12 أبريل، 2024 10:25 م
Search
Close this search box.

الفيلم الملوّن .. الفيلم بالألوان قراءة في الدلالة والايقاع السينمائي

Facebook
Twitter
LinkedIn

لا تقلْ فيلماً ملوّناً وإنّما فيلماً بالألوان، ربّما تكون هذه المقولة للمخرج السينمائي الكبير وصاحب كتاب The Film Sense سيرجي ميخايلوفيتش ايزنشتاين مدخلاً جيداً للحديث عن اللون واشتغالاته في بنية العرض السينمائي ، فبعد بداية بالأبيض والاسود للسينما العالمية جاء استخدام الالوان ليعطي ابعاداً دلالية مضافة للأفلام وفي ذات الوقت ليحوّل هذين اللونين الى لون واحد استعان به صانعو السينما ومخرجوها في التذكّر او flash back ، فيما الالوان صارت اداة مضافة للتعبير تحمل معها ملامح القوّة التأثيرية في المتلقّي .
واذا كانت الاستعانة بالألوان هي نوع من الترف الجمالي في المراحل الاولى كمثل استخدام الموسيقى فإن توصيف المخرج السينمائي على إنّه فنان يستعين بالصورة احال هذه التراكيب اللونية في الافلام الى لغة صورية لا تنفصل ولا تبتعد عن اجواء الدلالة والتعبير ، حيث تقول ماري ريسك وهي منتجة سينمائية سجلت حضورها السريع من خلال اعمال فيلمية احتفت باللون السينمائي إن العديد من المخرجيين السينمائيين والمصورين استندوا على خلفياتهم كفانيين تشكيليين او بصريين في التكوين اللوني للغتهم السينمائية وحققوا نجاحاً باهراً من خلال ذلك .
وينتحل اللون دوراً هاماً في رؤى المخرجين التي تنعكس على فضاء التلقي ، فتأثيث المشهد وتعبئته باللون يبعث بدلالات واشارات تدخل في جزئيات المشهد الخارجية ، حيث نجد افلاماً عُبأت باللون الذي صار تحدياً معرفياً جديداً يجب اختياره بما يعمّق من الاشتغال الصوري والدلالي والفكري للمشهد وبالتالي ينحت في جسد الفيلم ابعاداً مضافة ، حيث يشير بيتر مارشال الى ان جميع الالوان تمثّل رمزاً على المستوى العاطفي حيث يمكنها اضافة طبقات مرئية وتعبيرية للفيلم كمثل الالوان الباردة وهي الازرق والاخضر والابيض التي تثير احساساً بالسكينة لدى المتلقي ، والالوان الدافئة مثل البرتقالي والاصفر والاحمر التي تعكس الحيوية والتمازج وعلى الرغم من اختلاف الثقافات في تناولها للمدلول اللوني إلا ان من الواضح قدرة التركيب اللوني على ان يتصاعد ليبقى الاكثر تأثيراً ورسوخاً في الذات الانسانية .
ويضيف مارشال إن اللون الاحمر يمكن ان يعبّر عن الغضب والرغبة والاثارة والقوة والحرارة والخطر والطاقة ، فيما اللون الوردي (الزهري ) يعكس الحب والبراءة والسعادة والرومانسية والمرح والانوثة ، اما الاصفر فيشير الى الحكمة والمعرفة والتفاؤل والخيانة والطمع والخداع ولا يختلف كثيراً عن البرتقالي الذي يمثّل الفكاهة والتوازن والحيوية والدفء والحماسة ، فيما الاخضر يعكس الخصوبة والنشاط والوعي الذاتي بذات القدر الذي يحمله اللون الازرق من جوانب روحية وسلام وثقة وتفرّد ، مارشال مزج ايضاً بين الارجواني والغموض وبين الرمادي والمادية وبين الاسود والعمق وبين الابيض والطهارة والخشوع .
