدمها للمرضى والجرحى حتى اذا كانوا تابعين لقوات معادية، والالتزام بحماية المعنيين بالمعالجة وادواتهم وتسهيلاتهم من الهجمات العسكرية، وقواعد معاملة اسرى الحرب، وحماية السكان المدنيين من مخاطر الحرب وحقهم في الحصول على العناية الطبية والحاجات المادية (الطعام والملجأ والملبس) والخدمات. ويمنع قانون جنيف تجويع المدنيين كأسلوب حرب. ويعد قانون جنيف التعذيب والاستبعاد والقتل العمد (اي القتل خارج ساحة المعركة او القتل غير الضروري) وسواهما من الافعال غير الانسانية في جميع الاوقات سواء كانت ضد المدنيين ام ضد العدو، يعدها جميعا خارجة على القانون.
ويندمج في الوقت الحالي نصا القانون الانساني: فالبروتوكولان الملحقان يشملان على اقسام تعد تاريخيا ضمن قانون لاهاي. في البروتوكول الاول مثلا قسم (طرق الحرب ووسائلها)، ولا يتعرض اتفاق جنيف في الاصل الى الاشياء المدنية عدا المستشفيات. اما البروتوكولان فيذكران عدداً كبيراً من الاشياء المدنية التي لا يجوز ان تخضع للعمليات العسكرية. البروتوكول الاول على سبيل المثال يتوسع في القسم الخاص بالنبايات في اتفاق لاهاي، ويشرح ايضا واجبات الدفاع المدني وحمايته ويضع تعليمات جديدة فيما يخص اشارات الطائرات وسواهما من العلامات الالكترونية.
ويضع البروتوكولان معاً قيوداً صارمة على ضرب الاعمال المدنية ومرافقها مما ينطوي على آثار خطيرة مثل السدود والحواجز والمنشآت النووية.
ويعود هذا الدمج الحديث الفرعي للقانون الانساني في جزء منه الى حقيقة انه لم تبذل جهود تذكر لتحديث ومراجعة اتفاقات لاهاي نفسها. كذلك حدثت تطورات مهمة في قانون حقوق الانسان أثرت على القانون الانساني.

القانون الانساني الخاص بالاسلحة
لان الهدف من الحرب هو الحاق الهزيمة بقوات العدو، فان الاسلحة المستخدمة قد تختلف من موقف لآخر. ولقد شهدت الحروب المعاصرة استخدام الحراب وبنادق الاطلاقات السامة وكذلك النابالم واطلاقات اليورانيوم المنضب. وينطبق المبدأ الاساسي الخاص بالعمليات العسكرية على الاسلحة… ان اي سلاح ضروري لإلحاق الهزيمة بقوات العدو يعد مشروعا ما لم يكن محظورا او محدداً بشكل خاص ويمكن العثور على هذه المحظورات والقيود في اي مصادر القانون الدولي المذكورة اعلاه:
الاتفاقيات والقانون العرفي ومبادئ القانون لدى الشعوب المتحضرة، وقرارات المحافل الدولية، واراء الخبراء، وقوانين الانسانية، وما يمليه الضمير الانساني. والقضية الاساسية في هذا المجال هي حظر الاسلحة التي تتسبب في معاناة (غير لازمة). ومن هنا فان الاهتمام أنصب على العلاقة بين الضرورة العسكرية والاعتبارات الانسانية.
ولقد ركزت الاتفاقيات والبيانات على حظر مزيد من الاسلحة الحديثة مثل النابالم وبعض الاسلحة الكيمياوية والبيولوجية وضد التحويرات البيئية لاغراض عدوانية. ويتضمن قرار الجمعية العامة للامم المتحدة الخاص بالاسلحة بيان حظر استخدام الاسلحة النووية- الحرارية والكيمياوية والبيولوجية. وتركز البروتوكولات الملحقة لاتفاق جنيف على الاذى العشوائي والمعاناة غير الضرورية للبشر، وكذلك الدمار الشديد وطويل الامد والواسع الذي يصيب البيئة الطبيعية، والاشياء والمرافق الحيوية التي لا يستغني عنها السكان المدنيون عنها السكان المدنيون. وفرضت الامم المتحدة قيودا على الاسلحة التي تعد بالغة التدمير او ذات التاثير العشوائي وحظرت استخدام الالغام والكمائن والاسلحة الحارقة مثل النايالم.
وفي قرارها 38/ 75 أدانت الجمعية العامة باقوى العبارات الممكنة استخدام الاسلحة النووية بوصفها تجافي العقل والضمير الانساني وبأنها اكثر الجرائم وحشية ضد الشعوب وتخرق اهم حقوق الانسان وهو حق الحياة.
