19 ديسمبر، 2024 12:24 ص

-1-
منصب القضاء منصب خطير للغاية ، ترتبط به أرواح الناس وحقوقهم وأموالهم وحرياتهم …

ولقد روي عن الرسول (ص) انه قال :

{ القضاة ثلاثة

اثنان في النار

وواحد في الجنّة :

قاضٍ قضى بالهوى فهو في النار ،

وقاضٍ قضى بغير علمٍ فهو في النار

وقاضٍ قضى بالحق فهو في الجنة }

راجع الجامع الصغير في احاديث البشير النذير للسيوطي ص462

ولكي يحكم القاضي بالحق ، عليه أنْ يكون بعيداً عن التأثر بالضغوط التي يتعرّض لها، حتى لو كانت من كبار الرؤساء فضلاً عن غيرهم …

وقد قال بعض القضاة :

” أصبحتُ ونصف الناس عليّ غضبان “

وقد ألمّ الشاعر العربي بهذا القول حينما قال :

إنّ نِصْفَ الناس أعداءٌ لِمَنْ

                           وِليَ الأحكامَ هذا إنْ عَدَلْ

وقال أبو وائل :

” سمعت عماراً يقول في بعض القضاة :

كان كافرا فقلتُ :

ما تقول ؟

فقال : إنّ الله تعالى يقول :

( ومَنْ لمْ يحكمْ بما أنزل اللهُ فاولئك هم الكافرون )

والتاريخ مليء بالشواهد الدالة على رفض الكثير من القضاة العفيفين تدخل الحكّام في شؤونهم .

من ذلك مثلا ما رواه الراغب في (محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء ) ج1 ص 193 حيث قال :

” وَلَّى اسماعيل بن أحمد قاضيا عفيفاً ، فكلّفَهٌ أنْ يقبل رجلاً لم يكن عنده عَدْلاً ،

فامتنع عليه ، فقال له :

ما أَثْقَلكَ مِنْ بَيْنِ القضاة !

فقال :

اعزِلْني إنْ كنتُ ثقيلا

فقال :

قد عزلتُك ،

فتناول القاضي قلنسوتَه مِنْ على رأسه فجعلها في كُمّه وخرج .

فندم اسماعيل على ذلك ، فردّهُ وسأله أنْ يتوّلى فأبى عليه }

-2-

أرأيتَ كيف رَفَضَ القاضي التدخل من قبل الوالي (اسماعيل) في شؤون القضاء ؟

وعلى عادة السلطويين المغرورين الذين يتصورون أنَّ بمقدورهم أنْ يفعلوا ما يشاؤون، لم يتوقف اسماعيل بن احمد لحظة عن ابداء رغبته في قبول الشاهد غيرِ العَدْل عند القاضي ،وحين باء تدخلُهُ بالفشل، انتقل الى الاساءة الى القاضي وإسماعه مُرَّ الكلام …!!

والاّ فما معنى قول اسماعيل للقاضي :

” ما أثقلك ما بين القضاة “

انها كلمة ممجوجة تدل على أنَّ (اسماعيل) كان ثقيلا وليس القاضي .

ثم إنّ هذا القاضي العفيف اختار اعتزال القضاء، والتخلي من منصبه، حفاظا على الضوابط والموازين .

وأبى أنْ يعود الى منصبه بَعْدَ أنْ دعاه الحاكمُ الى ذلك ، في اشارة واضحة صريحة الى أنّه لن يتسنم منصب القضاء في ظلّ حاكم يسمح لنفسه التدخل في شؤون القضاء .

-3-

إنّ اصلاح الفساد في القضاء العراقي، هو في طليعة ما تُطالب به المرجعية الدينية العليا ، والجماهير الشعبية العراقية في تظاهراتها في أماسي الجمعة في العديد من المحافظات العراقية .

كيف يُقضى على الفساد اذا كان القضاء فاسداً ؟!

اننا نعتز بالقضاء العراقي النزيه الذي يرفض الانصياع للضغوط التي تمارس عليه من قبل أية جهة تنفيذية … وندعو الى عزل الفاسدين من القضاة كما ندعو الادعاء العام والقضاء العراقي ان يجعلوا قضية القاء القبض ،على رؤوس الفساد وناهبي ثروات البلاد قضيتهم الأولى ،وأنْيباشروا سريعاً بمحاكمتهم، واسترجاع ما سرقوه من المال العام، كما ندعوهم الى اتخاذ الاجراءات الاحترازية من منع سفر المشبوهين وحجز أموالهم المنقولة وغير المنقولة قبل أنْ يفروا من البلاد .

-4-

واخيرا :

نُذّكر أنَّ القضاء حكم بالسجن عدة سنوات على الاستاذ محمد توفيق علاوي – وزير الاتصالات السابق – ، ثم حكم ببراءته مع انه برئ مما اسند اليه من تهم من أول الأمر،

والقضاء حكم ببراءة (مشعان) بعد ان كان قد أصدر العديد من الاحكام الجنائية بحقه ، خضوعا لارادة سلطوية معروفة …!!

انهما مثالان فقط

وكما قال الشاعر :

( إنّ اللبيب من الاشارة يفهمُ)
[email protected]