18 ديسمبر، 2024 6:48 م

الف باء الاشتراكية المصرية (5)

الف باء الاشتراكية المصرية (5)

ونبدأ معا في مطالعة بعض – وليس كل – ما أورده نقولا حداد في كتابه “الاشتراكية” الذي امتلأ رغم ايجازه بمعلومات فاضحة للنظام الرأسمالي ولأساليبه الاستغلالية. والباب الأول عنوانه “في إجحاف النظام الافرادي” ثم الفصل الاول تحت عنوان “في التباين العظيم بين الغنى والفقر” ونقرأ “وأول ما يلوح في بال المفكر بالاحوال الاجتماعية الحاضرة هو البون الواسع بين الغنى والفقر. وهو فرق مثير للدهشة لأهل الزمان الحاضر حتى  اغنيائه لأنه لم يكن له نظير في الاجيال الماضية، فبينما ترى جمهورا عظيما من الناس يتضورون جوعا وهم لا يستعطون الرزق فقط بل يستعطون في أحيان كثيرة وسيلة الحصول على الرزق فإننا في الناحية الأخرى افرادا يحتارون في كيفية يبعثرون أموالهم وفي أية ملذة ينقضونها، وبينما ترى جموعا عظيمة من العمال يكدحون طوال يومهم وحتى آناء ليلهم كي يحصلوا علي ما يسد رمقهم، ترى عديدا من الناس يتقلبون على مهاد النعيم بين المتنزهات والحانات والملاهي ولا عمل لهم سوى جباية ريع ثرواتهم الوفيرة. وبينما نجد عديدا من أذكياء الناس منهمكين في تحصيل رزق شحيح ترى في الطرق الأخرى بلهاء وصعاليك يبعثرون اموالهم بلا حساب. وبينما ترى اناساً كُرام الاخلاق وذوي قلوب رقيقه وعواطف قويمة يعانون المشقة في كسب القوت ترى اشرارا يعيثون في الارض فسادا ويخربون العمران ويدمرون الآداب والفضائل وهم يعيشون في بحبوحة من العيش وتتدفق الاموال بين ايديهم تدفق النبع في الربيع.. ثم يستدعينا نقولا الحداد بعد ذلك إلى امثلة من البون الشاسع بين الغنى والفقر (ص7) ومن هذه الامثلة ما ورد في احصاء م. الوك المشهور. أن 350 ألف عائلة انكليزية تضم 750 الف فرد تكسب العائلة منها 30 جنيها في السنة في حين أن من بين الانكليز كثيرين بكسب الفرد الواحد منهم هذا المبلغ في يوم واحد أو يكسبه في ساعة واحدة” ثم يأتي إلى مصر فيقول “ولماذا نذهب بعيدا فإن مصر تجد فيها نحو تسعة اعشار السكان لا يزيد كسب ربّ العائلة الواحدة في العام على ما يكسبه شخص واحد في اليوم.
ثم يأتي نقولا بأمثلة من أمريكا  فينقل عن كتاب “رأس المال والعمل” لادجار توري رسل انه عندما عقد مديرو شركة الحديد الامريكية اجتماعا كان نصف 1 على 12 من ثروة أمريكا حاضرا في الاجتماع. وأن روكفلر كان يكسب في العام من شركة ستاندرد اويل وحدها عشرة ملايين ريالا في العام وأن معدل كسبه من هذه الشركة وحدها 27.838 ريالا في اليوم وفي الساعة 1160 ريالا. وفي الدقيقة 19 ريالا. وقد ذكر رامزي ماكدونالد زعيم الاشتراكيين الاعضاء في مجلس العموم في كتابه “حركة الاشتراكيين” أن ثماني عائلات في أمريكا تمتلكن سبعة أثمان اجمالي ثروات امريكا. ومثل هذه الامثلة كثير في بلاد اوروبا إذ اصبح رأس المال قوة عظمي ولا يمكن تصور ما بحوزة اغنيائهم من ثروات. وقد ذكر ادجار توري راسل أن سيدة ثرية حضرت من اوروبا بعد أن تسوقفت ملابس حديثة الموديلات في سنة 1910 وأن مفتشي الجمارك تجمعوا طوال خمس ساعات وهم يفحصون الخمسة وأربعين صندوقا الممتلئة بهذه الملابس. وفي ذات العام نشر أحد الاثرياء اعلانا يقول فيه أنه غير مسؤول امام التجار عن نفقات زوجته إذ بلغ ثمن الملابس وحدها 15 ألف ريال (ص9).