وحظر المؤتمر 14 للمعهد الدولي للقانون الانساني الاسلحة التي تزيد من معاناة العاجزين او تجعل موتهم حتمياً او تدمر المرافق الحيوية لهم ففي عام 1996 اعتبرت محكمة العدل الدولية قتل المدنيين او استهدافهم محظوراً، وكذلك تدمير او ايذاء الدول المحايدة وشعوبها وكذلك الاسلحة التي تتسبب في اذى غير ضروري، او يهدد البيئة ويدمرها. واما الاسلحة النووية فقد رفضتها جملة وتفصيلا لانها تشتمل على كل الجوانب السابقة. واخيرا تبنت المحكمة مبدأ تقرير المصير عندما عدت استخدام الاسلحة النووية او التهديد بها لاجبار بلد ما على تغيير قيادته او سياسته الاقتصادية، غير قانوني.
باختصار، يتركز القلق الاساسي في موضوع الاسلحة ضمن القانون الانساني على النقاط التالية:
1. القلق الجغرافي: لبعض الاسلحة تأثير مباشر لا يمكن حصره بالاهداف العسكرية القانونية ولذلك فانها تخرق القانون الانساني الخاص بحماية المحاربين خارج المعركة، والمدنيين والاطراف المحايدة.
2. القلق الزمني: لاسلحة معينة آثار بعيدة المدى او ذات نشاط متخلف (باق) لا تؤثرعلى جنود العدو آلات بعد توقف العدوانات، او قد تؤثر على المدنيين او الاطراف المحايدة. فالاسلحة يجب ان ينحصر ثاثيرهما خلال فترة المعارك فقط. ولذلك فان الاسلحة التي تستمر في الايذاء بعد نهاية المعارك تكون محظورة تلقائياً.
3. القلق الانساني: تتسبب بعض الاسلحة في معاناة مجانية لجنود العدو من دون فائدة كبيرة للاغراض العسكرية، او قد تسبب امراضا قاسية او عجزاً او ولادات مشوهة، بينما تهدد اسلحة اخرى باحداث مجاعات لما تسببه من دمار للزراعة. ولقد كانت القيود الانسانية اقدم انواع القيود. وتقوم الفكرة الاساسية على حظر الاسلحة غير ذات الفائدة العسكرية ولكنها تسبب معاناة انسانية مثل الاسلحة التي تسبب العقم الدائمي او اسلحة الليزر التي تؤدي الى العمى او الاسلحة البيولوجية التي تغير الترتيب الجيني. فمن الواضح ان ليس لهذه الاسلحة فائدة عسكرية.
4. القلق البيئي: بعض الاسلحة تسبب دماراً طويل الامد او دائمياً على البيئة الطبيعية، اي بعد انتهاء المعارك، وضد اهداف غير قانونية.

الخروقات الاميركية لقوانين الحرب واعرافها في حرب الخليج الثانية 1991
لم تكن الامم المتحدة طرفا في (حرب الخليج 91) ومع ذلك فان مجلس الامن وضع الهدف الوحيد المشروع للحرب: وهو انسحاب العراق من الكويت. ولكن مجلس الامن لم يخول احداً بتدمير الإمكانات العسكرية العراقية داخل العراق. فالمفروض ان الحرب ضد القوات العراقية داخل الكويت، وليس ضد العراق بشكل عام. وعليه فان كل العمليات التي قامت بها الولايات المتحدة بما ليس له علاقة مباشرة او غير مباشرة بذلك الهدف هي اعمال تعد خارج تفويض مجلس الامن وجديرة بالمقاضاة كعمل عدواني. والولايات المتحدة مسؤولة عن كل الدمار المدني والعسكري، في هذه العمليات العسكرية.
وبسبب من جسامة عدد الضربات الجوية خلال الحرب يستحيل تحليل كل واحدة منها. مع ذلك، يتحتم على الولايات المتحدة ان تقدم سبباً معقولاً لكل واحدة من هذه الضربات وعلاقتها المباشرة بهدف الحرب. واذا كان بالامكان ربط العمليات العسكرية ضد القوات العراقية داخل الكويت بهدف الحرب، فان الامر يغدو اكبر صعوبة فيما يتعلق بالعمليات العسكرية داخل العراق نفسه، وخاصة تلك التي لم تكن موجهة ضد القوات العسكرية وهي في طريقها الكويت لتعزيز القوات الموجودة هناك، او التي تقدم دعما لها. ويتضح من عدد الضربات الجوية وسعة مداها داخل العراق ان الولايات المتحدة قامت بعمليات عسكرية اوسع مدى الى حد بعيد مما كان مطلوبا لتحقيق انسحاب العراق من الكويت. فالولايات المتحدة كما هو واضح استهدفت العراق نفسه. ومن هذا المنظور، فان نسبة كبيرة من الضربات الجوية في العراق، حتى اذا كانت ضد القوات العراقية (افراداً ومعدات) قد تمت من دون تفويض قانوني وبذلك ينبغي ان تعد اعمالاً عدوانية وتكون الولايات المتحدة مسوؤلة مسوؤلية كاملة عن الدمار الناتج عنها. ويجب ان تدرس تلك الضربات واحدة واحدة وتقوم على اساس علاقة كل واحدة منها بانسحاب العراق من الكويت.

