23 ديسمبر، 2024 11:43 ص

الفيدرالية ودولة القانون

الفيدرالية ودولة القانون

الغريب أن فكرة الأقاليم كانت من بناة أفكار المعارضة السابقة للنظام السياسي السابق لاسيما من المكون الشيعي والكردي ،  تمرد عنها الشيعة لكونها بداية لتقسيم العراق وتمسك بها الكرد لتحقيق حلمهم في تقرير المصير وتأسيس الدولة الكردية فيما تشبث فيها البعض من قيادات السنة العرب للضغط السياسي وتحقيق المكاسب السياسية لاسيما وإنهم كانوا مترددين في دخول العملية السياسية منذ البداية وبعد حوارات وتفاهمات عادوا ودخلوا الى هذه العملية السياسية بتحفظ الكثير من القوى الفاعلة على الساحة ودخول هؤلاء  في العملية السياسية لا يعني الثقة بالشيعة الذين مثلوا الأغلبية في الحكومات التي تلت عام 2003 ، وانما من دخل الى العملية السياسية كان بضغط من الشارع السني بعد سيطرة الاكراد والشيعة على الحكم ودخل البلد في مرحلة جديدة من كتابة الدستور والتأسيس للمؤسسات الحكومية وعليه كان لابد لهذا الشارع من يمثله في العملية السياسية ليتحقق التوازن في العملية السياسية بعد تمكن الشيعة والكرد من تخطي مرحلة متقدمة في بناء العملية السياسية وتشكيل الأجهزة الأمنية من الجيش والشرطة  ، ولا يخفى ان القيادات الشيعية كانت على علم بان البعض من دخل العملية السياسية  وراءه الجناح العسكري للتنظيمات المسلحة التي تقود المقاومة ضد الأمريكان وهذا قد ورط هذه القيادات للارتباط بالمحركات الإقليمية بعد القناعة التامة بان مشاركتهم في حكومة الوحدة الوطنية أو حكومة الشراكة الوطنية او حكومة المشاركة الوطنية لم يكن في المستوى المطلوب لذلك اتجهت هذه القيادات في خلق الأزمات والاستقواء بالتنظيمات المسلحة من اجل افشال العمل السياسي والتجربة الديمقراطية الجديدة ، وخلال السنوات العشر الماضية تمسك البعض من هؤلاء بهذا المنهج المرتكز على المحركات الاقليمية والاستقواء والتنسيق مع التنظيمات المسلحة او تشكيل فرق للاغتيال بالرغم قيادتها من رجال الدولة كما هو الحال في ملف المدان طارق الهاشمي .
العملية السياسية خلال السنوات الماضية شابها الكثير من التشابك والتصارع بين الفرقاء فالكرد يستغلون هذا الصراع لتحقيق مصالحهم ومكاسبهم القومية لتحقيق حلمهم القومي فيما تمثل المشهد السياسي في شقين كلاهما داخل الحكومة ولكن احدهما يعمل معارض للاخر ويعرقل العمل الحكومي كما هو حال زعيم العراقية اياد علاوي واعضاء القائمة العراقية فهم مع المعارضة وشركاء في مميزات الحكومة حتى اختلط الامر على الشارع العراقي في تشخيصهم معارضة ام سلطة ، وهذا المنهج يوافق اقليم كردستان الذي هم دولة مستقلة وعلم وجيش واستثمارات وبرلمان ولم ينقصه الا اعلان تقرير المصير الذي يحدد به بارزاني شراكه السياسيين في كل مناسبة متناسيا مليارات الدولارات السنوية التي تتطفل الاقليم لياخذها من الميزانية الاتحادية والتي غالبيتها تأتي من ثروات الجنوب الطيب ومع ذلك عندما تتحدث مع اي كردي يقول لك انا كردستاني وليس عراقي .
المكون السني وسكان المنطقة الغربية بالرغم من مشاركتهم في الحكومة والبرلمان يصرون على ان حكومة الشراكة الوطنية التي يقودها المالكي هي حكومة تمثل الشيعة في حين ان سكان المناطق الشيعية في الجنوب والوسط هم من اكثر سكان العراق فقراً وتضرراً من الناحية الاقتصادية والاجتماعية بالمقارنة مع المكون الكردي والمكون السني الذي يسكن الانبار والموصل وتكريت وهذا يؤكد ان الشيعة لم يكونوا مستفيدين من هذه الحكومة التي يصفها العرب السنة بالشيعية ولكن ابناء هذه الطائفة محاصرون بالفقر والأيدلوجية الفكرية المعادية لهم ناهيك عن تعاملهم بحكمة وروية اتجاه المشاكل فهم لديهم أساليبهم ومناهجهم للبحث عن بدائل لأتخلق أزمات قد لا تحمد عقباها .
بالمقابل كشفت مظاهرات المناطق السنية شكل الأوراق التي ينتجها البعض من السنة العرب في العراق فقد تحدث البعض من قادة هذه المناطق  بحقد وكراهية على أبناء وطنهم من المكون الشيعي  أمام المتظاهرين حيث وصف النائب احمد العلواني الشيعة بالخنازير والخونة والفرس والمجوس وغيرها من النعوت والأوصاف والتي تجذر الكراهية والحقد بين مكونات الشعب العراقي ، فيما رفعت أعلام حزب البعث والجيش الحر وعلم تركيا وإقليم كردستان والذي يدل على ان هناك مندسين في هذه المظاهرات ما زالوا يراهنون على الخارج الإقليمي وورقة حزب البعث وما مطالباتهم بإطلاق سراح السجناء وإلغاء قانون المسألة والعدالة وأربعة إرهاب إلى جانب العمل لتأجيج الحقد والكراهية والطائفية عن طريق استفزاز مشاعر أهل الجنوب والوسط وأبناء المقابر الجماعية ، ثم أن رفع العلم التركي يدل على الطائفية والدعوة الى تقسيم البلد لا هذه الدولة تعمل على نشوب الحرب الأهلية التي تؤدي إلى تجزئة هذا البلد إلى دويلات فهي تدفع بالأكراد للانفصال عن العراق ونفس الشيء بالنسبة للسنة العرب من خلال الإقليم الخاص بهم وهذا ما يجعل البلد ضعيفا غير قادر على الوقوف بوجه المخطط التركي في العراق .
في ظل كل هذه المزايدات يبقى صوتاً واحداً يرفض الفيدرالية على شكلها الطائفي المناطقي الذي سيقود البلد في المستقبل المنظور الى التقسيم هذا الصوت تبناه ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة الإسلامية على الرغم من ان هذا الرأي قد خلق لهذا الائتلاف والحزب خصوم يحاولون تشويه صورته امام الرأي العام واتهامه بعدم العمل بالدستور ومحاولاً التفرد بالسلطة وحكم البلاد ، وأزاء ذلك لم تخرج تصريحات القادة في ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة عن عدم السماح بإقامة الفدراليات في الوقت الحالي لأنها ستتسبب في تمزيق العراق واستعجال الفدرالية في هذه الظروف مفسدة لها ، وإدخال للناس والبلد في مشاكل نحن في غنى عنها ،ناهيك ان الواقع الحالي لا يساعد على إقامة الفدراليات لأن الفدرالية قد تكون بوابة للاقتتال الداخلي وبالتالي لابد من تعديل الدستور بما يحقق للمجتمع الامن والاستقرار والمشاركة الفاعلة في بناء العراق والنهوض بالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي .