8 أبريل، 2024 5:12 ص
Search
Close this search box.

الفيلسوف العراقي حسام محي الدين الآلوسي 1934-2013 – دراسة في السيرة والمنهج

Facebook
Twitter
LinkedIn

أولاً- في السيرة: أن تكتب عن سيرة ونتاج شخص بمستوى قامة فلسفية كبيرة مثل (حسام محي الدين  الآلوسي)، عليك أن تكون قريباً منه روحياً وزمنياً حتى تستطيع أن توفي الرجل حقه، وما كاتب هذه السطور إلا واحداً من هؤلاء الذين كانوا شديدي القرب من أستاذه وشيخه وأبيه الروحي الآلوسي، حتى يوم انتقاله إلى الرفيق الأعلى وهو على فراش الموت، إذ كانت مدة ملازمته لأستاذه ومعلمه الروحي الفيلسوف الآلوسي مدة زمنية تقرب من 35 عاماً، بقضيها وقضيضها، بمسراتها وأفراحها وأحزانها، بمنتجها المعرفي وبحضورها العلمي في الندوات والمؤتمرات ومناقشات الرسائل والأطاريح والأبحاث والترقيات العلمية، فلم تنقطع هذه الصلة معه إلا بمغادرة الآلوسي دنيانا هذه إلى ربه الغفور الرحيم.
ولأن المقال لا يتسع للتفصيلات، سأذكر شيئاً ما عن سيرته الحياتية والعلمية وبعض مؤلفاته الفلسفية، باختصار ثم أعرج على ملامح منهجه الفلسفي الذي قدمه لنا لدراسة الفلسفة ومباحثها وتاريخها وفلاسفته، والذي أطلق عليه الفيلسوف الآلوسي تسمية المنهج التكاملي.
التحق الفيلسوف حسام الآلوسي في قسم الفلسفة جامعة بغداد عام 1952 وتخرج فيه عام 1956م، وكان من زملائه في تلك الحقبة الزمنية الذين برزوا في الدرس الفلسفي العراقي المعاصر بامتياز، الفيلسوف ياسين خليل (ت1986م)،  والفيلسوف والأديب مدني صالح (ت2007م)، والدكتور ناجي عباس التكريتي، وغيرهم.
 وبعد حصول الآلوسي على شهادة البكالوريوس في الفلسفة، شدَّ الرحال بعد مدة من تخرجه (عام 1961م)، نحو المملكة المتحدة ليدرس الدكتوراه وليتخصص في الفلسفة الإسلامية، بأطروحة حملت عنوان مشكلة الخلق في الفلسفة الإسلامية وتحت إشراف المستشرق الألماني/ الانجليزي ارفن روزنثال، ولينال هذه الدرجة العلمية بامتياز عام 1966م، ولكن هذه الأطروحة ظلت حبيسة اللغة الانجليزية، على الرغم من طباعتها في بغداد بتلك اللغة عام 1968، ولم يشأ الفيلسوف الآلوسي ترجمتها بنفسه إلى العربية لأسباب عدة، كما كان يصرح بها دوماً لي، منها خوفه أن يتهم بتهم شتى من السلطات الفكرية والدينية والسياسية في زمانه، إلا أن تهيأ لها من ينقلها أخيراً إلى العربية، فكان ذلك بقلم الدكتورة باسمة جاسم خنجر، وبإشراف وتصحيح مباشر من الفيلسوف الآلوسي، إذ صدرت عن بيت الحكمة ببغداد. 
وما بين كتابة هذه الأطروحة حتى يوم وفاته في السابع من تشرين الأول (اكتوبر) من عام 2013م،، أنتج الفيلسوف الآلوسي جملة من الكتب والمؤلفات والأبحاث، ناهيك عن مشاركات عدة في المحافل الدولية والعربية والعراقية، بأبحاث فلسفية معمقة، تركت صداها الطيب والعميق في الوسطين الثقافيين العراقي والعربي، ناهيك عن الإسلامي والعالمي، فأصبح له مريدون وشراح ومتأثرون بمنهجه، حتى كتبت عنه جملة أبحاث وأطاريح جامعية في قسم الفلسفة بجامعة بغداد، وغيرها من الجامعات العراقية والعربية الأخرى.