أعمال نفذت بعد تحقيق أهداف الحرب
تبين الوثائق ان الولايات المتحدة قامت بعمليات عسكرية بعد ان تحققت اهداف الحرب اصلا. وبالتأكيد فان جميع الاعمال العسكرية التي نفذت بعد ان اعلم العراق روسيا ومجلس الامن (وثيقة مجلس الامن) 22262/S في 24 شباط 1991، بأنه سوف يعمل بمقتضى قرارات مجلس الامن، ان جميع تلك الاعمال تخرق قانون حظر القيام بأعمال عسكرية بعد تحقق اهداف الحرب. ومع ذلك فان الولايات المتحدة بدأت في ذلك اليوم بالذات بهجومها البري. وعليه فان الولايات المتحدة جديرة بالمقاضاة عن كل الضربات الجوية، وكل العمليات البرية التي قامت بها بعد 24 شباط 1991.
وحتى لو توفرت شكوك معقولة بان اهداف الحرب لم تتحقق في 24 شباط، ولا توجد مثل هذه الشكوك، فانها قد تحققت في 27 شباط 1991 عندما أبلغ نائب رئيس الوزراء العراقي مجلس الامن والامين العام للامم المتحدة بان العراق قد انسحب من الكويت وبأنه مستعد للعمل بمقتضى قرارات مجلس الامن. ولكن الولايات المتحدة لم تعلق العمليات العسكرية حتى وقت متأخر من صباح 28/ شباط 1991، وقامت باكبر العمليات العسكرية خلال الحرب كلها بين فجر 27 شباط، وصباح اليوم التالي. وعليه فان الولايات المتحدة متهمة بكل العمليات العسكرية التي قامت بها بين فجر 27 شباط والوقت الذي اوقفت فيه تلك العمليات فعلاً.

العمليات المنفذة ضد جنود منسحبين
قامت الولايات المتحدة في شباط 27 و 28 بعمليات عسكرية على طريق البصرة الجهراء، وام قصر – الجهراء ضد جنود عراقيين منسحبين. ولقد تم الانسحاب بعد ان اعلم العراق مجلس الامن بقراره بالانسحاب المذكور اعلاه. وحتى دون اعلان العراق قراره بالانسحاب، كانت الولايات المتحدة تعلم جيداً ان الجنود والمدنيين كانوا في حالة انسحاب. ولم يكن لهؤلاء الجنود اساساً القدرة العسكرية على مقاومة القصف الجوي لذلك لا يمكن وصفهم بانهم يشكلون تهديداً عسكرياً. وعليه تعد تلك العمليات قتلا عمداً لا مباليا.
بالرغم من ان العراق ابلغ مجلس الامن في 27 شباط 1991 (وثيقة الامم المتحدة 22274/S) بحدوث ذلك، لم يزر المنطقة مراسلوا الاخبار إلا بعد مرور اسبوعين ولم تقدم لهم القوات الاميركية أية مساعدة. وتفيد التقارير والصور عن حدوث مذبحة حقيقية قتل فيها الجميع ودمرت كل العجلات.
ولان قوانين الحرب واعرافها تحظر القيام بعمليات عسكرية ضد الجنود المنسحبين فان الولايات المتحدة متهمة بكل العمليات ضد الجنود المنسحبين وممتلكاتهم. هذه العمليات تمثل قتلاً عمداً لا مبالياً بارواح المقاتلين- وهو ما يعد خرقاً جسيماً للفقرة 147 من اتفاق جنيف الرابع.
فضلاً على ذلك تطالب الفقرة 15 من اتفاق جنيف الاول القوات العسكرية (باتخاذ جميع الاجراءات الممكنة من دون تأخير للبحث عن الجرحى والمرضى وإخلائهم وحمايتهم من السلب والمعاملة السيئة، وضمان حصولهم على عناية مناسبة والبحث عن الموتى ومنع سلبهم).
في هذه الحالة ليس للولايات المتحدة اي عدو عسكري في عدم العناية باحتياجات الجرحى والمحتضرين والمتوفين على هذين الطريقين. كانت الحرب منتهية ولم تكن هناك اي مجازفة عسكرية بينما كان هناك عدد كاف من الافراد العسكريين الاميركان للقيام بالمهمة، في الاقل كان بامكان الولايات المتحدة دعوة المنظمات الانسانية للعناية بالجرحى والقتلى.

