قال ابن قتيبة” ذكر أعرابيّ رجلا يعيا فقال:ـ رأيت عورات الناس بين أرجلهم، وعورة فلان بين فكّيه”.( عيون الأخبار2/191).
وزارة الخارجية وزارة حساسة ومهمة جدا تَفترض توفر مواصفات خاصة في شاغلها تواكب التطورات الجارية على الصعيدين الداخلي والخارجي سيما في العلاقات الدولية علاوة على الثقافة العامة والخبرة في القانون الدولي وإستيعاب آليات عمل الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة ومعرفة متواضعة بطبيعة عمل المنظمات غير الحكومية التي بات البعض منها يشكل صفة مراقب في الأمم المتحدة، ولها صوت مسموع في المحافل الدولية مثل منظمة العفو الدولية ومراقب حقوق الإنسان ومنظمة الشفافية العالمية وبقية المنظمات المعروفة إقليميا ودوليا،. لذا يختلف وزير الخارجية إختلافا كبيرا عن باقي الوزراء لأنه عادة يخاطب العقل الآخر أي العقل الدولي وليس المحلي، وإذا لم توفر لديه قاعدة معلومات واسعة سيكون إضحوكة أمام نظرائه الوزراء على أقل تقدير، وربما يشكل فصلا هزليا في المؤتمرات الدولية. لذلك غالبا ما يكون إختيار وزير الخارجية وفق مواصفات خاصة وأهمها إتقانه ما لا يقل عن واحدة من اللغات العالمية كالإنكليزية أو الفرنسية أوالإسبانية أوالألمانية علاوة على إتقانه اللغة الأم إتقانا مميزا.
أن معرفة اللغة الأجنبية تترك إنطباعا إيجابيا لدى المقابل شخصا كان أو وفدا أو دولة، فعندما تحدث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير باللغة الألمانية خلال أحد زياراته لألمانيا ترك إنطباعا مذهلا عند الحاضرين ووسائل الأعلام الألمانية إنتهى بتصفيق حاد. وفي لقاءاته الصحفية سيما مع ثعالب الصحافة الأجنبية الامريكية والأنكليزية كانت إجابته مذهله، لأنه غالبا ما يجعل السائل في موقف ضعيف أمامه، ويمكن الرجوع الى مقابلاته على اليوتيوب للتأكد من صحة كلامنا. وعندما نتحدث عن الجبير فذلك لأنه وزير عربي ومسلم مميز في إدائه، ودبلوماسي ضليع ولا نتحدث عن النظام الذي يمثله، فهذا موضوع آخر. عندما تجري مقارنة بين وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري ووزير الخارجية السعودي ستدرك على الفور الهوة العميقة بين الوزيرين في عدة جوانب منها معرفة اللغات الأجنبية، الثقافة العامة، الدبلوماسية العالية، القابلية على الحوار، القدرة على التفاوض، مواجهة وسائل الأعلام بثبات وجرأة، قابلية الخوض في المناقشات المتعددة الجوانب والطروحات، الجاذبية الشخصية، الهدوء وعدم الإنفعال، إختيار الجمل والكلام المناسب، مخاطبة المقابل بلغة واضحة ومفهومة، تمالك الأعصاب، القدرة على الإقناع، الدفاع عن سياسة بلده بعقلانية وبدون مغالاة، وصفات أخرى يمكن إستخلاصها بسهولة من خلال متابعة لقاءاته وحوارته مع وسائل الإعلام الأجنبية. بمعنى أنه كما يقال قديما جمع فصاحة النقل وخلطه برجاحة العقل، وضعه في دورق اللطافه على مائدة الظرافه وخاطه بملعقة ااذكاء والظرافه.
ان المرء عندما يطلع على تصريحات ولقاءات وزير الخارجية إبراهيم الجعفري لينعقد لسانه هلعا مما يتحدث به أو عنه الوزير، إنها مجموعة من الهلوسات والإنفعالات التي تُولد غيمة من الخيبات تهطل على جميع الحضور بلا إستثناء ولا رحمة، ولعل من الأجدى بالجعفري أن يتتلمذ في الصف الأول إبتدائي في مدرسة الدبلوماسية العربية، ويكون معلمه عادل الجبير! صحيح أن التعلم بالكبر مع عقلية متكلسة كمن يتحدى الصخر، ولا يعطِ نتائج مؤكدة، لكن المحاولة تبقى أسيرة نشاط وجهد من يحاول.
في الكثير من اللقاءات والندوات والكلمات في المحافل العربية والدولية يتحف الجعفري المساكين من الحضور بهلوسات أشبه بالغازات المنبعثة من معدة ممتلئة، حيث تنطلق الأفكار من عقله الداكن
كالأبل الشاردة كل منها في صوب ولا تعرف كيف تجمعها وتخرج منها بطائل كحديثه عن مارد القمقم. أو يشط الحديث بأمور جانبية لا علاقة لها بموضوع اللقاء كما جرى مؤخرا خلال زيارته للعاصمة الهنغارية ولقائه بممثلي البعثات الدبلوماسية وحديثه بأن” الانتصارات الكبيرة التي يُحققها الحشد الشعبيّ هذا الحشد الذي يمثل جيش للامام الحسين وموضع فخر للعراق، ولكلِّ أمم وشُعُوب المنطقة، والعالم”! فما شأن الحسين بالحشد؟ أو عدم التركيز في الحديث كما جرى خلال لقائه بوزير الخارجية الإيراني في بغداد وقوله ان العراق منفتح على داعش، فكاد يغمى على ظريف من هول الصدمة وتحول الرجل من (ظريف) الى (مفجوع)! وربما لا يزال يعاني من هواجسها لحد الآن! وهناك مواقف كشف الوزير الجعفري عن جهله في بديهيات تخص العراق كقوله ان منبع دجلة والفرات إيران! ولو سألت طالبا في الصف الأول إبتدائي لأجابك على الفور من تركيا. وأحيانا يبالغ في الإطراء بشكل يثير السخرية كإدعائه بأن حكومة العراق (حكومة ملائكية) بمعنى إنها تضم ملائكة وهو أحدهم، ولا نعرف شكل حكومة الأبالسة أن كانت حكومته ملائكيه؟ الله يستر! وأحيانا المبالغة بالنقد الجارح سيما في حديثه عن السعودية وتركيا والبحرين من خلال تبنيه السياسة الخارجية الإيراني قلبا وقالبا. علاوة على التناقض في كلامه فهو يتحدث مثلا عن ” أهمِّية التنسيق، والتعاون بين الدول العربية كافة؛ لمُواجَهَة التحدِّيات التي تمرُّ بها المنطقة”، لكنه في الوقت نفسه فشل فشلا ذريعا في بناء علاقات جيدة مع دول الجوار سيما دول الخليج، بل يمكن القول ان علاقة العراق الخارجية الإيجابية تنحصر بالدول المضطربة فقط وهي إيران الدولة الراعية لما يسمى بالعملية السياسية وسوريا واليمن (دويلة الحوثي) ولبنان (دويلة حسن نصر الله) فقط. في الوقت الذي يفترض أن يكون تركيز وزارة الخارجية على تحسين العلاقات مع الدول العربية ودول الجوار أولا، وليس إرضاء نظام الملالي في إيران. بل يمكن الجزم أن وزارة الخارجية العراقية ليست أكثر من دائرة ملحقة بوزارة الخارجية الإيرانية، وان وزير الخارجية الجعفري دون منصب مدير في هذه الدائرة، ومن يخالفنا الرأي ليقدم لنا دليلا واحدا على موقف خالفت فيه وزارة الجعفري نظيرتها الإيرانية في القضايا الإقليمية والإسلامية، ويمكننا إثبات العكس بسهولة.
عندما تعرضت مكة الى صاروخ موجه من قبل الحوثيين الذين إدعوا بأن الهدف كان المطار وليس الكعبة، أدان العالم الإسلامي هذا الإنتهاك الصارخ لأنه يمس أبرز مَعلَم إسلامي، ولم يخرج عن هذه الإدانة سوى الجعفري ونظيره الإيراني، لأنه شرلوك هولمز وزارته لم يتحقق بعد من أن الصاروخ الحوثي كان يستهدف الكعبة فعلا! بمعنى أنه ترك العالم العربي والإسلامي جانبا وتبنى رأي الحوثيين، مع هذا يطالب العرب بالوقوف الى جانب العراق، وهو لا يقف بجانب العرب! إنه أشبه من يقتل أباه وأمه ويطلب من المحكمة أن ترأف بحاله لأنه أصبح يتيم الأبوين! كان الرد السعودي مفحما ولاذعا كالعادة عندما قالوا بأن الجعفري كان يريد أن يقع الصاروخ على الكعبة كي تتحقق الرؤية!