إن كتبه وأبحاثها التي كتبها بعد عودته إلى العراق عام 1965م، وتعيينه تدريسياً في قسم الفلسفة بجامعة بغداد عام 1966، عديدة ولا يمكن لهذا المقال أن يحصيها جميعاً، ولكن سنورد عنوانات كتبه دون أبحاثه، خوف التطويل، هي:
1. كتاب حوار بين الفلاسفة والمتكلمين، والذي صدر الجزء الأول منه فقط عام 1967، ولم يعقبه بثاني، بسبب انشغال الآلوسي بمشاريع بحثية وعلمية أخرى، ولو أتم هذا المشروع لكان فيه نقلة نوعية كبيرة في المعرفة الفلسفية العربية الإسلامية في واحدة من أعوض مشكلات هذه الفلسفة، ألا وهي مشكلة الوجود. وقد صدرت لهذا الكتاب طبعات أخرى في بيروت وبغداد.
2. كتاب من الميثولوجيا إلى الفلسفة، صدرت لهذا الكتاب طبعة أولى في الكويت عام 1973، ثم صدرت لها طبعات أخرى في بيروت وبغداد.
3. كتاب الزمان في الفكر الديني والفلسفي القديم، صدرت لهذا الكتاب طبعة أولى في بيروت 1980، ثم أعيدت طبعته في بيروت مع إضافة فصل عن الزمان في فلسفة العلم. وهذا الكتب هو تطوير لبحث كتبه الفيلسوف الآلوسي عن فلسفة الزمان نشره في مجلة عالم الفكر الكويتية عندما كان معاراً في هذا الدولة للمدة من عام 1969-1978. ويعد هذا الكتاب من أدق ما كتب عن فلسفة الزمان في اللغة العربية، لما احتواه من معالجات فلسفية وكلامية ولغوية لمشكلة الزمان من القديم وحتى اليوم، فهو مصدر غني بالمعلومات عن هذه الإشكالية الفلسفية العويصة، دخلها الآلوسي متسلحاً بسلاح المنهج التكاملي النقدي فأتى عليها شارحاً وناقداً ومعقباً ومثيراً للكثير من التساؤلات المعرفية حول هذا الموضوع.
4. كتاب دراسات في الفكر الفلسفي العربي الإسلامي، صدرت لهذا الكتاب طبعة أولى في بيروت عام 1980، وتلتها طبعات أخرى في بغداد، ففي هذا الكتاب نجد مجموعة أبحاث جمعها ونسق بينها الفيلسوف الآلوسي، مع مقدمة عن المنهج الأمثل على وفق رؤيته، الذي هو المنهج التكاملي، لدراسة الفكر الفلسفي العربي الإسلامي، الذي يضم ليس فقط الفلسفة النظرية الممثلة بالفلاسفة الكندي والفارابي وابن سينا وغيرهم، بل شمل بذلك علم الكلام والتصوف، وقد حدد قواعد هذا المنهج والطريقة المثلى لتطبيقه على تاريخ هذا الفكر. فهو كتاب يعبر خير تعبير عن رؤية الآلوسي الفلسفية في المشكلات المعرفية المطروحة على الساحة الفكرية قديماً وراهناً. وقد خصصنا الفقرة التالية للحديث عن هذا المنهج لدى الآلوسي.
5. كتاب فلسفة الكندي، وآراء القدامى والمحدثين فيه، صدرت لهذا الكتاب طبعة وحيدة فريدة، عن دار الطليعة في بيروت عام 1985، وكان لكاتب هذه المقالة شرف إعادة خطه وكتابته مرة أخرى، عن مخطوطة الآلوسي، قبل إرساله للنشر، ويعد هذا الكتاب من أوسع ما كتب عن فلسفة الكندي باللغة العربية وغيرها من اللغات الحية إلى اليوم، ولكنه لم ينل حظه من العناية والدراسة والنقد والتعريف به.
6. كتاب التطور والنسبية في الأخلاق، صدرت لهذا الكتاب طبعة فريدة ووحيدة عن دار الطليعة ببيروت عام 1989، وهو من الكتب المهمة جداً في مجالها، وقد نشره الفيلسوف الآلوسي وكان متردداً أن يصل إلى العراق خوفاً من أن يقع بأيدي الجهال فيتهم الآلوسي في عقيدته ودينه، إذ طرح في هذا وجهة نظر مغايرة جداً لما يشاع عن فلسفة الأخلاق والمنهج الأمثل لدراسته، فجلب في هذا الكتاب مواقف الفلاسفة المعاصرين حول مطلقية أو نسبية الأخلاق.
