23 ديسمبر، 2024 2:32 ص

القادم الى الخضراء

القادم الى الخضراء

لعل غالبية العراقيين الان لايتصورون سوى حيدر العبادي رئيسا للحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها مما يحب الجميع تسميته بالـ ( تكنوقراط) والغالبية ايضا ونتيجة تحديدات العملية السياسية الطائفية يعتقدون أن لو حصل تغيير للعبادي فان البديل سيكون واحدا من حزبه اوتحالفه او كتلته، فشركاء العملية والقائمين عليها اليوم يضعوننا دائما امام خيارات محددة، مما لا يسمح لنا باشغال عقولنا والتفكير بما هو ابعد اضافة الى شعورنا باليأس نتيجة تراكمات الفشل المتواصل، او لاننا نشعر ايضا ان من سيأتي سوف لن يختلف عما هو موجود، فنكف عن اشغال انفسنا بما هو ليس بمقدورنا، وقبل 2003 لم يكن العراقيون يفكرون بمن يمكنه ان يكون بديلا لصدام فاسموه بالخليفة السادس، ثم حين استقر الامر للمالكي سموه بمختار العصر وقبل انتهاء الولاية الثانية كان الجميع من حوله مؤمن ان لابديل له، حتى ان احد قادة حزبه ( حلف بشواربه) في انه سيكون صاحب الولاية الثالثة، اما الشعب فكان يبحث في الوجوه المحيطة به ليرى ان كان ثمة نور في احدها كي يتمكن من ان يشير اليه كرئيس محتمل للحكومة الجديدة، ولكن لانور في اي وجه من وجوههم الكالحة، حتى ظهر معصوم وهويسلم كتاب التكليف الى العبادي الذي لم يكن قد ورد ذكره، او سمع صوته، فهطلت الرؤوس على الصدور ، وكل العراقيين بطبعهم الجمعي كانوا يريدون شخصا بهامة طويلة واكتاف عريضة وشوارب كثة ، صوته كصوت رجل راشد وواثق من خطاه، ولم يكونوا ابدا يتوقعون ان يكون قصيرا بكرش مائل الى الارض متعثر في خطواته وفي سكناته، ولكنهم استبشروا فيه شيئا من الامل كونه سببا للخلاص من مختار العصر الذي تحول بعد ذلك الى محتال العصر مثلما تحول الخليفة السادس الى ظالم وطاغية.. واليوم يعيش العراقيين ذات الاجواء، لايجدون في الافق سوى العبادي بديلا للعبادي، وحين يستطلعون الوجوه كلها فلا يجدوا نورا في احدها، كلها كالحة كملح الفاو، مغبرة كغبرة داحس..
حتى زعيم الصدريين حين وضع مشروع الاصلاح لم يتجرأ على ذكر البديل فاناط بالعبادي مسؤولية الاصلاح والتغيير وهو يعلم ان الحل والربط مازال عند المختار المحتال، فمقتدى الصدر ايضا حاله حال العراقيين لايرى في جوقة السياسيين من هو اهل للمسؤولية، وبالتاكيد فهو مثل السياسيين ايضا لايفكر بكفاءة عراقية من خارج الجوقة الحاكمة..
فمن ياترى سيفاجئنا هذه المرة ويستلم كتاب التكليف من معصوم؟…
اولا علينا الاعتراف ان مسالة التغيير الوزاري ربما ستمضي الى نهايتها ويأتينا التكنوقراط ويضيعون في دوامة الفساد ويساقون الى المحاكم باعتبارهم هم المسؤولون عن كل ماجرى، فمجيء هؤلاء ليس الا أكباشا واضاحي، وليس كمنقذين واذا كان هناك (تكنوقراط ) حقيقي فانه سيفهم بالطبع ان الحل ليس بتبديل اشخاص انما بتبديل نهج ونظام وسياسة وعقيدة، اما من سيشارك في الحكومة المرتقبة منهم كوجه جديد فانه حتما ليس بتكنوقراط.. واذا ما سارت الامور على هذا فان عمر الحكومة الجديدة لن يطول ، انما ايام
او اسابيع حتى نعود الى التظاهر من جديد ، فهدف التغيير في الاساس هو تخدير الشعب لاي امد ممكن بحجة انها حكومة جديدة وتحتاج الى فسحة من الوقت، كي تصلح مافسد، ولكن هيهات فلا يصلح العطار ما افسده الدهر!!!
فنحن اذن نريد ان نتحدث عن: من سيكون بديل العبادي في نهاية المطاف؟..