أعمال عسكرية غير ضرورية لهدف الحرب
فضلاً عن تنفيذ عمليات عسكرية خارج إطار تفويض مجلس الامن وعمليات عسكرية ضد الجنود المنسحبين بعد ان وضعت الحرب اوزارها فعلاً، قامت الولايات المتحدة بتنفيذ عدد من العمليات خلال إلاطار الزمني المشروع للحرب، ولكنها عمليات لم تكن (ضرورية) لتحقيق الانسحاب.
وليس هناك من شك ان أهداف الحرب كان يمكن تحقيقها بعدد أقل من الضحايا. هنا أيضاً لابد من اجراء تقويم لكل حالة بذاتها.
غير ان العدد الهائل من الضربات الجوية والعمليات البرية وحدها في الاقل توفر دليلاً جزئياً على وجود عدد كبير من العمليات (غير الضرورية).
وتكشف اللغة التي استخدمها بعض افراد القوات الاميركية في وصف العمليات وجود الجانب (غير الضروري) للعديد منها.

عمليات تبين القتل العمد وعدم المبالاة بارواح المدنيين
لعل من اوضح الحالات التي تبين القتل العمد والاستهتار بارواح المدنيين ما وصفناه اعلاه من عمليات على طريق البصرة- الجهراء وام قصر- الجهراء، حيث كان هناك عدد كبير من المدنيين الباحثين عن مكان اكثر أمناً اذ كانوا عائدين الى العراق، فضلاً عن القوات المنسحبة. ولا يمكن تبرير سقوط هؤلاء الضحايا بالمصادقة او عدم القدرة على التلافي في عمليات عسكرية مشروعة لثلاثة أسباب:
1. أن عدد المدنيين كان كبيراً قياساً الى عدد الجنود.
2. أن الولايات المتحدة كانت تعلم بوجود عدد كبير من المدنيين على الطريق لأنه كان تحت المراقبة.
3. ان العمليات العسكرية نفسها لم تكن مشروعة لان اهداف الحرب كانت قد تحققت أصلاً وان الجنود كانوا في حالة انسحاب.
لهذه الاسباب فان كل عمليات قتل المدنيين قابلة للمقاضاة كخروق لقوانين الحرب. كما ان العدد الكبير من الاهداف المدنية التي قصفت وأدت الى وقوع اعداد كبيرة من الضحايا المدنيين تعد ايضاً قتلاً عمداً واستهتاراً بأرواح المدنيين. ولا يمكن وصف هذه العمليات بانها وقعت مصادفة او بشكل لا يمكن تلافيه وذلك لأن الاماكن التي قصفت كانت أعدادها كبيرة وشملت مدارس ومستشفيات وحقولا وأسواقاً تجارية ومدناً وقرى سكنية كثيفة. ويحظر اتفاقا جنيف ولاهاي العمليات العسكرية ضد هذه المواقع . وعليه فانها تعد قصدية وقد مورست بلا مبالاة متعمدة بحياة المدنيين.
وبغض النظر عن العدد النهائي للقتلى المدنيين من العراقيين كنتيجة مباشرة للعمليات العسكرية فان الرقم كارثي الارتفاع. وكما بينا أعلاه يشير الرقم الى ان 50% من الضحايا العراقيين كانوا اطفالاً. ومن بين العديد من العمليات غير القانونية ضد المدنيين كان قصف ملجأ العامرية في بغداد في 13 شباط 1991 نموذجا  فريداً. فالملجأ يسع عادة 1500 شخص، وفي الليلة بعد الضربة لم يكن هناك سوى 11 شخصاً على قيد الحياة.

عمليات تبين لا مبالاة متعمدة بالمرافق المدنية
فضلا عن الضحايا المدنيين كنتيجة مباشرة للقصف الجوي، قتل الالاف من المدنيين العراقيين نتيجة للضربات الجوية على مناشئ الاغذية والادوية وسواهما من المفردات الضرورية لبقاء السكان المدنيين.
فالقصف الجوي لمعامل حليب الاطفال والحقول ومخازن القمح ومحطات المياه والمرافق الخاصة بانتاج الادوية وسواها من الاهداف المشابهة تكشف قصدية ولا مبالاة متعمدة بالحياة المدنية ومواردها. وتكشف ارقام معتمدة بان العديد من الضحايا المدنيين كانوا بسبب الموت جوعاً.
فضلا على إصابة الكثيرين بسوء التغذية الحاد والامراض كنتيجة مباشرة للعمليات العسكرية ضد الاغذية وتجهيزات المياه والملاجئ وتجهيزات الادوية. ان الولايات المتحدة مسؤولة عن كل هذه الاحداث.

