القات.. هذا الغصن السحري الذي يستميل القلوب ويذهب بالعقول .. ويفقد الأسر توازنها الاقتصادي حتى ان الكثير من المدمنين يفضلونه على القوت الضروري.. والتخزينة بالنسبة لهم أمر في غاية الأهمية لا يستطيعون التخلي عنها ولو ليوم واحد.. وفي النهاية تقصير في الالتزامات وهروب من البيت وحدوث مشاكل وهموم والرصيد صفر.. ناهيك عن الأضرار الصحية المترتبة علي الإدمان في التخزين لفترات أطول وأضرار اقتصادية وأيضاً اجتماعية وبيئية، كل هذا وغيره سنحاول التطرق إليه من خلال هذه التناوله السريعة
طبيعة متأصلة..
تعود أسباب ادمان الغالبية العظمى من أبناء المجتمع اليمني على القات الى طبيعة مجتمعنا الذي عرف شجرة القات منذ القدم وكذلك ماساعد في زيادة نسبة المخزنين والموالعة هو التوسع في زراعته.. فقد وجد المزارع اليمني مردوداً اقتصادياً حفزه على زيادة الزراعة والتوسع في شغل المساحة الزراعية بشجرة القات ليتضاعف المردود ويحصل على نسبة أوفر من المال.. والأمر الذي وسع من دائرة المخزنين والموالعة بالاضافة إلى عادات وتقاليد مجتمعنا الموروثة ومنها المناسبات فتجد في الأعراس شرطاً أساسياً وجود القات كذلك في تبادل الزيارات في الأعياد أو أي مناسبة لابد أن يتوفر فيها القات.. وبالتالي فالطفل عندما يكبر ويعيش في مجتمع كله يتعاطى القات لابد أنه سيعمل على اللحاق بمن سبقوه في السن من الشباب وبقية أفراد المجتمع وسيبدأ من الطريق الذي بدأه الآخرون.. وحينها يصبح الجميع في دائرة واحدة دائرة «الموالعة» لكن النادر والقليل من عزفوا عن القات وهم من وجدوا الاهتمام من أسرهم والتوعية الكبيرة بأضراره الصحية والاقتصادية وأولئك قد جنبوا أنفسهم مخاطر الأضرار الناجمة عن تأثيرات القات الجسدية والنفسية وأيضاً الاقتصادية.
وعموماً يمكن القول أن القات أضراره وأخطاره كثيرة وهو آفة ينبغي تجنبها.
مشكلة كل المجتمع..
مشكلة القات لم تعد تهم أو تعني فئة معينة
أو أفراداً معينين أصبحت مشكلة يتحمل مسئوليتها المجتمع اليمني ككل وكما هو معلوم ما يسببه القات من أضرار فادحة قد تصيب مدمني القات بشكل مباشر ومن هذه الأضرار المترتبة على متناولي القات أولاً هناك أضرار صحية ونفسية وعلى سبيل المثال أنك تجد الأفراد المخزنين باستمرار يتعرضون للسهر والأرق والقلق الذي يظل كابوساً يزعجهم طوال الليل وهذه الحالة تنعكس بصورة مباشرة على حساب صحة الانسان حيث تؤثر عليه وينتج هزال في الجسم وغالباً ما يتعرضون لانهيار الأعصاب وكوارث لا تحمد عقباها.. هذا إن لم تتعرض صحتهم للدمار عن طريق أوبئة السموم والكيماويات والمبيدات السامة التي ربما تكون قد تشبعت بها أغصان وأعلاف القات لتصل إلى المولعي بحرارتها القاتلة فتؤدي إلى تليف الكبد وإصابات متكررة نتيجة تناوله القات.. أضف إلى ذلك الأضرار الاقتصادية والتي تؤثر على دخل الفرد باتجاه تنازلي حتى يصل إلى الصفر.. لأن شراء القات يعتبر هدراً لا يليق أن نقوم به.. كذلك الأضرار بالمصلحة العامة وذلك في استنزاف المياه التي تذهب في سقي شجرة القات ولأن هذه الشجرة تتطلب وفرة مياه فهي تأخذ النسبة الأكبر من المياه والتي تساهم في استنزاف مياه الشرب في بلادنا.. ونتيجة للتوسع الكبير الذي شمل المساحات الزراعية فقد أثر ذلك على وفرة المياه وخلق أزمة متكررة لمياه الشرب.