الذي يراقب مايجري من حراك شعبي وخاصة منذ آب الماضي، يكتشف ان الجماهير بعفويتها ومع افتقادها لقائد ميداني ملهم وتنظيم يحمل فكرا ونهجا ثوريا واضحا، الا انها تسير بحركات تكاد ان تكون شبه منظمة، رغم انها غير مجتمعة في مكان واحد ولا تحمل شعارات موحدة وليست لها اهداف واحدة، وفي كل مرة تشتد فيها وتقوى وتضيء الامل للجميع ، يشعر المراقبون بالانكسار حين يرون سقف المطالب الواهن البعيد عن جوهر الثورة وتظاهراتها، واخر مثال كان ومازال مبعث امل كبير، هو احتجاجات طلاب جامعة المثنى، التي نشرت فرحة كبيرة في نفوس العراقيين بطردهم رمزا كبيرا من رموز العمالة والفساد في البلاد خارج حصنهم ، وهو حسين الشهرستاني الذي باع ثروة العراق للاجنبي وسلم قوت الشعب بيد ناحريه، ولكنهم وللاسف بدل ان يستغلوا تعاطف الشعب معهم والتفافه حولهم ليصعدوا من وتيرة تظاهراتهم واهدافهم، نجدهم يطالبون فقط باقالة رئيس جامعتهم، فتحولت تلك الحادثة الكبيرة في معناها الى فعل لايتعدى اسوار مبنى الجامعة، ولو كانت شعاراتهم وطنية تطالب بالتغيير الكلي للنظام لكانت نموذجا ومثالا يحرج كل طلاب جامعات العراق الذين مازلنا نعقد الامال على وعيهم وعلى وقفتهم التي ربما ستتحق قريبا، فهم بشعاراتهم تلك واهدافهم جعلوا من انفسهم وتظاهراتهم محلية الاسباب والاهداف، وكذلك يفعل ابناء كربلاء والديوانية وبابل وغيرها حين يطالبون باقالة المحافظ او حل مجلس المحافظة وغير ذلك ليعطوا انطباعا وكأن العراق قد قسم وان مايجري في اي محافظة منه لايعني المحافظة الاخرى، فتتبعثر الجهود ويضعف الزخم.
ومع كل ذلك فهناك ثمة توجيه ما، وتنظيم الى حد متناسب مع اللجة القائمة، فعبر اثير قناة البغدادية جرى توجيه المتظاهرين الى اماكن التجمع، والى كتابة اللافتات والشعارات والى احضار حاويات الازبال لترمى فيها صور المفسدين، واخيرا رفع المكانس بيد المتظاهرين يوم الجمعة القادم كتعبير عن الرغبة في كنس كل ازبال العملية السياسية القائمة.. ويحسب للبغدادية ايضا هي انها من انهت احلام المالكي في الولاية الثالثة، وانها من كشفت ضعف العبادي وتردده وحيرته، ويحسب لها انها من احرجت المرجعية وجعلتها تعلن صراحة ان القائمين بالامر اسوأ من نظام صدام وان الشعب يعاني اليوم اكثر مما كان في عهده رغم الثروة الهائلة والامكانات والدعم الذي حصل عليه القائمون بالامر، ويحسب للبغدادية ايضا انها اخيرا احرجت من تستطيع الاعتماد عليه وهو (مقتدى الصدر) لتحقيق هدفها القادم وغير المتوقع وهو: ايصال شخص جديد الى رئاسة الوزراء!!
اعتمدت البغدادية مع الصدر سياسة الضغط المباشر تارة والنقد المبطن تارة اخرى والمدح واعطاء الاهمية والقوة والمكانة الوطنية الموهومة، حتى دفعته الى تنفيذ ماتريد بشكل كامل ومثالي، فهي التي دفعته الى تظاهرات الجمعة الماضية، وهي التي دفعته لاتخاذ قرار البراءة من وزراءه، ثم في اليوم التالي وعبر ستوديو التاسعة وجهت له رسالة صريحة لاحالتهم الى القضاء فاذا به يتخذ هذا القرار، ثم دعته وعبر
البرنامج نفسه الى مواصلة التظاهر في الجمعة القادمة فاتخذ القرار مسرعا وطلب من اتباعه الخروج للتظاهر، وبدأ الصدر يتحدث بلغة متناغمة تماما مع لغة قناة البغدادية، فماهو هدف البغدادية القادم الذي سينطق به الصدر؟…
انه القادم الجديد الى الخضراء، الذي سيسلمه معصوم كتاب التكليف ليكون رئيس الوزراء القادم..
انه عون حسين الخشلوك ايها السادة، الذي سيرشحه الصدر علانية وامام الاشهاد ليحرج كل الكتل السياسية ، معتمدا على شيعيته وشعبيته التي حضي بها من خلال قناة البغدادية وعلاقته الجيدة بالمرجعية ودعمه للمتظاهرين وباعتباره رئيس التيار الشعبي الوطني الحر الذي اسسته البغدادية على الهواء واصبح اسما نسمعه كل يوم مع افتتاحية البرنامج بهدف ترسيخه في ذاكرة الناس، ثم والاهم انه شخصية لايختلف عليه السنة قبل الشيعة..
والايام القادمة ستفصح عن صحة هذا النبأ من عدمه ولكن في كل الاحوال، ان كان هناك من يمتعض من كتابتي لهذا السيناريو ، اقول له ، ان مجيء أي شخص من خارج جوقة العمالة والسفالة والفساد هو خير من بقاء الحال كما هو عليه.. ومع ان دوام الحال من المحال الا ان الزمن قد يطول بنا، ولم يعد بامكاننا ان نخسر المزيد..