عمليات تكشف لا مبالاة متعمدة بالمواقع التراثية
هناك أدلة مقنعة انه خلال ما ينبغي ان نسميه قصف متخم للعراق والاحداث الاخرى ذات الصلة بالحرب، عرفنا ان رقما مفجعا من المقتنيات التاريخية والإبداعية قد دمرت. ومن الواضح ان ليس لهذه المواقع قيمة عسكرية ولا يمكن ان يفسر قصفها على وفق مبدأ الضرورة. ولو ان عدداً قليلاً منها قد قصف او دمر بشكل ما، ربما نجد عذرا في الضرر. ولكن حقيقة ان 8500 عمل ابداعي قد فقد من 8 متاحف وطنية، وان 2000 مخطوطة قديمة قد فقدت في كركوك، واصابة زقورة اور بثقوب الاطلاقات لا يمكن ان توصف بانها اخطاء غير مقصودة. فقد فقدت 4000 قطعة من متاحف المدن مع نهاية الحرب. وهناك تقارير عديدة لعسكريين اميركان قد ازالوا اجزاء من مناطق آثارية لوضع دباباتهم فيها. وتقول تقارير اخرى ان نهباً واسعاً للاثار قد حدث، ولم تتم اعادتها عدا القليل منها.
وقال احد القادة العسكريين الاميركان انه بالاضافة الى الاهداف العسكرية التقليدية مثل انظمة الدفاع الجوي والمواقع الصاروخية وما شابه، كان من المهم استهداف ماهو خاص في الثقافة العراقية، شيء ذي قيمة عالية بالنسبة للعراقيين ويؤدي إلى تأثير نفسي عليهم.

عمليات استخدمت فيها اسلحة محظورة
استخدمت الولايات المتحدة خلال (حرب الخليج 91) 800 طن من الذخيرة الحاوية على اليورانيوم المنضب، وهو نتاج عرضي في عملية استخلاص اليورانيوم 235. واذا دخلت جزيئة لا يزيد قطرها على 5 مايكرونات (يعادل الميكرون 1/ 1000 من الملمتر) الى الرئة، فان الرئة والانسجة المحيطة بها سوف تتعرض الى 270 ضعفا لما يتعرض له العاملون في الصناعات الاشعاعية من اشعاع. وتسبب الاشعاع الناتج عن اليورانيوم المنضب في تشوهات ولادية “امراض في الكلية واللوكيميا والسرطانات وعدد كبير من انواع العجز والمرض”.
ان الاسلحة الحاوية على اليورانيوم المنضب بذاتها محظورة وفق القانون الانساني لانها تخرق كل الشروط الاساسية للاسلحة لانها:
1. لا يمكن السيطرة عليها ضمن ميدان القتال لانها مادة سمية محمولة جواً.
2. لانها تبقى فعالة بعد نهاية الحرب بمدة طويلة.
3. لانها غير انسانية فهي تتسبب ليس في الموت فقط بل في امراض خطيرة للمدنيين والمقاتلين على حد سواء وكذلك عجز وتشوهات خلقية لاجيال قادمة.
4. لانها تبقى في التربة والماء والجو جاعلة المياه والاراضي الزراعية غير قابلة للاستخدام.
حقيقة، ان لليورانيوم المنضب آثارا تمتد للاجيال القادمة مثيرة للقلق بشكل خاص وفي ضوء ذلك فان استخدامه قد يتسبب في الابادة، خاصة عندما يتعلق الامر بتأثيره على الارض والمياه، وحتى الوقت الحاضر يعاني العراقيون وكذلك ممتلكاتهم الحياتية واراضيهم ومياههم معاناة شديدة بسبب استخدام اليورانيوم المنضب في (حرب الخليج 91).
فمثلاً، ان معدل لوكيميا الاطفال قد ارتفع بشكل صارخ وكذلك عدد الاشخاص المولودين منذ الحرب بتشوهات خلقية فظيعة.
واستخدمت القوات الاميركية ايضا القنابل الحارقة والقنابل العنقودية وهي اسلحة تصعب السيطرة عليها ولذلك تتسبب في مجازفة مجانية كبيرة بان استخدامها يخرق الاعراف الانسانية.
فالقنابل العنقودية، خاصة، قد تتسبب في معاناة مجانية للعسكريين والمدنيين. وفي ضوء ذلك فان استخدام اسلحة كهذه يوفر دليلاً قوياً على ان من يستخدمها يصر على خرق قوانين الحرب واعرافها اذا ما حدث فعلا ان تسبب استخدامها في معاناة مجانية او غير ضرورية وهذا ما حدث في العراق.

 

عدم مساعدة الجرحى
فضلا عن عدم مساعدة الجرحى في الهجمات على طريقي (البصرة- الجهراء) و (أم قصر- الجهراء) فان الولايات المتحدة رفضت توفير العناية الطبية للمرضى والجرحى في العمليات العسكرية الاخرى التي قامت بها والتي تخرق قوانين الحرب واعرافها اصلاً.