7. كتاب الفلسفة والإنسان، صدرت لهذا الكتاب طبعة خاصة عن مطابع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية، عام 1990، ثم أعيد طبعه بعد إضافة فصول عدة له، وصدر عن بيت الحكمة ببغداد عام 2012م، تحت عنوان: الفلسفة، آفاقها ودورها في بناء الإنسان والحضارة.
8. كتاب الفلسفة اليونانية قبل أرسطو، صدرت لهذا الكتاب طبعة وحيدة عن مطابع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بغداد1990، وهو من الكتب المنهجية المهمة والدقيقة في تاريخ الفلسفة اليونانية، درس فيها هذا الموضوع الحيوي وقدم لنا الفلسفة اليونانية بصيغة جديدة غير ما هي معهودة في كتب الفلسفة اليونانية بالعربية.
9. كتاب مدخل إلى الفلسفة، صدرت لهذا الكتاب طبعة وحيدة في بيروت عام 2005، وهذا الكتاب هو تطوير لكتاب مشترك صدر عن وزارة التربية العراقية، عام 2004، تحت عنوان: علم الاجتماع والفلسفة، للصف الخامس الأدبي. وهو من الكتب القيمة جداً لطالب الفلسفة ولمحبها والذي يهوى دراستها وقراءتها من غير التخصص.
10. كتاب حول العقل والعقلانية العربية، طبيعة ومستقبلاً وتناولاً، صدرت طبعته الأولى عن دار القدس في الأردن عام 2005، وهو من الكتب المهمة جداً في هذا الموضوع.
11. كتاب ابن رشد، دراسة نقدية، صدرت لهذا الكتب طبعة أولى في القاهرة عام 2005، وهي طبعة مملؤة بالأخطاء الطباعية والإملائية الفاحشة، فأثرت كثيراُ على وضع الكتاب، فاضطر الفيلسوف الآلوسي لإعادة طبعه مرة أخرى مع إضافة فصل جديد له، تحت عنوان: أزلية العالم ودور الإله عند ابن رشد، صدر عن المركز العلمي العراقي ببغداد عام 2010.
12. كتاب تقييم العقل العربي ودوره من خلال نقاده ومنتقديه، صدر لهذا الكتاب طبعة أولى في القاهرة عام 2007، ولكن الكتاب لم تنل حظه من النشر وتعريف القاري العربي به، فأعاد الفيلسوف الآلوسي طبع الكتاب تحت ذات العنوان، وصدر عن المركز العلمي العراقي ببغداد عام 2011.
13. كتاب الفن، البعد الثالث لفهم الإنسان، صدر هذا الكتاب عن بيت الحكمة ببغداد عام 2008، وهو من الكتب المهمة جداً في مجال تخصصها، ناهيك عن بيان شمولية التأليف في الفلسفة عند الفيلسوف الآلوسي في شتى مجالات المعرفة الفلسفية وحقولها وأقسامها.
14. كتاب في الحرية، مقاربات نظرية وتطبيقية، صدر لهذا الكتاب طبعة أولى بالتشارك بين بيت الحكمة البغدادي ودار النهضة العربية ببيروت عام 2010. وهذا الكتاب هو تطوير لمشاركات فلسفية للفيلسوف الآلوسي في محافل عربية فلسفية في هذا الموضوع، يتداخل فيه الفلسفي مع السياسي الراهن.
15. كتاب نقد المناهج المعاصرة لدراسة التراث الفلسفي العربي الإسلامي، صدر لهذا الكتاب طبعة أولى في بغداد عن المركز العلمي العراقي عام 2011م، وهو من الكتب المهمة جداً في مجال اختصاصها، إذ تناول الفيلسوف الآلوسي المناهج العربية المعاصرة في دراسة التراث، وهي منهج طيب تيزيني ومنهج محمد عابد الجابري، ومنهج جورج طرابيشي، ومنهج حسن حنفي، ثم عرج على دراسة الاستشراق القديم والجديد، وهي مجوعة أبحاث كتبها في مناسبات عدة ونشرها في مجلات علمية عراقية وعربية.
16. تحقيق كتاب الأسرار الخفية في العلوم العقلية، للعلامة الحلي بالتشارك مع المرحوم الدكتور صالح مهدي الهاشم (ت2007م)، وصدر في بيروت 2005.
