23 ديسمبر، 2024 6:59 م

القارئ المغامر لا يُحبس في قالب تعميمي

القارئ المغامر لا يُحبس في قالب تعميمي

وضع “فولفانغ ايستر” مفهومه في الاستجابة الجمالية والذي يقوم علي نظرية التواصل الأدبي ما بين النص والقارئ، من خلال ما يثيره النص من مجموع الانفعالات التي ترقي بالمتخيل إلى الاندماج في الشخصيات والأمكنة والأزمنة، وبالتالي فإن هذا القارئ هو الشريك في هذا الخلق وهو في الوقت نفسه المعبر عن جوهر التفاعل ما بين البيئة (بيئة العمل الأدبي) وبيئة متلقي هذا العمل. ومن جوهر هذا التفاعل تحدثت ردود الأفعال حيث يتطلب لدراسة هذه الردود تحويل الأشياء إلى أمور تدركها الحواس. أي إطلاق قدرات التخيل في رسم وصياغة وإبداع ما تم التقاطه من النص وربما إعادة تشكيله من جديد بوجود المؤثرات النفسية والاجتماعية التي تشكلت أصلاـ وما طرأ عليها من تغيير وما سيرافق هذا التغيير من توترات.

أن التوترات في النص (إغراءات) وهذه الإغراءات ذات محدودية المصادفة وقابلة للتحلل إذا لم يحسن استقبالها والإفادة منها في وقتها الملائم لأنها أي هذه الإغراءات (مزاجية) وتظهر بشكل آخر حين يفسر المعنى بأكثر من معناه وضمن هذا الوصف تكون مسؤولية القارئ لاستدراج معناه ثم القبض عليه.

لقد كتب (نور ثروب فراي عن بويما) كما أشار الكاتب: أن كتبه تشبه نزهة..

يشارك المؤلف فيها بالكلمات ويأتي القارئ بالمعنى.

لقد سمي المؤلف هذه العلاقة بالمشروع التعاوني لكن هذا المشروع التعاوني يصنف القارئ إلى صنفين وهما القارئ المثالي والقارئ المغامر وهذا الأخير أي القارئ المغامر لا يمكن صبه في قالب تعميمي وهو يقدم دليلا ملموسا عن المعايير والأذواق التي سادت مجتمعاته بحيث يبدو إن معنى النص معنى مفككا. وهنا تبرز قدرة هذا النوع (القارئ) على جمع هذه الأشياء المفككة.. وهذه العملية بحد ذاتها هي عملية بناء جديد للأشياء من قبل القارئ تعبر عن قدراته النفسية والاجتماعية والفكرية في الوصول إلى المشاهد التي أنشأها المؤلف في النص وتحول أحيانا عوامل عديدة في الوصول إليها من قبل القارئ.. وهنا

يجب التفريق ما بين معنى النص وما للنص من معنى فالمعنى الأول أو المفهوم الأول (معنى النص) قد يخضع لتقبل عام يكون عاملا الزمان والمكان معلومين فيه، أما المفهوم الآخر فهو المفهوم المتوالد عبر متغيرات عامل الزمن (العصر) أي استدراج مراحل متعددة في ذهنية القارئ.

وهنا النص يكون أشبه بالنص التنبؤي بما سيكون القارئ عليه بعد كذا من السنين وبعد كم من الأماكن وبعد سلسلة من الإحداث. فتلتقي المقاصد فيما يرمي إليه الطرفان فيتحقق بذلك الإطار المرجعي للإمكانات الدلالية والرمزية والتي تؤدي إلى فض القيود (ضعف الاستجابة) للنص الجمالي المطروح.

فالقارئ يقف في موقف يمكن له فيه أن يجمع المعنى الذي خلفته رؤى النص وهذا المعنى لم يكن واقعا خارجيا ولا نسخة مقصودة لقارئ مقصود، فعلى ذهن القارئ أن يتصور هذا النص فلا يصبح الواقع ليس له وجود واقع إلا بعد تصوره.

وهنا يعيد المؤلف ثانية القارئ الى مرجعيته لإدراك غير المألوف ثم تشغيله.

أن القارئ يتوقع.. ومستوي التوقع لديه غير معلوم لأنه يبني علي مسارات تقبل النص وهذه المسارات بطبيعتها مسارات غير متوازنة لأنها تتغير مع طبيعة رسم الأشياء في الذهن وان تراكم مجاميع من الصور وأحكام الطوق عليها يؤدي إلى بناء مشاهد أخرى وأخرى لإحداث الاستجابة المطلوبة كرد فعل للمؤثر الذي يحدث التغيير باتجاه البدء بالاستجابة الجمالية. إن نظرية الاستجابة هذه تقسم بالفصل التحليلي بين العرض والنتيجة وبأن السمات الأساسية للنصوص الأدبية أنها تعزز أشياء لا تتصف بها. فالعمل الأدبي حين يتبنى النتائج مسبقا يحدث هذا الإدراك ما بين المتوقع والمرسوم. أن النص الجيد يخلق تتابعات من ردود الأفعال يزيد من مساحة الاستيعاب العقلي والنفسي للقارئ ويحجم في الوقت نفسه العوارض والمؤثرات التي قد تؤثر على مجري عملية التصور أو الإدراك الذي يستعد فيه القارئ لإطلاق الحكم على هذا النص.. فيرى انه يكون للقارئ (ممرات استقبال) لكي يتمكن كاتب النص من حسن تسيير ما يريده في هذه الممرات بالشكل الذي يحدث التوافق وتصبح بعض هذه الأشياء (الرسائل ــ الصور) بمثابة سلوك جمالي في نفس المتلقي وإذ ذاك قد يتحول هذا العمل إلى وسيلة تعليمية رغم أن الأدب لا يهدف إلى هذا الأمر

كليا. أن العمل التعاوني هو بمثابة الكشف عن نقاط الالتقاء لإضاءة المناطق المعتمة في النص ولدى القارئ.

*[email protected]