إجماع على فداحة الظاهرة…
وفي حين يؤكد الأطباء على أن للقات أضرار صحية ونفسية كثيرة ومتعددة وان الكثير من المتعاطين للقات يقعون ضحايا لأمراض وتداعيات خطيرة لم تكن في الحسبان يؤكد علماء الدين على ضرورة التوعية بخطورة هذه الشجرة الملعونة ودفع الناس دفعاً للابتعاد عنها وعدم تعاطيها بل ان البعض منهم قد يذهب إلى حد التعامل معها وكأنها نوع من المسكرات أو المحرمات الواجب تفاديها.. وما بين المواقف المعتدلة والمتشددة من هذا الأمر يبقى الاتفاق قائماً على أن القات يمثل آفة اجتماعية وظاهرة خطيرة تتهدد الصحة العامة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي ومن الطبيعي والواجب العمل على اجتثاثها وحماية الأجيال الجديدة من الوقوع في شركها بل وتشجيع المدمنين للإقلاع عن تعاطيه مع توفير البدائل المناسبة التي تضمن عدم عودة الشخص لتعاطي القات مرة أخرى وبخاصة ان هناك محاولات كثيرة من قبل البعض لوقف تعاطي القات غير ان القلة القليلة من الناس من تمكنوا من تجاوز خط الإدمان والوصول بسلامة إلى شاطئ
الأمان..
سؤال هام
والسؤال الهام الذي يطرح نفسه هنا .. ماحقيقة وجدية الجهود المبذولة اجتماعياً لتجاوز هذه الظاهرة؟ ومع ان الأفق يبدو قاتماً وملبداً بالغيوم إلا أن البعض ينظر بتفاؤل كبير إلى دور الشخصيات الثقافية والدينية ومنظمات المجتمع المدني بهذا الخصوص ويرى أن بروز جمعيات لمكافحة أضرار القات والتوعية بمخاطره يمثل مؤشراً ايجابياً نحو السير قدماً على طريق القضاء على شجرة القات وتخليص المجتمع من آثارها السلبية وأضرارها المدمرة .. بالمقابل يرى البعض الآخر ان الجهود المبذولة وعلى أكثر من صعيد لا ترتقي الى مستوى التحدي القائم.. فالمساحة التي يزرع فيها القات في توسع مستمر وعدد المتعاطين كذلك والأدهى من ذلك كله ما يلاحظ من ازدياد عدد «الموالعة» من النساء وانتشار مجالس التفرطة بشكل مخيف ينذر بفداحة المشكلة مستقبلاً وربما خروجها عن حدود السيطرة.
نحتاج إلى معجزة
بناءً على ما سبق يبدو الأمر في غاية الصعوبة بحيث يمكن القول ان تحديات التنمية جميعها يمكن وضعها في كفة وشجرة القات في كفة أخرى وذلك لارتباطها المباشر بعادات المجتمع وتقاليده وبحراكه الاقتصادي والاجتماعي وهو ما يدفع الجميع «موالعة» وغير موالعة.. جهات رسمية وشعبية إلى الاعتقاد بضرورة وجود معجزة تنزل من السماء أو تصعد من الأرض لا فرق المهم هو أن يجد المجتمع اليمني مخرجاً من هذا المأزق الذي وضع نفسه فيه أو وجد نفسه موضوعاً فيه.
أمل. .
أخيرآً يتوجب القول أن هذه الاشارة قد لا تكون أول موضوع يتناول ظاهرة تعاطي القات وأضرارها وآثارها الناجمة ولن يكون كذلك آخر موضوع فالحديث عن القات بطبيعة الحال سيستمر ما دامت هذه الشجرة الخبيثة قائمة على وجه الأرض وما دام ضحاياها في تزايد مستمر يوماً بعد يوم.. لكن الأمل يبقى قائماً بإمكانية أن يحمل القادم من الأيام اخباراً سارة عن تحركات جادة وعملية وجماعية كذلك لو قف نزيف الأسرة اليمنية والاقتصاد اليمني جراء هذا الجرح المزمن الذي لا يمكن الشفاء منه إلا بتضافر جهود كافة أبناء المجتمع وفي مقدمتهم الموالعة الأعزاء الذين هم المشكلة الحقيقية وهم حلها الحقيقي كذلك…