يُمارس الإنسان على إختلاف جنسه ومستوياته القيادة يومياً، ولكن تحت مسميات أُخرى، المسؤول أو المدير قائد لموظفيه، والشخص قائد لسيارته، ورب الإسرة قائد لعائلته وهكذا، ولكن أغلب تلك المسميات، تتلاشى وبعين العرب خاصة، فيجيرون مسمى القيادة للسياسيين، والحكام والرؤساء فقط.
يرى البعض إن القائد ولادة وليس صناعة، وذهب بعظهم للتمسك بهذا الرأي، إعتماداً الى قاعدة ” وارين بينس” والتي تقول: (لا تستطيع تُعلم القيادة؛ القيادة شخصية وحكمة، وهما شيئان لا يمكنك تعلمهما)، ويرى الأغلبية، بأن هذه الكلام لا صحة له على منظور الواقع والتطبيق، وإذا ما طبق سيكون بلاء المجتمعات والشعوب، ويستندون الى قاعدة العالم الشهير “بيتر دراكر” والتي تقول: (القيادة يجب أن تتعلمها، وباستطاعتك أن تتعلمها)، وأكد ذلك “وارن بالك” بقوله ( لم يولد أيُّ إنسان كقائد..! القيادة ليست مبرمجة في الجينات الوراثية، ولا يوجد إنسان مركب داخليًّا كقائد).
ويؤكد أحد الشعراء تلك القاعدتين بقوله:-
وخير الصناعات صنع الرجال —– فهم أسس نهضتنا والعماد
على الدين والعلم تبنى النفوس — وبالجد صرح المعالي يشاد
ولفك النزاع ما بين الفريقين، نذهب الى قول الرسول “محمد”، عن القيادة والقائد في حديثه إذ يقول : (إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتق الشر يوقه)، فهنا يتكلم الرسول عن صفات القائد الواجب توفرها والتي لا ينالها إلا بالتعلم.من بعد هذه المقدمة المحاكاة التي أشار إليها الكاتب “صالح جبران محمد”، والتي تؤكد بأن القائد صناعة المجتمع والأزمة والأحداث والبيئة، ولا توجد دلائل وراثية، تشير الى الشخص بأنه قائد أو يتمتع بصفات القيادة.
نصل الى عدة حقائق يمكننا أن نطبقها، على من يتواجد بالساحة العراقية ، ليتبين لنا القائد المنصف لرعيته بصفاته الحقيقة الواسعة النطاق، من الزعيم أو الكبير الذي يندرج حتى على رأس العصابة أو الميليشيا أو الأرهاب..! فنجد إن القائد المميز هو من يزرع الثقة والاطمئنان، في نفوس رعيته، ليصنع منهم قادة للأجيال، ونجده أيضا هو من يقود المجتمع ولا يقوده المجتمع، ونجده هو من يصنع القادة ولا يكتفي بقيادة الجماهير، ونجده هو من يرسم ملامح قيادته، على مستويات تفوق فضاء الإنطواء والتحزب، بل تملأ فضاء المشروع الوطني، ونجده هو من يرى بنفسه فوق مستوى اللقب والتسمية، وينأى بنفسه عن تلك المسميات.
اليوم على سبيل المثال، نجد التحالف الوطني يُتوج، وترفع له القبعات، ويُفرش له البساط الأحمر في الدول، لاستعادة وجوده وقيادته وريادته في الوسط المحلي والإقليمي والدولي بشكل عام، بعدما زرعت كل متبنيات القيادة وإسسها في رحم التحالف، خاصة وهو في رحلة دولية عربية إسلامية، يختزل للعراق صدارته ووجوده وحقوقه المسلوبه منذ سنوات، وكل هذا بفضل الدور الرئاسي المناط به، الذي زرع الثقة في جميع مكوناته وأعضاءه، وأعطاهم الثقة بأنفسهم، والإطمئنان لقيادتهم في إتخاذ القرار.
نصل نهاية المطاف، الى حقيقة تثبت بأن القيادة صناعة وليس ولادة، ولو سلطنا الضوء بصورة مباشرة الى جميع من يحمل صفة القيادة على الساحة السياسية العراقية، نجد الأغلبية عبارة عن قائد، بنوازع ونَفَسْ مشروع التيار أو الحزب أو الكتلة التي يقودها، وهذا ما يجعل القائد بتلك الصفات رهين وسجين جماهيره، لما تريد وترغب ليضمن قيادته لهم، أما قيادة التحالف لا تختزل على تيار أو مكون أو كتله، وانما ذات مشروع وطني واسع، فهو يقود المجتمع والجماهير، ولا يرضخ إلا بما ينسجم مع المشروع الوطني، وعلى هذا الأساس فقد ” الحكيم”أغلب تلك الجماهير، التي لا تتماشى مع المشروع الوطني، وترقص فرحاً للخطاب الطائفي، الذي يتقنه غالبية الزعماء والقادة، من التيارات الأُخرى.