ثم يسأل نقولا.. من أين تأتي هذه الثروة؟ ويجيب نعلم أنه لا يمكن أن يستخرج من الرزق ما يساوي جنيها إلا إذا بذل الإنسان قوة عمل في استخراجه تساوي في عرف الاقتصاديين جنيها. وبناءً على ذلك فإننا نجد انه إذاك ان هناك مَن يمتلك مليون جنيه فإن ذلك يعني انه لم يحصل على هذا المليون إلا لأن عمالا بذلوا من قوة العمل ما يساويه. وإذا افترضنا أن اجر العامل ريال في اليوم فإن صاحب المليون يجب أن يكون قد عمل خمسة ملايين يوم ليحصل عليه. فما قولك بمن يمتلك عديدا من الملايين وما قولك بروكفلر وكم مئة عام يتعين أن يشتغلها ليحصل علي ثروته. (ص11) ثم يقارن ذلك برؤساء دول العالم العفية. ويقول “رئيس الجمهورية الفرنسية يتقاضي 24 ألف جنيه في العام فيجب أن يبقي رئيسا للجمهورية ولا ينفق مليما واحدا من مرتبه لمدة تزيد على 41 عاما.
وكذلك الرئيس ولسون يلزمه أن يعمل رئيسا لأمريكا لمدة تزيد على خمسين عاما ليحصل على هذا المبلغ وبناء على ذلك فإن روكفلر الذي تبلغ ثروته 200 مليون جنيه يحتاج لمن يعيش ويعمل رئيسا لجمهورية أمريكا ودون أن ينفق مليما واحا إلى مدة تصل إلى عشرة آلاف عام.
ويسأل نقولا الحداد من أين اذن تأتي هذه الثروات؟ وبعد شرح طويل حول الصراع بين قوة العمل وتمكل رأس المال يقول نقولا “لما كانت الثروة هي حاصل عمل جسدي وعقلي فأننا نكتشف الذي تعب في توليدها، ونفهم أن العمال والمفكرين هم الذين حققوها وأنها ما وصلت إلى ايدي المستثمرين إلا لأنها اغتصبت من ايدي منتجيها. فغنى هؤلاء الاثرياء يأتي من افقار منتجي الثروة ولولا هذا ما كان ذاك (ص28). ثم يصيح نقولا حداد “الاشتراكي يقول للعمال “أن الاعمال التي لا يمكن أن يقوم بها عامل    واحد بنفسه، ولا لانجازها من اشراك جمهور من العاملين فإنها يجب أن تبنى على حساب الجمهور وتكون ملكا للجمهور وريعها للجمهور.
ويسأل “لماذا لا تكون حكومة الامة صاحبه رأس المال، وافراد الأمة كلهم يعملون عمالا عندها حتى تتجمع الارباح في جيوب افراد بذاتهم وإنما تتجمع لحساب الأمة كلها. (ص36) ويمضي نقولا ليشرح مزايا ملكية الدولة لوسائل الانتاج ويقول “وهنا يرى القارئ أن كل ما يردده اعداء الاشتراكية ليس إلا سخافة تحاول اطفاء نور الحقيقة الاشتراكية (ص46) واختتم مطالعتنا لقليل مما جاء في كتاب “الاشتراكية بعبارة حاسمة قذف بها قولا حداد في وجوهنا جميعا” تقول العقيدة الاشتراكية إذا كان الناس متعاونين رغم أنوفهم في انتاج الثروة أو بالدقة في استخراج الارزاق فلماذا لا يشتركون في التمتع بها على قاعدة العدل والانصاف كل على قدر ما يستحق أي على قدر ما يعمل؟
هذا هو السؤال.. سأله نقولا.. دون أن يتوقف عند نهاية صفحات هذا الكتاب، بل واصل الكتابة.
ونتواصل معه.
نقلا عن المدى