ولمضاعفة الخرق قامت الولايات المتحدة بعرقلة الجهود الاخرى لمساعدة المرضى والجرحى العراقيين من المحاربين والمدنيين من خلال نظام العقوبات وطرق اخرى…
تنطوي هذه الاعمال على قتل عمد وتسبب مقصود في معاناة اكبر وايذاء اشد للجسم والصحة مما ذكر في الفقرة (50) من اتفاق جنيف الاول والفقرة (147) من اتفاق جنيف الرابع خرق جسيم يتضمن التسبب في الابادة  الجماعية.

المقاطعة ضد العراق
في قرارها 660 في آب 1990 فرض مجلس الامن مقاطعة قاسية على العراق في شكل حظر اقتصادي كامل تقريبا حيث لم تستثن سوى تجهيزات انسانية مثل بعض الاغذية والادوية.
وقد أشير الى هذه المقاطعة بوصفها (الاكثر شمولية والاسرع في التطبيق في تاريخ الامم المتحدة) على حد تعبير معهد كارنيجي. وتخول الفقرة 6 من القرار لجنة تابعة لمجلس الامن مراقبة نظام المقاطعة، وتقوم هذه اللجنة بمراجعة مستمرة للوضع الغذائي في العراق. ويتحتم على الامين العام للامم المتحدة ان يسعى فورا الى الحصول على المعلومات المتوفرة عن الوضع الغذائي في العراق وكذلك على الوكالات المتخصصة في الامم المتحدة وسواها من المنظمات الانسانية ان تتعاون في توزيع الغذاء.
ومع نهاية ايلول 1990 كان واضحاً ان العقوبات قد تسببت بازمة انسانية حادة بين سكان العراق المدنيين مع تزايد نقص الاغذية يومياً، كما بدا واضحاً ان اللجنة تحت سيطرة الولايات المتحدة بشكل كبير وان الاغذية والادوية باتت محددة بقسوة بالرغم من ان لغة القرار استشفتها من الحصار الشامل. وخلال خريف 1990 وفترة الحرب تدهورت الحالة الغذائية في العراق بشكل درامي فالكثير من الضحايا الذين توفوا كانوا في الحقيقة بسبب الجوع.
بعد (حرب الخليج 91) خول مجلس الامن في قراره 687 في 3 نيسان 1991 (الفقرة 20) الاستمرار في استخدام المقاطعة على اساس ان لجنة مجلس الامن تمتلك صلاحية رفع الحظر واجراء الاستثناءات لكي يتمكن العراق من شراء او استخدام الاغذية والمواد والتجهيزات للحاجات المدنية الاساسية كما هو مبين في تقرير الامين العام في 20 آذار 1991 (وثيقة الامم المتحدة 22366/S). وخولت الفقرة 23 لجنة المقاطعة بالموافقة على ما يضمن حصول العراق على مصادر مالية مناسبة ليسدد اثمان الاغذية والادوية والتجهيزات المدنية الاساسية التي يستوردها.
واشترط القرار 687 شرطا جديدا لكي يرفع الحصار مؤداه ان المقاطعة سوف تبقى حتى يزيل العراق كل اسلحته البايولوجية والكيمياوية ومنشآت تصنيعها، وكل صواريخه البالستية ذات المدى الذي يزيد على 150 كم وان يوافق على عدم حيازة او تطوير الاسلحة النووية باي شكل من الاشكال.
ولمتابعة هذه المتطلبات الجديدة خولت لجنة من الخبراء التقنيين (اطلق عليها اونسكوم) مراقبة وتدمير الاسلحة غير النووية واعطيت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصلاحية للتحري فيما اذا كان العراق يمتلك اسلحة نووية او ما كان قادرا على انتاجها.
وبينما لا يستطيع هذا التقرير ان يستعرض جميع الصعوبات المتعلقة بنظام المقاطعة فان نقطة واحدة تحمل اهمية خاصة وهي ان هذا النظام تسبب بما لا يقبل الجدل في وفاة اعداد كبيرة من المدنيين وصعوبات لا توصف في الحياة اليومية وكارثة طبية واجتماعية بمستوى يمكن ان يوصف بانه جرائم ضد الانسانية وإبادة جماعية.
وبدءاً بتقرير مارتي أهتسياري المذكور اعلاه وتقرير اللجنة الدولية التي رأسها صدر الدين أغاخان في تموز 1991 كان العالم على علم بهذه الحالة. فالبعثة المكونة من عدة لجان اشارت في تقريرها الى ان المدنيين الابرياء، خاصة الاكثر ضعفا منهم، لا يجوز ان يؤخذوا رهائن في احداث خارج ارادتهم. يتحتم اذن ان تجاب الحاجات المدنية العراقية الاساسية فوراً غير ان شيئا من ذلك لم يحدث حتى احتلال العراق 2003.