الكاتبة والمخرجة ماري فيسك قالت في تغريدة على تويتر بأنه يجب على صانعي الافلام ان يدركوا معايير نظرية اللون لكن عليهم ان لا ينظروا اليها على انها قيود وقواعد جامدة ، فمهمة اللون هو تشييد اطار حسي من الانسجام في بنية المشهد وعليه ايضاً جذب الانتباه الى المحاور الرئيسية في الفيلم ، فاللون يملك ذلك التأثير الخفي والمرتبط بالوعي الداخلي عاطفياً ونفسياً وحتى جسدياً عندما يتعلّق الموضوع بسرد قصة صورية ، ففي فيلم الحاسة السادسة The Sixth Sense للنجم بروس ويليس يستخدم المخرج إم نايت شيامالان اللون الاحمر لتجسيد اجواء الرعب والتحفيز والترقّب فيما يستعين غاري روس من خلال فيلمه Pleasantville باللون الاحمر للإشارة الى الحب والامل .
وغالباً ما تكون الالوان الفردية او التكرارية اكثر وقعاً ودلالة في المشهد السينمائي إلا ان اللوح الفيلمي المتدرج والمتناسل الالوان يمتلك فضاءً تعبيرياً اكثر انفتاحاً على خبرات المتلقي واكثر تحفيزاً لوعيه واستنفاراً لمجسّات تذوقه الفني ، فالتدرج اللوني يؤكد العلاقات المتناغمة للألوان ، والايقاع اللوني وعلى العكس من الايقاع الصوتي ليس من الواجب ان يكون متوازناً لان الموج اللوني يكمل بعضه بعضاً ، حيث ان المخرج ويس اندرسون قد استخدم في فيلمه الحاصل على جائزة الاوسكار كأفضل موسيقى تصويريّة عام 2014 The Grand Budapest Hotel ايقاعاً لونياً احادياً اعتمد فيه على اللون الزهري الفاتح لكنه كان يميل الى التدرج به نحو اللون الارجواني في خلفيات المَشاهد وهو ما حافظ على درجة اللون وسمح بإظهار التباين المطلوب .
وفن توزيع الالوان وادارتها في المشهد السينمائي ومثل الفن التشكيلي لا يستهدف بالضرورة التكوين الخارجي للمشهد فهو يخلق ايقاعاً داخلياً يفضح من خلاله مكامن شعورية قد لا تنجح الحركة والملامح والحوار في اظهارها ، وهو بذلك يترك فسحة من التأمّل والانجذاب الوجداني من الخيط الانفعالي والشعوري ، وما يمكن تحقيقه من خلال تناغم لوني تقول عنه ماري فيسك بأنه يخلق نوعاً من الوحدة البصرية كما في فيلم اتّجار Traffic)) الحاصل على جائزة الاوسكار في العام 2001 للمخرج ستيفن سودربرغ حيث الضربات اللونية في الفيلم لاجتراح علاقة مغايرة من التكامل اللوني حين يظهر مايكل دوغلاس وسط موجة متدرجة من اللون البرتقالي وِفِّقَ فيه سودربرغ بصناعة واحد من امثلة النجاح اللوني في العرض السينمائي ، واقحام الرمزية في البناء اللوني للفيلم لا يشترط وجود مستويات متقاربة من التذوق الفني عند الجمهور ، فاللون ينسج مدلولاته بالاستناد الى قدرته على ايقاظ خبرات العين ومديات غورها في تكويناته، ففي فيلم KILL BILL: VOL.1 اعطيت البطلة لونها المميز الخاص وهو الاصفر في الوقت الذي صوَّر فيه الفيلم الكثير من الدماء .
وتتداخل عوامل عدة في تأثير اللون وقدرته التعبيرية السينمائية ، عوامل تبدأ من اختياره والمدلول القيمي له ومن ثم درجة تشبعه وتدرجه مروراً بخفوته وبريقه ، والاهم هو مدى تباينه وايقاعه والحيز الذي يشغله بين الالوان داخل المشهد ، فيما تبقى عملية تتبع المدلولات التي يلقيها امام المتلقي مقرونة ايضاً بقدرة هذا اللون على ملء الفراغ في اللقطة السينمائية ولفت النظر اليه كعكاز جديد قديم يستند اليه المخرجون لإبراز او تعميق الرؤى التعبيرية للأفلام.
* كاتب وناقد سينمائي – العراق

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب