في عوالم السياسة الحديثة والمعقدة، لا تنحصر السلطة والنفوذ في أيدي من يشغلون المناصب الرسمية فحسب، بل تتوزع أيضًا بين فاعلين غير مرئيين ، يتحركون خلف الكواليس ، ويُعرفون اصطلاحًا بـ”قادة الظل” .
هؤلاء هم الأشخاص الذين لا يظهرون في الصفوف الأمامية لمشهد الحكم، لكنهم يمارسون تأثيرًا جوهريًا في صناعة القرار، وتشكيل السياسات، وتوجيه المسارات السياسية للدولة .

 

ويبرز دور “قائد الظل” خاصة في الأنظمة ذات الطابع الهجين أو السلطوي، حيث تتداخل الهياكل الرسمية مع مراكز قوى موازية تُعرف في بعض الأدبيات السياسية بـ”الدولة العميقة” (Deep State) أو “الحكومة الخفية” (Shadow Government) .

 

الشخصية السياسية العراقية المستقلة عزت الشابندر ومن خلال نشاطه السياسي بعد التغيير ، يلاحظ عليه لعب ذلك الدور كقائد ظل له تأثيره البالغ في رسم السياسة ( الداخلية والخارجية ) على حد سواء لكن من خلف الستار ، فالرجل بحكم علاقاته التأريخية مع معارضي النظام السابق ، ومع أصدقاء حزبه من الذين تولّوا حاكمية العراق أصبح يمتلك شبكة علاقات سياسية واسعة واحياناً شخصية مع اغلب قيادات السلطة الحاكمة خصوصاً تلك المنضوية بما تعرف بتحالف الإطار التنسيقي الشيعي في الوقت الحاضر .

 

الشابندر كفاعل سياسي مستقل لعب أدواراً متعددة وبمسارات تنوعت مابين ( الإستشارة وتقديم النصح لتقويم عمل القادة ووضعهم داخل إطار إتخاذ القرار القويم ) ، وما بين ( رجل الحوارات القادر على إقناع خصوم العملية السياسية لتجنب المخاطر من خلال ما كانوا يقومون به من نشاطات سياسية وأمنية سلبية إتجاه النظام السياسي ككل ) .

 

نشاط ( القائد الظل الشابندر ) لم يقتصر على البعد الداخلي ، بل تعدّاه لبعده الإقليمي والدولي أيضاً ، وربما لقاءاته الثلاث مع الرئيس السوري أحمد الشرع ، كان لها الدور الأبرز في تفتيت القناعة حول شخصية إختلفت حولها الأراء من تلك التي تبنتها بعض القيادات السياسية المنضوية في الاطار التنسيقي وعدد ليس بالقليل من قادة الفصائل العراقية . وسبق للشابندر لعب ذات الدور مع مسؤولي عدد من الدول الأجنبية والعربية منها ما هو معلن كما حدث في زيارته لروسيا وعدد من الدول العربية ، كالعربية السعودية ومصر والإمارات والأردن ، غير إننا نرى إن غير المعلن من تلك اللقاءات يفوق بكثير عمّا أعلن عنها .

 

ما أمتازت به شخصية الشابندر ، عدم تطيّفه وعراقيته دونما الوقوع في فخ التبعية للأجندات الدولية ، وأيضا ماله من الكياسة والهدوء في الطرح أثناء لقاءاته المتلفزة وتناوله للمواضيع الحساسة ووضع أصبعه على مكامن الحقيقة وإن كان بعض منها أدخلته بحراجة مع أصدقائه من القادة في بعض الأحيان ، فكان في كثير من تلك اللقاءات نجده حاداً لاذعاً بإنتقاداته لهم بل وفي أحيان أخرى يمارس جلد الذات وبشدة ، ومع هذا كنّا نطالع ردود فعل عدد من متابعيه عبر منصة X تأخذ طابعاً سلبياً ، على الرغم من طرحه لمواضيع تصب بصالحهم ، مع إننا كمتابعين وجدنا أغلب تلك التغريدات تتسم ببعدها العميق بتناوله الشأن ( السياسي والأمني والإقتصادي والمجتمعي مع ما رافقها من بعد إقليمي دولي ) وهذا ما يبدوا انه شكّل عجزاً في فهم قصديتها وتفكيك شفراتها عند المتلقي غير الخابر لفن السياسة منهم . وهنا تلزم الإشارة الى ما تطرح من الانتقادات ، إنّما لاتعني بالضرورة مواقفه الشخصية قدر موقفهم ونقمتهم على النظام السياسي ككل فضمن واقع قناعاتهم هو محسوب على طبقة الحكم التي فشلت بإدارتها لعدد من الملفات منها الخدمية والأمنية والسياسية .

 

قائد الظل ( الشابندر ) ليس الشخصية الوحيدة التي فضّلت لعب هكذا دور بل هناك الكثير من الشخصيات لعبت ذات الدور في هكذا نوع من القيادة سواء عربية أم دولية ، منهم على سبيل المثال ، محمد حسنين هيكل ، علي دوبا ، الجنرال سليماني ، علي الكيالي ، عبد الله الأحمر ، سعد الدين الشاذلي ، الشيخ زايد بن سلطان في بداياته ، السيد حسن نصر الله ، وغيرهم ، وتلك الشخصيات كانت قد نجحت النجاح الكبير على الرغم من إختلاف نزعاتها وإنتماءاتها وصيرورة تجربتها السياسية تبعاً لنوعية الحكم والمكانة القريبة من رجالات السلطة ، ولهذا وجدنا عدد منهم يرفض القيادة المعلنة ، والسيد الشابندر يبدو أنه لازال يعمل وفق النهج ذاته ، لهذا وجدناه رافضاً الترشح لمنصب رئاسة الوزراء ، ففي ديسمبر 2019، نشر تغريدة على حسابه عبر منصة X ، حيث نفى فيها ترشحه لرئاسة الوزراء، قائلاً: “إني لستُّ مرشَّحاً ولا بمُرَشِّحٍ و لن ارشِّح و لا تشرفني زعامة القرود ممن كتب هذه اللافتة او علّقها او امرهم بها من مافيات الصراع على السلطة و الفساد و القتل ” .

 

وإذن فقائد الظل يرى قيادته من خلف ستار الإطار هي أفضل مما لو تسنمها علانية ،وهذا ما لانجده عند اغلب الشخصيات التي تستقتل لتحظى على هكذا منصب رفيع في ادارة الدولة ، غير ما يبدو انه لايحبذها الآن وان عرضت عليه مرةً أخرى ، خصوصاً وما تمرّ به المنطقة والعراق من ظرف حسّاس بالغ الخطورة ، واذن من لم يقبل القيادة المعلنة في أوقات الإستقرار والرفاهية حتماً يرفضها بأوقات الشدة وطبول الحرب تقرع ، وهنا فقيادته الظل سيكون لها المساحة الأكبر لرسم الخطط وتقديم الرؤى التي غالباً ما نجح في رسمها ومنه سيؤكد مكانته من خلال إدارة دفة سفينة العملية السياسية لا من قمرة القيادة لكنّما هو دائماً وأبداً يجلس خلف مقود القائد المُعلَنْ ليوجّه بوصلته الوجهة الصحيحة وفيما غَفُلَ عنها وهي تُبحر بوجه العاصفة في بحر متلاطم الأمواج .

أحدث المقالات

أحدث المقالات