منذ ذلك التاريخ صدرت عدة تقويمات مشابهة، وفي كل عام كانت الارقام تتزايد وخصوصا ما يتعلق باعداد المتوفين لاسباب تتعلق مباشرة بالمقاطعة. وثمة تقارير موثوقة عديدة من هيئات الامم المتحدة والبرلمانات الدولية ومجموعة واسعة من المنظمات الانسانية والدينية ومنظمات حقوق الانسان، تقارير تؤكد ان الشعب العراقي يعاني الموت والجوع والعجز والازمة الطبية وخللاً في النظام التعليمي وسواها من النتائج الخطيرة بشكل خاص بسبب نظام المقاطعة. مثلا منظمة الاغذية والزراعة (فاو) في تقريرها عام 1995 ان 20% من الشعب العراقي يواجهون مخاطر غذائية، وان 30% من الاطفال دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الشديد والهزال وان الفواكه والخضروات والمنتجات الحيوانية غير مشمولة بالحصة التموينية على وفق القرار 986 لمجلس الامن.
ولقد فشلت برامج (النفط مقابل الغذاء) المختلفة من اجل تخفيف الازمة الانسانية. فالمدنيون وجرحى الحرب يعانون ويموتون بسبب نقص الغذاء والدواء.
وعبر عن قلق جدي العديد من المفكرين العالميين، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية بسبب سيطرة اللجنة التابعة لمجلس الامن غير المحدودة، وسيطرة الولايات المتحدة عليها وتركز القلق على العديد من الفقرات مثل وضع الفواكه والخضروات والمنتجات الحيوانية على لائحة المحظورات، برغم انها حاجات انسانية ولا علاقة لها بموضوع الاسلحة وسواها من متطلبات رفع الحصار.
ان حقيقة وجود نقص في الغذاء وكارثة في الدواء، هذه الكارثة تعلن عن نفسها. ويعد فرض المقاطعة ليشمل التدفق الحر للحاجات الانسانية او يعيقها، يعد خرقا لاتفاق جنيف لعام 1949 والبروتوكولات الملحقة عام 1977. فالاغذية والادوية لا يجوز ان تخضع لـ ( لقوائم) الحظر ولا يجوز تحديد كمياتها.
كما ان استمرار الولايات المتحدة بممارسة ذلك بشكل انفرادي او من خلال السيطرة غير المحدودة على هيئات الامم المتحدة يعني استمرار الحرب.
ان الولايات المتحدة ملزمة على وفق اتفاقات جنيف برعاية الجرحى والمرضى وبتوفير ما يلزم من المواد الضرورية لاستمرار الحياة. وسواء استمر مجلس الامن في فرض المقاطعة على العراق ام لم يفعل، فان الولايات المتحدة جديرة بالمقاضات حسب قواعد جنيف.
وهناك العديد من اسباب القلق ايضاً من ان اونسكوم التي تنفذ رغبات الولايات المتحدة، قد قامت (بالقتل المفرط). مثلاً، طالبت اونسكوم بتدمير مصانع اللقاحات لامراض الماشية، وبينما كان العراق خالياً من هذه الامراض ،هناك الآن هلاكات بمعدلات مقلقة بسبب نقص اللقاحات، مما يتسبب بآثار مدمرة للحالة الغذائية الخطيرة اصلاً. فضلاً عن ذلك حدثت هلاكات في الماشية (وبعض الاطفال) بسبب الذبابة الحلزونية التي يستلزم وجودها توفير الادوية منذ عدة سنوات. لقد وضعت لجنة المقاطعة، واونسكوم العديد من العراقيل على المواد الضرورية لازالة هذا الوباء، بل حتى السيطرة عليه. ولقد تفشى المرض الآن بشكل واسع مما يشكل مزيداً من التهديد للمواد التي يحتاجها المدنيون.
وتعبر العديد من المنظمات عن قلقها من ان اللجنة تسعى الى عرقلة رفع المقاطعة لاطول مدة ممكنة بالرغم من ان المقاطعة قد فرضت لمدة طويلة اصلا، وان الادلة المتوفرة على خرق العراق للقرار 687 هي ادلة ضعيفة. ومن الواضح ان الولايات المتحدة مازالت على موقفها الصلب بخصوص استمرار العقوبات، وهذا بذاته يخرق التزاماتها بالقانون الانساني. ويرى البعض ان الولايات المتحدة من موقعها تعمل على منع منظمات حقوق الانسان والمنظمات الانسانية الاخرى من زيارة العراق بسبب ارتفاع معدلات التسمم باليورانيوم المنضب. فلو عاد هؤلاء المحققون والعاملون في المجالات الانسانية الى الولايات المتحدة وهم يحملون الاعراض نفسها التي ظهرت على الجنود الاميركان الذين شاركوا في (حرب الخليج 91) وعلى المواطنين العراقيين، يصبح مستحيلا ان تفند الحقائق القائلة بالاثار المدمرة لليورانيوم المنضب، كما تفعل الان. ولذلك يبدو ان ما تفعله الولايات المتحدة الان هو الانتظار حتى تهدأ الامور.
