أرانا نحن العراقيين اليوم أحوج ما نكون الى الاتعاظ والاعتبار بمغزى ماقاله السابقون، فمثلنا يقول: (الحايط لو مال يوكع على أهله) وماقصدت بالـ (حايط) فهو العراق، إذ أنه سندنا وسترنا وستارنا، ولاأظن أحدا منا يستطيع القفز عليه او فوقه، إلا من سولت له نفسه بنسيان تاريخه الممتد قرونا طوالا، بحضاراته السباقة في مجالات الحياة كافة، وكذلك من غير المعقول تجاوز هذا الحائط في وقت يتطلب الأمر فيه الركون والرجوع الى قاعدة متينة كأساس صلب، يقوّمنا ويقوم عليه حاضرنا، ومن المؤكد أن من يستغني عنه عليه التخلي عن قيم كثيرة، اولها الشرف وليس آخرها الغيرة.
ومن سوء حظ العراقيين الشرفاء ان ترتفع نسبة الأخيرين بين ظهرانينا، لاسيما وهم يرون الحائط بدأ يميل بانحدار ينذر بخطر كبير لو استمر ميلانه هذا بالازدياد، والغريب العجيب أن القاصي والداني مهتم جدا بتداعيات أمرنا هذا، فيما نرى شخوصا وأحزابا وجهات من أنفسنا، تزداد تماديا وولوغا في العبث بمصائر ملايين العباد، ولاتتوانى لحظة في إحداث القلاقل والمشاكل، سعيا في خراب الدار. فبين الحين والآخر نسمع عن اجتماع دول عظمى وصغرى تهتم بالشأن العراقي، وتبدي تعاطفا مع الـ (حائط) وتتألم على الميلان الذي أصابه، وتعمل جاهدة على إصلاح ماخرب، فهي على دراية تامة أن الخراب يفضي بالنتيجة الى سقوط -لاسمح الله- وحينئذٍ فالحائط كما يقول مثلنا: (يوكع على أهله).
وفي حقيقة الأمر أن بعض الدول والجهات التي تجتمع لمناقشة الشأن العراقي، وتتناول تداعيات أحداثه، لايهمهم سقوط الحائط على أهله، بل منهم من يعد حدثا كهذا (عيد وجابه العباس) والأمثلة على هؤلاء كثيرة ومن أقرب الجيران الى العراق. لكن، بشكل عام فإن النتائج التي تتمخض عنها أغلب اجتماعاتهم، تفرح العراقيين -الشرفاء حصرا- أكثر من تلك التي تتمخض عنها اجتماعات ساسة البلد ومسؤوليه من الكتل والأحزاب، فالأخيرون (يخبطون الطين بالعجين) ويفتحون للشرور بابا قد يصعب إغلاقها او يستحيل.
نعم، هذا واقع الحال المعاش، فالغريب بات أكثر حرصا على مستقبل العراق من كثير من أهله، وهذا ماأدركه الشرفاء من قادة البلد في مجالسه الثلاث، فراحوا يشمرون عن سواعدهم رؤساءً ونوابا في أسفارهم ورحلاتهم السندبادية، للاستعانة بالغريب والبعيد، وهذا طبعا بعدما أدركوا نية القريب السيئة المبطنة التي يتأبطها أغلب ساسته. وهذه الحقيقة لمسها العراقيون أنفسهم بعين اليقين وعلم اليقين وحق اليقين، بأن الغريب والبعيد هذا هو الذي سيسهم في انتشالهم من وحل ماهم فيه من تداعيات، واللافت للانتباه ان أغلب دول المشرق والمغرب تعرب عن مؤازرة العراق، ومساندة جهود الحكومة العراقية الرامية إلى استقرار العراق وخلاصه من الأخطار المحدقة به. ولكن، تبقى تلك الدول تدعو الى ضرورة مشاركة جميع شرائح العراق في العملية السياسية وانخراطها في الحوار السياسي، ومساهمتها بجدية وحزم في إتمام كثير من الخطى التي تعود بالخير والفائدة الى العراق والعراقيين. هنا أود توجيه سؤال من خلال منبري هذا الى ساسة العراق ومسؤوليه، في رئاسات المجلس التشريعي والتنفيذي والرئاسي، والكتل والأحزاب والائتلافات السياسية، رؤساء ونوابا وأعضاء:
هل حقا أنتم بحاجة الى توصية دول بعيدة عنكم، تحثكم على المشاركة بالعملية السياسية في بلدكم بشكل جدي وناجع؟ وهل نرد على هؤلاء فنقول: (لاتوصّي حريص) أم نقول له: “لقد أسمعت لو ناديت حيا”!.
[email protected]