17. كتاب التقويمان الهجري والميلادي، ترجمة عن الانجليزية، طبع في بغداد عام 1968، وأعيد طبعه عام 1986.
18. وللآلوسي كتب أخرى ما زالت مخطوطة وتنتظر التحقيق النشر، كتبها في أوقات متفاوتة، وكانت أمنيته رحمة الله عليه، أن يرى أعماله الكاملة منشورة في حياته، ومن ضمنها هذه الكتب التي خطها بيمينه، ولأن الخط الذي يكتب فيه الآلوسي أبحاثه ومؤلفاته، خط صعب القراءة والطباعة إلا على من يجيد ذلك، وأنا واحد منهم، بحكم كتابتي لبعض كتبه ومنها كتاب الكندي وكتاب نقد المناهج المعاصرة، لذا أجد من الضروري على نفسي أن انظر في هذه الكتب المخطوطة في محاولة لإعادة كتابتها وطباعتها، ونشرها كي تكتمل الصورة عن الفيلسوف الآلوسي الموسوعي المعرفة، فمن هذه الكتب المخطوطة، موسوعته في الفكر الفلسفي الإسلامي، الكلامي منه والفلسفي حتى ابن رشد، وتقع هذه الموسوعة في ثلاثة أجزاء كبرى، وكتاب بحوث نقدية على ضوء المنهج التكاملي، وكتاب مواجهات في فلسفة الوجود و المجتمع والأدب، وكتاب فلسفة التطور، وكتاب نظرية التطور. فضلاً عن كتاب له لا أتذكر اسمه، أخبرني عنه الآلوسي في حياته، وقال أنه ضاع في أورقة جريدة طريق الشعب البغدادية، بعد عام 1974، بسبب المضايقات التي نالتها تلك الصحيفة أيان النظام السابق.
فضلاً عن هذه الكتب التي ذكرناها للفيلسوف الآلوسي، ترك لنا جملة أبحاث ومقالات صحفية في صحف عراقية، ومشاركات في مؤتمرات وندوات فلسفية عراقية وعربية، تتجاوز الثمانين بحثاً، أنجزها منذ بداية اشتغاله الأكاديمي في قسم الفلسفة بجامعة بغداد، ونشر معظمها في مجلات عراقية وعربية عدة، بدءاً من عام 1967، وحتى وفاته. وخوف التطويل لذكرتها بأجمعها.
ولقد كُتِبَت عن الفيلسوف جملة دراسات وأبحاث ورسائل جامعية، منها أطروحة حسين عبد الزهرة عن التجربة الفلسفية عند حسام محي الدين الآلوسي، بيت الحكمة، بغداد 2009، وأطروحة صباح حمودي نصيف عن نظرية المعرفة في الفكر العربي المعاصر، خصص فيها فصلاً عن الفيلسوف الآلوسي، وبحث د. علي حسين الجابري عن أصالة التجربة الفلسفية عند الآلوسي، المجلة الفلسفية، عمان الأردن،  والذي أعيد نشره في مجلة الجمعية الفلسفية المصرية التي خصصت أحد أعدادها وهو العدد 9، 2004، وهذا العدد خصص محوراً من محاوره للحديث عن الفيلسوف الآلوسي ببحثين آخرين الأول للآلوسي نفسه، يتحدث عن تجربته الفلسفية، وهذا البحث كان قد ألقاه في مؤتمر الفلسفة القطري بالجامعة المستنصرية من قبل، والثاني هو بحث أحمد عبد الحليم عطية، بعنوان حسام الآلوسي الرؤية والمنهج،  وقد أعيد نشر هذا البحث ضمن الكتاب التذكاري المُهدى للفيلسوف الآلوسي والصادر عن بيت الحكمة، بغداد  2011، تحت عنوان: الآلوسي المفكر والإنسان، والذي شارك فيه كاتب هذه السطور مع ثلة طيبة من الباحثين العرب والعراقيين، تجاوز عددهم 25 باحثاً. ولا ننسى ما قام الصحفي اللامع حميد المطبعي من نشر كتاب عن الفيلسوف الآلوسي، ضمن موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين، صدر عن دار الشؤون الثقافية العامة، عام 1993.