ولقد ظهر ان الولايات المتحدة قد حرفت اونسكوم عن مهمتها لصالح الاغراض الاميركية وزرعت اجهزة التنصت والمراقبة في الهيئة الدولية. وبرغم ان الامر لم يكشف كلياً حتى الآن بسبب الرقابة الاعلامية المفروضة على تقارير احد موظفي اللجنة، فان من الواضح ان اللجنة وانسكوم هما اساساً ادوات بيد الولايات المتحدة لتنفيذ سياستها، ولم تستطع الهيئات في افضل الاحوال ان تبرئا ساحتيهما من ذلك. وبينما يمكن توجيه اتهامات جادة الى المقاطعة كونها تشتمل على جرائم ضد الانسانية وإبادة جماعية او شبه ذلك، فان الولايات المتحدة متهمة بالمشاركة ان لم تكن المسؤولة عن نظام العقوبات.
عمليات عسكرية بلا تفويض دولي
مارست الولايات المتحدة عدداً من العمليات العسكرية ضد العراق بعد (حرب الخليج 91) كان آخرها الضربات التي بدأت نهاية عام 1998 وما زالت مستمرة حتى احتلاله 2003، وتم خلالها ضرب اهداف مدنية وعسكرية. وتعد الضحايا بالارواح والخسائر المدنية خروقات لقوانين الحرب واعرافها جديرة بالمقاضاة.
ان اي واحدة من هذه الضربات لم تتم بتفويض مجلس الامن وعليه تكون عدوانا على العراق جديرا تماما بالمقاضاة تخرق للقانون الدولي.
حاولت الولايات التحدة وقتها تبرير الضربات الجوية بسبب عدم سماح العراق لاونسكوم بالعمل داخله. واتهم العراق اونسكوم بانها لعبة بيد الولايات المتحدة تستخدمها لتحقيق اغراضها غير النزيهة. ولقد وضحت الكشوفات الاخيرة بان الولايات المتحدة قد استخدمت بالفعل اونسكوم بشكل غير نزيه، ووضعت مستقبل الامم المتحدة ودورها في العراق في اطار من الشكوك الجادة. غير ان الولايات المتحدة بلا شك مسؤولة عن هذه الافعال التي تعد خرقا للقانون الدولي.
اخيراً….. بالرغم من الصعوبات التي واجهتها المنظمات الساعية الى الحصول على معلومات كاملة عن الاعمال التي تخرق القانون الانساني، ان مشروع القانون الانساني التابع للمؤسسة الدولية للتنمية التربوية، يلزم نفسه بالكشف الكامل لكل خروقات القانون الانساني. ونحن ملزمون بشكل خاص بالكشف عن كل الاعمال الاميركية ضد العراق. وفي هذا المجال نرى ان مراجعة دولية شاملة (لحرب الخليج 91) ولدور الولايات المتحدة العسكري فيها، امر لا بد منه.
نخلص الى ان الولايات المتحدة قد قامت بعمليات عسكرية خرقت من خلالها قوانين الحرب واعرافها، ونستنتج ان جسامة هذه الخروقات تدعم ما توصلنا اليه في وجود جرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية وابادة جماعية.
نخلص ايضا الى ان الولايات المتحدة استخدمت اسلحة غير مشروعة على وفق قوانين حقوق الانسان والقانون الدولي والانساني، وخاصة الاسلحة الحاوية على اليورانيوم المنضب الذي يعد سلاح ابادة جماعية استنادا الى تعريف القانون الدولي.
ونجد ان دور الولايات المتحدة في المقاطعة هو خرق لقوانين الحرب واعرافها.
ونجد ان كل العمليات العسكرية بعد انتهاء (حرب الخليج 91) لا تتمتع باي تفويض دولي ولذلك فانها اعمال عدوانية ضد ارض العراق وشعبه.
ولا نعتقد بان تفويض الامم المتحدة للجنة حقوق الانسان كاف للتحقيق في هذه الاتهامات. لذلك نحث اللجنة لتوفير السبل لتقويم اتهاماتنا بوسائل مشروعة غير منحازة ودقيقة.

• ألفت نظر القارئ الكريم الى اني للاسف لم اجد ضمن ارشيف ترجماني نص الدراسة الاصلي بلغته الاجنبية (الانكليزية) حتى اتمكن من باب التوثيق ايراد اسم المطبوع المنشور فيه ورقمه وتاريخه كما هو متعرف عليه في الكتابة المنهجية التي احرص عليها.
[email protected]