عالم في تخصصه.. شعاره : العراق أولاَ .. تفكير اقتصادي إستراتيجي .. أنجز أكثر من 60 مشروعا استراتيجيا عملاقا (أروائياً وصناعياً وعمرانياً وهندسياً).. إضافة إلى انجازات عديدة أخرى (اقتصادية ومالية).. ساهم في تأسيس أول مديرية للتجهيزات الهندسية.. والتي شكلت نواة وزارة الصناعة.. كان همه الوحيد تقليل الفجوة بين العراق والدول الأوربية المتقدمة.. فشكل بحق علامة مميزة في الاقتصاد والأعمار والبناء في تاريخ العراق المعاصر.. فقد بلغ من توقد الذهن والتفاني في العمل أن ارتبطت باسمه اغلب مشاريع الأعمار العملاقة والبني التحتية للاقتصاد العراقي من خلال تسنمه وزارات (الاقتصاد والمالية والإشغال والمواصلات).. في الفترة 1947 ـ 1958.. ويشار إليه عند ذكر السدود الإروائية العملاقة في العراق ..
نبذة عن حياته :
ولد ضياء جعفر في بغداد العام 1900 كان والده احد تجار بغداد المعروفين.. أما والدته فهي كريمة الحاج عبد الهادي الاستربادي عضو مجلس الأعيان في مدينة الكاظمية.. أكمل دراسته في بغداد.. ثم درس اللغة الانكليزية في الجامعة الأمريكية بيروت.. ليلتحق في الجامعة في بريطانيا ليكون أول عراقي يحصل على شهادة الهندسة الميكانيكية ..
عاد إلى بغداد وتدرج في عدة وظائف هندسية.. وكان متفوقاً على أقرانه من حيث الجد والإخلاص في العمل والمبادرة والتطوير.. لذا أرسل في بعثة للتدريب على أعمال الصيانة وتصليح مكائن القطارات.. وبعد عودته أسس مع زملائه المهندسين مدرسة الصنائع الهندسية.. تخرج كوادر وسطى في الأعمال الفنية والهندسية.. وهي أول مدرسة صناعية في العراق.. وفي العام 1943 أسس ضياء جعفر مديرية التجهيزات الهندسية.. حيث ساهمت هذه المديرية بوضع إحصاء للمكننة الزراعية والصناعية في العراق.. باستيراد المكائن في هذه الحقول كخطوة جادة في مكننة الزراعة والمهن الحرفية والصناعية في البلاد.. ثم نجح ضياء بعد ذلك في إنشاء معمل الغزل والنسيج الصوفي.. وإنشاء معمل عصري لإنتاج الطابوق بمواصفات فنية قياسية..
ضياء جعفر الوزير :
في 29 آذار العام 1947 شكل صالح جبر وزاراته.. واستؤزر ضياء جعفر وزيرا للمواصلات والأشغال.. كانت هذه الوزارة بدائية وتضم مديريات مهمة.. لكنها من دون إنتاج مثل الأشغال العامة والري والمساحة والبريد والبرق والسكك الحديدية والملاحة والطيران المدني..
فأخذ ضياء على عاتقه هيكلة هذه المديريات الفنية.. وإعادة تنظيمها وتطويرها وتحويلها إلى دوائر منتجة حيث استطاع رفدها بالكوادر الاختصاصية العراقية من خلال البعثات والدورات العلمية خارج العراق.. وتطهيرها من الموظفين الأجانب ونجح في إرساء القواعد الأساسية
لعمل اغلب الوزارات الفنية التي تفرعت فيما بعد عن تلك الوزارة.. بعد استقالة وزارة صالح جبر عاد ضياء الى عضواَ في مجلس الأعيان ..
استوزر ثانية في وزارة نوري السعيد العاشرة.. التي شكلها في 6 كانون الثاني العام 1949 وزيراً للاقتصاد.. كانت رؤية ضياء لمستقبل الاقتصاد العراقي من خلال توفير وتعظيم موارد العراق.. ليتمكن من تنفيذ مشاريع البنى التحتية.. وفعلاً بدأ في مفاوضات جدية مع شركات النفط الأجنبية في زيادة عائدات العراق فيما بعد.. وسبق لهذا الرجل بمساعدة زملائه المهندسين تأسيس جمعية المهندسين العراقيين.. كما اعد الدراسات لخمسة مشاريع عملاقة في العراق.. هي :
1- سد بخمة للسيطرة على مياه الزاب الأعلى وتوليد الطاقة الكهربائية ..
2- خزان بيلابور خان للسيطرة على الفيضانات في المناطق المجاورة لبعقوبة..
3- سد دوكان لتأمين المياه لقنوات الحويجة وسامراء ..
4ـ إحياء قناة العظيم .. وسد الفتحة ؟؟ ..
5- مشروع وادي الثرثار.. وكان له الأولوية ..