ولا نريد أن نذكر مهامه العلمية التي تولاها في الجامعات العراقية والعربية، والمجمع العلمي العراقي ومؤسسة شومان والجمعية الفلسفية المصرية والعربية، لأن ذلك يحتاج منا إلى مقال آخر. ولكن كانت آخر مسؤولية تولاها قبل وفاته هي رئاسته قسم الدراسات الفلسفية ببيت الحكمة من العام 2006 وحتى وفاته، وكان لي الشرف أن أعمل بصحبته ضمن الفريق الاستشاري للقسم مع الدكاترة علي حسين الجابري ونظلة الجبوري وفضيلة عباس مطلك وولاء الجبوري ورائد جبار وهديل سعدي موسى.
ثانياً- المنهج التكاملي: كتبت في عام 1999 بحثاً تحت عنوان: مناهج المحدثين العرب في قراءة التراث الفلسفي العربي الإسلامي، نشر في مجلة دراسات عربية البيروتية ، ظهر فيما بعد في كتابنا من الآخر الى الذات، بيروت 2008، تحدثت فيما تحدثت فيه عن منهج الفيلسوف الآلوسي في قراءته للفكر الفلسفي بعامة و العربي الإسلامي بخاصة، والذي أطلق عليه الآلوسي تسمية المنهج التكاملي (التاريخي الجدلي)، فعرض لخطوط هذا المنهج في كتابه دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي، بيروت 1980، وطبقه على بقية كتبه وأبحاثه، ولاسيما كتبه من الميثولوجيا إلى الفلسفة، وحوار بين الفلاسفة والمتكلمين، والزمان في الفكر الديني والفلسفي، وبحث الغزالي مشكلة وحل.
 ويكن تحديد ملامح المنهج التكاملي عند الفيلسوف الآلوسي، في أنه يقوم على جملة ضوابط، هي: إن التراث الفلسفي العربي الإسلامي يجب أن ينظر إليه من خلال العلاقات المتبادلة بين الطبقات (الفئات الاجتماعية) ومستوى النضال الطبقي في هذا المجتمع أو ذاك، فضلاً عن النظر في مستوى تطور العلوم، ولاسيما العلوم الطبيعية، في هذا المجتمع أم ذاك، مع الاهتمام بالتواصل الفلسفي والفكري، أو ما يسمى بالاحتياطي المتراكم من التصورات والمواد الفكرية، مع الأخذ بنظر الاعتبار الخصائص القومية والوطنية للمجتمع.
وهذه الضوابط المنهجية بنظر الفيلسوف الآلوسي تعدّ أساسية في كل مجال من مجالات العلوم الإنسانية، فضلاً عن الفلسفة، لأن الفلسفة على وفق الآلوسي هي نظرة عن العالم،وهي نظام لأكثر المفاهيم شمولاً عن العالم، ولعلاقة الإنسان بهذا العالم، وتعبر عن الفئات والطبقات الاجتماعية المعينة، وهي شكل من أشكال الوعي الاجتماعي، ولذلك فإن مهمة التفكير الفلسفي عند الفيلسوف الآلوسي بحسب هذا المنهج ليست معرفة الآراء فقط، ولا رصد الظاهر فقط، بل ومعرفة الأسباب التي تجعل ظروفاً معينة تلد بالضرورة هذه الأفكار أو تلك الآراء. وذلك أن نمضي من الواقع إلى الأفكار لا من الأفكار إلى الواقع.
كما ويمتاز هذا المنهج عند الآلوسي أنه يهتم وينهم بإظهار المواقف والنظرات من خلال أدائها الوظيفي في زمانها، أي عمن تُعبر، من خلال وقوفها مع حركات التقدم العلمي أو ضده، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن هذا المنهج لا ينبغي أن يُحمِل تلك الآراء والنظريات أكثر مما تحتمل. وفي الوقت عينه لا يهمل دراسة أي موضوع أو يتركه بحجة أنه قديم. ولا يقف عنده مشدوهاً مقدِّساً إياه بحجة أنه قديم، إنه يعد التراث السابق لعصرنا ظواهر ليس المهم معرفتها فقط، بل الأهم معرفة لماذا ظهرت، وكيف أثرت، ولماذا توقفت عن التأثير، ولذا فغن المنهج التكاملي لا يسخر من أي فكر أو عقيدة أو حل أو تقنية أو أسلوب حياة اعتقده الأقدمون أو مارسوه.
