يواصل تنظيم الدولة الاسلامية هجماته على المدن والبلدات العراقية والسورية بالتزامن مع تكثيف الغارات الجوية لطيران التحالف الدولي ضد معاقله فبعد أسابيع من بدء العمليات العسكرية الغربية لايزال التنظيم يمسك بقوة على الأرض ويوسع من خريطة دولته بضمه أجزاء واسعة من محافظة الأنبار العراقية مستغلا” الضجة الاعلامية الحاصلة حول مدينة كوباني السورية والتي تخوض صمودا” اسطوريا” على غرار ناحية أمرلي العراقية لكن حظوظها في الافلات من قبضة داعش تتضائل يوما” بعد يوم .
ان عدم فعالية الضربات الجوية الغربية وعدم قدرة التحالف الدولي على ايقاف الزحف الداعشي لحد الأن تطرح عدة علامات استفهام خصوصا” بعد سلسلة من التصريحات الامريكية المريبة التي توقعت مدة زمنية تفاوتت بين عام واحد الى 30 عام للقضاء على داعش !!! و بأن تنظيم الدولة سيواصل تمدده في الأراضي العراقية والسورية خلال المرحلة المقبلة وهي تصريحات استبقها الرئيس أوباما بالقول (ان الاستخبارات الامريكية قد أخطأت في تقدير قوة تنظيم الدولة الاسلامية)!!! فهل كانت الولايات المتحدة عاجزة فعلا” عن اجراء تقييم حقيقي لقدرات التنظيم؟ ولماذا غضت النظر عن الدعم الذي تلقاه التنظيم من حلفائها الاقليميين طوال الفترة الماضية؟
رغم اني لست من محبذي نظرية المؤامرة الا انه لاشيء عفوي تشهده هذه المنطقة المضطربة فهناك مخطط كامل يتم تجهيزه لها تحت لافتة الحرب على داعش وهو مابات يدركه الجميع . ان نقطة انطلاق تنفيذ هذا المخطط ستكون من خلال ايجاد الألية مناسبة للقضاء على التنظيم المتطرف فهناك قاعدة عامة في العلوم العسكرية تقول بأنه لايمكن حسم معركة بالقصف الجوي فقط وهو ما لمح له الامريكيين مسبقا” ولسوء الحظ فان اشكالية تفتت الجيش السوري الحر وضعف امكانيات الجيش العراقي والحشد الشعبي وقوات البيشمركة
والصحوات ناهيك عن طول المدة الزمنية التي تتطلبها عملية اعادة تأهيل هذه القوات ستصب في مصلحة تنظيم الدولة لعدم وجود قوة فاعلة على الأرض تملأ الفراغ ممايفتح الباب للتدخل العسكري الامريكي البري لانقاذ الموقف وحتى لاتكون هذه الحرب عبثية.
ان معركة كوباني قد كشفت النقاب عن الاجندات والمشاريع المتصارعة في المنطقة مستغلة حالة التصدع الداخلي الاجتماعي والانهيار الامني والضعف السياسي في كلا” من العراق وسوريا . ففي الفترة السابقة كان الحديث عن المشروع الايراني والهلال الشيعي يتصدر العناوين الاخبارية والصالونات السياسية وهو مشروع لايستطيع أحد انكار وجوده، لكن هل كانت ايران هي العابث الوحيد في أمن المنطقة ؟ الجواب قطعا” لا، اليوم بدأ المشروع التركي الساعي لاستعادة الهيمنة العثمانية على دول المنطقة يطل برأسه علينا ولعل الأحداث المتتالية في كوباني دلت بشكل قاطع على حجم التورط التركي في دعم تنظيم داعش وهو ماترجمه تخاذل أنقرة عن حماية المدينة أو حتى تلبية مطلب الأمم المتحدة بالسماح لأكراد تركيا بعبور الحدود للدفاع عنها ومازاد الطين بله شروط الرئيس التركي على الغرب للمشاركة في التحالف الدولي ضد داعش تلك الشروط التي عبرت بوضوح عن الرغبة العارمة باسقاط نظام دمشق عبر اقامة منطقة عازلة على الشريط الحدودي وفرض حظر للطيران فيها وتدريب المعارضين المعتدلين وهي شروط تعكس رغبة أردوغان بالقضاء على ادارة الحكم الذاتي الكردي في سوريا وحرمانها من التواصل الجغرافي والسياسي مع اقليم كردستان العراق ناهيك عن اخراج سوريا من الفلك الايراني باسقاط الاسد وعودتها للاحضان التركية بتنصيب نظام سياسي جديد يهيمن عليه الاخوان المسلمين. ان مصير سوريا تحدده اليوم ما اذا كانت الشروط التركية ستلقى أذان صاغية في واشنطن وهو أمرا” لم يحصل لغاية اليوم فاذا كان للترك أهداف فللغرب أيضا” استراتيجية قائمة قبل كل شيء على حماية المصالح الغربية وضمان أمن اسرائيل المستفيد الأكبر من الفوضى الخلاقة التي تعم المنطقة.
في العراق لاتزال حكومة العبادي تشق طريقها بصعوبة وسط تحديات هائلة تقع على عاتقها ولعل أولها اصلاح المؤسسة العسكرية التي ينخرها الفساد وتسودها المحسوبية وتهيمن عليها الميليشيات والذي بدأت أولى خطواتها بحل مكتب القائد العام للقوات المسلحة ولعل صعوبة هذا الأمر تتمثل في ان لا جيش في العالم يخضع للهيكلة واعادة تقييم وتأهيل في ذات الوقت الذي يقاتل فيه عدو شرس يقف على أبواب العاصمة وهذا هو التحدي الأعظم خاصة مع عدم وجود تأثير قوي لضربات التحالف الدولي في ظل التكتيكات التي يتبعها أفراد التنظيم وغالبيتهم من الضباط السابقين الذين خبروا جيدا” القتال دون غطاء جوي نتيجة حروب العراق السابقة مع الولايات المتحدة .
ختاما” نقول قبل مائة عام تقريبا” هزمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وتفككت أوصالها وتم قبل ذلك توقيع اتفاقية سايكس بيكو التي رسمت جغرافية هذا البقعة من العالم كماهي عليه اليوم ويبدو ان من سخرية القدر أن يكون العراق وسوريا مجددا” مفتاح التقسيم وبوابة رسم الخرائط الجديدة للمنطقة، فاسقاط
الاسد (لن يكون سهلا” بدون موافقة طهران) أو حصره في الساحل (السيناريو الأرجح) سيكون بداية لتقسيم سوريا كما كان اسقاط النظام السابق عام 2003 في العراق البداية لتقسيمه من خلال خطة محكمة تم اقصاء السنة عن الحكم بموجبها و تسليمه للشيعة للمرة الأولى من ناحية والسماح بدخول الجهاديين الأجانب وتفاعلهم مع المجتمعات السنية المحلية الناقمة على الوضع الجديد من ناحية أخرى لتغرق البلاد في أتون حرب طائفية لازالت ليومنا هذا .
في القريب العاجل ستجد الحكومة العراقية نفسها مخيرة بين خيارين أحلاهما مر وهو اما طلب التدخل البري والذي بدأت بوادره بطلب مجلس محافظة الانبار تدخل القوات الامريكية لانقاذ المحافظة والتي باتت 80% من أراضيها تحت سيطرة داعش أو سقوط المدن والبلدات الواحدة تلو الأخرى بيد التنظيم في الطريق الى بغداد التي لن تقف ايران مكتوفة الأيدي بشأن حمايتها من السقوط وفي كلتا الحالتين ستتضاعف أرباح شركات السلاح الامريكية وبكل تأكيد سيتم اللجوء الى الخيار الأول حينها على قاعدة (ألف امريكي ولا داعشي واحد) وهو مايعني البدء بتفيذ مشروع بايدن حرفيا” بعد أن تكون داعش قد أصبحت في خبر كان وأدت المهمة المطلوبة منها ، بانتظارنا أيام صعبة.