تسائل ادغار موران في كتابه ( إلى أين يسير العالم ؟ ) عن مسائل شائكة جداً , بما يتعلق بالتكنولوجيا وتداعياتها على الإنسان .. وأضنه كان صادقاً فيما زعم . ففي خضم العالم اليوم , هنالك عوالم افتراضية مثل ( الفيس بوك ) تمارس إرهاباً فكرياً واجتماعياً على كل الأصعدة بما تحمل من قولبات مباشرة في الأنظمة سواء كانت على المستويات الثقافية والبيتوتيه . أدى ذلك إلى تشكيل سلوكيات جديدة وطارئة ومأزومة تحمل داخلها بذور التشظي ووهم التعلق بمعتقدات لم تعد قادرة على أبداء فتوى تليق بعقلية سائدة بدأت تمارس عمى من نوع خاص . يقول أرنست همنغواي : ( إذا عرفنا كيف فشلنا , نفهم كيف ننجح ) فالغيبوبة المجتمعاتية أصبحت شاسعة جدا لدرجة إن إيقاظها يقودها إلى النوم مجدداً .. أنا لست انقد مؤسسة بحد ذاتها أكثر من توجيهي اللوم على الفرد كونه هو الممثل الوحيدة لمشهد بات يبكي أحيانا . فالفرد لم يمارس وجوده بواقعية تحملني إلى إضفاء صفة الشخصية بما يقول . بل انه ألبس الواقع مشاكله فبات يمس ديدن هذا ويقلب طاولة ذاك مدعياً انه الصادق فيما يقول . مما أدى إلى خلق صراع تياري وديني وطائفي وثقافي ومجتمعاتي وبيتوتي فأخذ يناكف مجتمع على مجتمع آخر , وأسرة على أسرة أخرى , وفرد على فرد آخر , في معركة وهمية , ليس لها مبرر ولا نتائج سليمة . من هنا تكبر المشكلة وتتوالى ويصبح من الشائك جداً تفاديها ووضع علاج لها . بل والمقلق أيضاً , إن الشعوب ساكتة وكأنه يرضيها ان يتنابز سكانها فيما بينهم ما دام صراعهم ذاتي بعيد عن الحكم . وكأننا أمام حرب فيسبوكية جديدة . وكأن الصراع القادم , صراع حضاري وفكري ومجتمعي ولاهوتي أيضاً. يؤدي الى خلق مجتمعات مغيبة الوعي تماماً . تلقي الفرد في دوامة والذي ينتصر هو الآلة كما يقول موران . فعلى المستوى الشخصي اعرف أشخاص مواليد 99 – 2000 يتواجدون ضمن هذه الرقعة (الفيسبوكية) . هذا بحد ذاته مشكلة اكبر . فبدل أن نعلم أطفالنا إذا جاز التعبير قيمنا ومبادئنا وحضاراتنا رحنا نؤدلجهم ونفرنسهم ونؤمركهم ونعربهم فأنشئنا جيل معطوب غير قادر على مواجهة مبررات وجوده . لأنه تربى على معارف إلكترونية محظورة , وزج بنفسه داخل متاهة .
ان تحريك الثابت وتثبيت المتحرك , تحتاج إلى جرأة طازجة , ينهض فيها .. الفرد – الإنسان .. وليس الفرد – الآلة . تبدأ من اكبر المؤسسات الحياتية تأثيرا على المجتمع هي ( المدرسة ) بخلق جيل واعي , شعوري . يملك مفاتيح الحياة الناجحة وتحاول ان تزرع داخله القيم الموروثة التي لا تدحضها شبكات عنكبوتيه ولا فيسبوكية .
كما إن اكبر مشاكل العالم الافتراضي ( الفيسبوكي ) انه بدون رقابة أمينة . مما تصبح مجتمعاتنا عرضة للعري الفاضح والثقافة المكذوبة . خاصة ما يتداول فيه من أقول ومسميات منسوبة إلى أشخاص بريئين منها . مثلا ان ينسب حديث الى رسولنا الكريم وهو ليس له , وان تنسب أقوال للإمام الشافعي على لسان هتلر . وأن تتم سرقة المتنبي أمام الملأ , وان تنشر صور مؤدلجة لمناصرة تيار دون آخر . وان تتم جمع تبرعات لحزب معين متخفي بمتسول فوق رصيف تحت شعار ( انفق من مالك , يضاعفه الله لك ) . أليس هذا إرهاباً فكرياً واجتماعياً يمارس ؟
لست ادعي إنني دارس لسلوك الإنسان , فأنا اكتب انطباعات شخصية ربما تكون خاطئة وربما بذورها تكون صحيحة من بعض الوجهات التربوية . ربما مقالي هذا يخلق رسائل وأطاريح أدق واشمل وأكثر منهجية وموضوعية بإمكانها سبر أغوار المشكلة وجعلها أكثر تحرراً من ذاتيتي التي انطلقت منها ..
علينا بعد ذلك أن نحرص على الإجابة عن سؤال واحد فقط …
هل تصبح .. أكون أو لا أكون …. هي معادلتنا القادمة ؟