وفي مشروع سد دوكان الذي لم تستطع الشركة الفرنسية انجازه بسبب إفلاسها.. اقترح ضياء جعفر إكماله بالآلات والمعدات والمهندسين الفرنسيين الموجودين بأسرع ما يمكن.. وعليه تم توفير الزمن والكلفة بدلا من إعلان المشروع ثانية.. والتعاقد مع شركة أخرى بعد بيع مكائن وآلات ومواد شركات أخرى.. وبيع مواد ومكائن الشركة الفرنسية المفلسة.. وكان لهذا القرار أثره الايجابي على طه الهاشمي انعكس ايجابياً على التعاون مع ضياء جعفر ..
ـ استمر ضياء جعفر في جهوده لانجاز هذه المشاريع الإروائية الخمسة حتى قيام ثورة 14 تموز 1958 ..
القائد التكنوقراط :
يحدد إستادنا الدكتور عماد عبد السلام رؤوف أنموذج القائد التكنوقراط.. حيث يقول : ضياء جعفر هو واحد من الرجال الذين عملوا بجد وإخلاص وصمت من اجل مستقبل وطنهم.. وهو وان تولى عدة مناصب وزارية مهمة وكان قريبا من موقع القرار السياسي لأكثر من عقد كامل من السنيين.. إلا إن أهميته لا تكمن في هذا كله فكثيرون تولوا مناصب كهذه وكانت لهم مواقعهم المؤثرة في الحياة السياسية.. وإنما تتمثل في قدرته الفائقة في بناء المؤسسات وتشريع القوانين والأنظمة اللازمة لها وفي اختيار المشاريع الضرورية لبناء العراق وتطوره الاقتصادي والاجتماعي.. وفي تنفيذها أيضا..
فالسياسة عند ضياء جعفر لم تكن عنده غاية تقصد وإنما وسيلة لتنفيذ ركائز اقتصاد وطني مزدهر ومزيد من المشاريع النافعة.. والسلطة لم تكن في نظره لعبة حكم وتولي مفرداتها.. والتملق لهذا المسؤول والتقرب الى ذلك الحزب أو الركوب على تلك الموجة.. إنما عمل فني
دائب مفرداته إصدار هذا القانون.. وإعداد تلك الدراسة.. وتنفيذ ذلك السد وبناء هذا المصنع وتعبيد تلك الطرق وتطوير ذلك المرفق ..
ويضيف الدكتور عماد عبد السلام قائلاً : لقد كان ضياء جعفر في الحقيقة أنموذجاً مبكراً في العراق لفئة من القادة الفنيين الذين جرى العرف على تسميتهم التكنوقراط الذي سيكون لهم شأن فيما بعد في تطور الحياة.. على الرغم من تعدد الأنظمة السياسية المتتالية وتقاطع وجهات نظرها ومصالحها أيضا.. وكشأن هذه الفئة لم يفكر ضياء جعفر في تغيير النظام أو معارضته.. وإنما في مقدار ما يمكن أن يحققه من مشاريع.. ولو كانت هذه المشاريع ذاتية خاصة به.. لأمكن لنا أن نصفه من الذين يتوخون تحقيق مصالحهم بغض النظر عن الوسائل المتاحة لهم ..
لكن مشاريع ضياء جعفر كانت ذات نفع عام تتجاوز فئته وطبقته بل وجيله كله إلى مصالح وطنه وشعبه ولأجيال مقبلة.. فالعمل على مكننة الريف وتأميم الكهرباء.. وتعريق دوائر الدولة.. وتحسين أداء السكك الحديدية ومد الطرق.. والارتقاء بالطيران المدني.. واستعمال بدالات الهواتف الإلية.. وتشريع القوانين المالية.. مثل قانون الخدمة الموحد وقانون توزيع الأراضي على ذوي الدخل المحدود وقانون المصرف الزراعي لتسليف المزارعين وقانون انحصار التبغ وقوانين أخرى عديدة.. فضلاً عن التخطيط لمشاريع الأعمار الكبيرة من خلال عضويته في مجلس الأعمار من سدود ونواظم وشبكات بزل ومحطات توليد ومبان عامة.. وتنفيذها من خلال توليه وزارة الأعمار.. كل ذلك كان يتجاوز أي نطاق ضيق قد ينتمي إليه.. الى مصلحة الوطن..كما يزيد على عمر وزارة يشغلها أو منصب يتولاه.. ومن ثم كان ثبات السلطة عنده المجال الوحيد للقيام بكل تلك الأعمال ..