من الأعاجيب في سياسة العراق الخارجية، وهذا حالة لم يشهد لها مثيل في العالم الدبلوماسي قديما وحديثا، ان العديد الزوار الإيرانيين خلال اربعينية الحسين بن علي حصلوا على سمات دخول للعراق عبر الدوائر الإيرانية وليس القنصليات العراقية فحسب كما يفترض، بحجة الزخم الشديد على القنصليات العراقية! فقد أعلن (مجتبى كريمي) مديرية الجوازات في وزارة الخارجية، في تصريح لوسائل اعلام ايرانية في 17/11/2016 بإنه ” تم اصدار أكثر من مليون و930 الف سمة لدخول الأراضي العراقية، وأن اصدار سمات الدخول جارٍ على قدم وساق”. وبغض النظر عن الهدف من زيارة العراق يفترض بالدولة ذات السيادة أن تمنح السمات عبر قنصلياتها في الخارج وفق ضوابط قنصلية وأمنية معروفة، فمليون زائر لا يمكن التعرف على هويتهم مطلقا! كم يا ترى فيهم من إرهابيين وتجار مخدرات ومافيات ومجرمين ولصوص وشحاذين ومنحرفين اخلاقيا؟ وقد
شكت محافظة كربلاء من السرقات والشحاذة، وسكتت عن بقية الجرائم الأخرى ومنها الأخلاقية لأسباب معروفة.
ذكرت مصادر مدينة كربلاء في 17/11/2016 إن ايرانيين يدخلون عملات مزيفة إلى أسواق المدنية. وأن هذه المافيات أدخلت العملة المزيفة من خلال الزوار الإيرانيين الذين جاءوا إلى محافظة كربلاء لأداء مراسم أربعينية الحسين بن علي. وقالت شركة الطيف للتعاملات المالية في كربلاء إن “محاولة نشر العملات الإيرانية المزيفة في العراق، تعد سابقة خطيرة ومضرة بالاقتصاد العراقي”.
كما تفاجئ أهالي محافظة كربلاء الواقعة جنوب غرب العراق في 16/11/2016 مع مراسم اربعينية الحسين بن علي بأنّ أكثر من 50 عربة تابعة للشرطة الإيرانية، دخلت مع أسلحتها وتجهيزاتها العسكرية إلى الأراضي العراقية، لتباشر عملها في تأمين وصول الزائرين الإيرانيين إلى مدينة كربلاء، مؤكدة ان قوات حرس الحدود في منفذ زرباطية التابع لمحافظة واسط، لم تتدخّل لمنع دخول عناصر الشرطة الإيرانيين، وأنّ نقاط التفتيش الواقعة على الحدود، تلقّت توجيهات من الجهات العليا، تبلّغها بضرورة عدم التعرّض للشرطة الإيرانية وتسهيل عمليها دخولها الاراضي العراقية”. كما أعلنت قوات التعبئة (البسيج) في طهران بتأريخ 19/11/2016 أنها تمكنت من إلصاق ثلاثة آلاف صورة لـما يسمى (مدافعي الحرم) على طريق كربلاء والنجف تذكاراً لهم، وهو الطريق الذي يمرّ منه آلاف الزوار مشياً على الأقدام في أيام أربعينية الحسين بن علي. طبعا لم تعلق وزارة الخارجية عن هذه الأمور التي تتعلق بالسيادة، لأن السيادة العراقية منحصرة في بعشيقة فقط!
لا عجب من تصرفات هذا الوزير المثير للسخرية والذي جعل سياسة العراق الخارجية في الدرك الأسفل من الخراب، بل أصبح إضحوكة لوزراء خارجية دول العالم، يحضرون جلساته لغرض المفاكهة والتسلي لا أكثر، كيف لا وقد ذكر بأن وزارته معبئة بالكامل ليس لخدمة سياسة العراق الخارجية وإنما لدعم الحشد الشعبي، متناسيا أن هذه مهمة الإعلام وليس وزارة الخارجية.
قال الشاعر: أليس من البلوى بأنّك جاهـــــــــــل … وأنّك لا تدري بأنـــك لا تدري إذا كنت لا تدري ولست كمن درى … فكيف إذن تدري بأنك لا تدري