مما تقدم يظهر أن المنهج الفلسفي للآلوسي هو منهج شمولي كلياني ذو نظرة تكاملية، أي أنه يدرس نتاج الفيلسوف المدروس دراسة متأنية بمراعاة نموه وتطوره الفكري والروحي، فمثلاً إن تاريخ أي كتاب من كتب الفلاسفة لا يكفي لإعطاء صورة كافية عن الفيلسوف، بل لابد من معرفة أهداف الكتاب، ولمن كُتب، ومنهجه، أو تعليمي فقط، أم هو تعبير عن موقف الفيلسوف الداخلي الحقيقي.   
ويقتضي هذا المنهج أن يكون موقفه محايداً من النصوص، مع أمانة في فهمها، وليس المقصود هنا بالحياد عدم الانحياز، بالمعنى الذي يَسِم المتعامل مع مسألة رياضية خالصة، بعدِّ أن الفلسفة متميزة بطابعها الانحيازي، بل أن الحياد هنا يعني الموضوعية في تاريخ الفلسفة في أحسن أحوالها وظروفها عند توفر أسباب هذه الموضوعية قدر الإمكان.
ويدافع الفيلسوف الآلوسي عن منهجه هذا، ويعده مفيداً للدرس الفلسفي بخلاف المناهج الأخرى التي قدمت من وجهة نظره قراءة قاصرة للتراث الفلسفي العربي الإسلامي، لأنها على وفق الآلوسي أخذت بجانب واحد فقط، وأهملت الجوانب الأخرى، وهذه المناهج القاصرة بنظر الفيلسوف الآلوسي هي المناهج المثالية والانتقائية والوضعية والبراغماتية الذرائعية وغيرها.
أما المرجعيات التي استقى منها الآلوسي ملامح منهجه هذا وحدد منطقه وتطبيقاته على الفكر الفلسفي بعامة والإسلامي بخاصة، فهي مؤلفات في الفلسفة الماركسية من أمثال كيللي وكوفالزون في المادية التاريخية والمادية الديالكتيكية، وكورنفورث، العلم ضد المثالية، ويوفتشول، موجز تاريخ الفلسفة، وبيوري، حرية الفكر، وجون لويس، المدخل إلى الفلسفة، وفرديريك انجلز، الاشتراكية الطوبوية والاشتراكية العلمية، وغيرها. مما يعني أن الفيلسوف الآلوسي كان قد تبنى مصادر المنهج المادي التاريخي الجدلي الكلاسيكية،  مع تطوير قام به نفسه على هذا المنهج عَبَر به إلى حقل الفلسفة العربية الإسلامية بامتياز، ونجح في ذلك، أيما نجاح، في دراساته الفلسفية المتنوعة التي تدل على موسوعية يندر وجودها في أيامنا هذه وفي تخصص الفلسفة اليوم.
والآلوسي يذكرك بموسوعية أفلاطون وأرسطو والفارابي وابن سينا وابن رشد وكانت وهيجل ورسل على اختلاف فلسفاتهم ومنطقهم، ورؤاهم المعرفية والقيمية. حتى عدّه زميله الدكتور عبد الستار الراوي من أصحاب المشاريع الفلسفية، وأطلق على مشروعه العقلانية التكاملية، قائلاً: أن الفلسفة لدى الآلوسي، تنأى عن التجاوزية الهائمة في سحابة الفكر والعوالم المجردة، وبذات القدر فإنها تدحض بيانات المادية الهابطة، وتظهر سذاجتها ازاء الكون والإنسان،  إنها محاولة لتعقل الأشياء لرؤيته، لا تقف عند المظاهر الخارجية والسطوح المكشوفة، ولا يدع الآلوسي الفلسفة في إطار التعريف والتوصيف، وإنما يضفي إيقاعاً ثورياً متجاوزاً مع الصدى الأيدلوجي القديم، مردداً مع ماركس (الفلسفة ليس وصف الواقع بل تغييره)، يراجع، كتاب الفكر الفلسفي العربي المعاصر، بيت الحكمة، بغداد 1999، في حين عدَّه الباحث المصري المعروف المرحوم أحمد محمود صبحي (ت2012م)، ضمن بحثه الموسوم اتجاهات الفلسفة الإسلامية في الوطن العربي (1960-1980)، ما نصه: لقد اجتمع لجامعة بغداد من أساتذة الفلسفة الإسلامية عدد لم يجتمع في جامعة عربية أخرى، ولقد أثروا البحث في مختلف مجالات هذه الفلسفة بمؤلفاتهم، وأختار منهم أستاذين يمثل كل منهما جيلاً، الأول كامل مصطفى الشيبي، والثاني حسام محي الدين الآلوسي، فإني (=أحمد محمود صبحي)، أقدر (للآلوسي) الدراسة المتأنية العميقة لموضوعات غامضة دقيقة، إن بحثه عن شيئية المعدوم قد وصل فيه إلى نتائج خالف فيها من سبقه إلى دراسة هذا الموضوع، وحقاً إنه موضوع يتعلق بمبحث المعرفة، أو بالأحرى العلم الإلهي، وان اختياره لمصطلح فلسفي كفكرة الزمان وتتبعه لدى عشرات من المفكرين الإسلاميين لا يدل على جهد وتمكن فحسب، بل إنه نمط من الدراسات عرفناها في الفكر الغربي، وفي أمس الحاجة إليها في فكرنا العربي، حتى نصل في مستوى البحث إلى ما وصل إليه الأوربيون. نشر هذا البحث، في كتاب: الفلسفة في الوطن العربي المعاصر، ط1، بيروت 1985. 