إن دراسته وثقافته وأفكاره جعلته يميل إلى التحديث الاجتماعي آخذاً بالنموذج الغربي.. فكان وعدداً من الفنيين من خريجي الجامعات الغربية من أمثاله يعبرون عما سمي في حينه الدماء الجديدة التي أريد أن تجري في عروق البلاد.. وهي تدلف إلى مرحلة جديدة من تاريخها!! نشاطات عديدة ومتنوعة لم تتوقف جهود الوزير ضياء جعفر عند حدود تجديد وتنظيم وزارة المواصلات والأشغال.. فقد شهدت في مدة توليه تلك الوزارة نشاطات متنوعة منها صيانة ميناء البصرة.. بزيادة عدد أرصفته وزيادة عمقه..وجرف وكري ميناء الفاو وزيادة عمقه.. أما في مجال السكك الحديدية فقد أقيمت في عهده محطات سكك بعقوبة والديوانية والناصرية وإنشاء محطة غربي بغداد.. وتوسيع الخطوط الجوية العراقية وشراء ثلاث طائرات جديدة.. كما دشن جسر المسيب.. وتم إنشاء بدالة هواتف في بغداد.. ومحطة البث اللاسلكي.. في أبو غريب.. وبدالات هواتف البصرة وكركوك والناصرية..
نشاطاته المالية :
في وزارة نوري السعيد العاشرة اختير ضياء جعفر وزيرا للمالية.. كذلك شغل نفس المنصب في وزارة السعيد الثانية عشر التي شكلت في 3 آب 1954حتة كانون الأول 1955 فحقق خلال إشغاله هذه الوزارة انجازات مالية عديدة.. أبرزها :
ـ كان له الفضل في المفاوضات المتعلقة بمستقبل العراق .. فحصل على الموافقة بيع خمسة ملايين باون ذهب إلى العراق بسعر 35 دولارا للأونصة الواحدة.. كتعويض عن خسارة العراق بعد تخفيض سعر الإسترليني.. حيث كان العراق حتى قيام ثورة 14 تموز 1958 عضواً في منطقة الإسترليني ..
ـ إيقاف إعفاء الواردات الخاصة بالمقاولين البريطانيين ..
ـ تخفيض الرسوم المفروضة على السلع الانكليزية.. وعلى التمور المصدرة إلى بريطانيا..
ـ انشأ المصرف الزراعي..
ـ كما حفلت فترة توليه وزارة المالية بعشرات التشريعات المالية المهمة ..
ومن المشاريع التي تم افتتاحها :
مشروع الثرثار .. ومشروع الحبانية .. وسدة الرمادي .. ومخرج الذبان .. وجدول المجرة .. وجسر الكوفة .. وجسر طويريج .. ومصفى القير ..ودور العمال في منطقة الطوبجي ببغداد ..
ـ وبدأ العمل :: بمشاريع أهمها : مشروع المسيب الكبير .. وسد دربندخان .. وإنشاء جسور في الكوت.. والدورة.. والفلوجة.. والقرنة.. والعباسيات ..وجسر الأئمة في الاعظمية .. وجسر الملكة عالية (جسر الجمهورية الحالي).. وجسر الخازر في الموصل .. ومعمل سرجنار للاسمنت .. ومعمل السكر في ذات المدينة..
ـ أعداد الدراسات لإنشاء :
ـ معامل للورق والحديد والسكر السائل من التمور..
ـ إنشاء ثلاث محطات كهربائية كبرى.. الأولى في منطقة عين تمر في شمال العراق.. والثانية في المنطقة الوسطى.. والثالثة في جنوب البلاد..
ـ بناء فندق سياحي من الدرجة الأولى.. على الموقع الذي أنشئ عليه فيما بعد (فندق ميليا المنصور)..
ـ وضع الحجر الأساس لمشروع الإسكان في منطقة الوشاش ببغداد..الذي يتضمن (1250) دارا ..
ـ إنشاء طريق بغداد – المحمودية.. وطريق الحلة – المحاويل.. وطريق بغداد – الفلوجة.. وطريق طاسلوجة – دوكان.. والعديد من الطرق الخارجية الأخرى..
ـ ومشاريع أروائية فرعية.. ودور للعمال في الطوبجي ببغداد.. ومصفى للقير، حيث كان العراق قبل ذلك يستورد القير من الخارج..ومعمل للغزل والنسيج..
ـ الإعداد لإنشاء أوبرا في بغداد .. وعشرات المشاريع العمرانية الأخرى..
نهاية المطاف :
قضى ضياء جعفر صيف العام 1958 في لندن لغرض العلاج.. فضل جعفر البقاء في لندن.. وفي العام 1962عاد إلى العراق ليؤسس مكتباً معمارياً في بغداد.. وفي العام 1969 سافر إلى بيروت قبل أن ينتقل إلى إمارة الشارقة.. ثم إلى لندن مجدداً.. ليوافيه الأجل العام 1992 إثناء إجرائه عملية جراحية.. رحمة الله هذا العالم الرجل الذي ساهم مع المخلصين الآخرين في بناء شخوص العراق العمرانية والإروائية والصناعية.. التي ما زالت حتى اليوم تشكل البني والمشاريع الإستراتيجية للعراق ..