وعدّه الدكتور علي حسين الجابري من فلاسفة الجيل الثالث الذي درسوا الفلسفة في العراق في النصف الثاني من عقد الستينيات من القرن المنصرم، في بحثه المشهد الفلسفي الأكاديمي العراقي في القرن العشرين، منشور في كتاب الفلسفة في الوطن العربي في مائة عام، بيروت 2002)،
لقد عاصر الفيلسوف الآلوسي وزامل في حياته الجامعية كبار أساتذة الفلسفة في العراق من وعلى أجيال عدة، (فمن زملاء الآلوسي، ياسين خليل (ت1986)، ومدني صالح (ت2007)، وكامل مصطفى الشيبي (ت2007)، وعرفان عبد الحميد فتاح (ت2007)،  وجعفر آل ياسين (ت2009)،  وكريم متى ، ونمير العاني، وعبد الأمير الأعسم ، وعبد الستار الراوي وعلي حسين الجابري، وسهيلة علي جواد، وفاتنة جميل حمدي، وقيس هادي أحمد، وأميمة الشواف. أما تلامذته فهم كثر، برز منهم من برز في مجال الدرس الفلسفي والتأليف والكتابة فيه، ومنهم: كاتب هذه السطور، ونظلة الجبوري، وفضيلة عباس مطلك، ومحمد جلوب فرحان، ومحمد محمود الكبيسي، وجليل كاظم الوالي، ومشهد سعدي العلاف، ومجيد مخلف طراد، وعبد الأمير موسى الشمري، وطه جزاع، وحازم سليمان ناصر، وحميد خلف علي، عبد الكريم سلمان، وباسمة جاسم خنجر، وعلي عبد الهادي المرهج، وناجي جودة، وفيصل غازي مجهول، ومحمد فاضل عباس، وصباح حمودي نصيف، وعارف عبد فهد، والشهيد يحي محمود المشهداني (ت2006)، وصلاح فليفل الجابري، وطه مهدي مكي، وعلي حاكم، ورسول محمد رسول، وعبد الله الفلاحي من اليمن، وسالم الرباكي من اليمن،  وءأسف على من لم يرد ذكرهم في مقالنا هذا من طلبته ومحبيه فهم كثر والحمد لله، لما كان يتمتع فيلسوفنا الآلوسي من سماحة الخلق وسعة الصدر وحنو الظهر على تلامذته ومحبيه. ناهيك عن عمق فكره ومنطقه وأسلوبه المتميز في الكتابة الذي يتمتع بالسلاسة والفصاحة والوضوح والدقة.
لكن، هل خَلفَ الآلوسي من كل هذا، أحد من تلامذته وحواريه يتبع منهجه هذا، أم أن الدارسين للفلسفة من هؤلاء التلامذة الذين أصبح لهم باع في الفلسفة، أصبح لكل واحد منهم منهج يعتقده الصواب فيما يبحث فيه وعنه؟؟؟.
ولكن، يبقى الآلوسي قامة فلسفية عراقية عربية بامتياز في القرن العشرين وبداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، قل نظيرها.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب