23 ديسمبر، 2024 11:07 ص

الفيدرالية العربية في الغرب

الفيدرالية العربية في الغرب

منذ ان اندلعت الثورة السورية في اذار ٢٠١١ وقد تجاوزت عتبة اعوامها التسعة الاولى وباتت قريبة من دفن إخفاقات عامها العاشر، لم تستطع تلك الثورة بكل احداثها وتطوراتها ان تغير الكثير من المفاهيم والمعتقدات لدى معظم السوريين، بل جل ما تغير فيهم كان على مستوى تعدادهم وحالتهم المعيشية فقط، وبقيت الحالة الفكرية مرهونة لمروث قديم وبمنأى عن التغيير المطلوب او اقله المفروض الذي يرافق الثوراة عادة, والمواكب للحدث والتغيير في مسارات السياسة الدولية ونفوذها, كما إننا نستطيع القول بانه قد رفع الغطاء عن الاحقاد الكامنة التي زرعها النظام في جسم المجتمع السوري والتي تبلورت في اتجاهين لا ثالث لهما وهما الطائفية والقومية.

إن التغيير الذي طرأ على المجتمع السوري ككل، ترافق بظهورواضح وصريح للثقافة العروبية الموروثة لدى الغالبية من عامة الشعب، وانكشفت زيف الشعارات التي صدحنا بها الثائرالسوري في بدايات الثورة من قبيل التغيير الديمقراطي والمساواة وصون الحقوق.

وهنا استذكر جاري العربي السوري وهو معارض وصاحب قلم والذي يسكن بجواري ويتشارك معي هموم اللجوء وتبعاته بعد ان كان يشاركتي في وطن مرتهن، حيث نتبادل احيانا اطراف الحديث عن الوضع السوري وما آلت اليه الامور, وقد حدثني مؤخرا وبشيء من التنمرعن ما وقع عليه من اظطهاد وتمييز هنا حيث هو وانا “لاجئين”، وذهب يسرد لي ما واجهه من تمييز حسب اعتقاده ووجهة نظره في بدايات قدومه الى بلد اللجوء وكيف كان يطالبهم بالاسراع في اجراءات قبول لجوئه وتعمدهم حسب رؤيته في تأخير قبول طلب لجوئه.

لكني وباعتباري اقدم منه في الللجوء حاولت ان اشرح له الاسباب التي تؤدي احيانا الى التأخر في البت بالموضوع واتخاذ القرارالصائب, حيث القانون وليس المحسوبيات, وان هذا الشخص المكلف بتدقيق ملفه والذي يختلف عنه في كل شيء من ثقافة ودين وانتماء سياسي وحتى لون البشرة يبذل كل ما بوسعه لتأمين حقوقه, ليعيش وابناؤه بكرامة وامان وربما يصبح هو او احد ابناؤه في المستقبل برلمانيا او وزيرا او رئيسا او..

ومازحته قائلا: وتطالب وقتها بالفيدرالية العربية في الغرب فيرفضونها ويتهمونك بالخيانة ويجردونك انت وابناؤك من الجنسية, كما ترفضون انتم الآن المطالب الكوردية بالفيدرالية وترونها خطوة انفصالية, حينها قاطعني جاري صاحب الرأي والقلم قبل ان اكمل حديثي الافتراضي قائلا: إنها ارضهم ودولتهم وثقافتهم ونحن لسنا اكثر من لاجئين ومن الطبيعي ان يرفضوا مطلبي فيما ذهبت اليه.

ذاك الجارالشريك في اللجوء يعتبر نفسه ويضع ذاته في صف المعارضة لنظام الاسد والبعث، ويحدثني باستمرار عن المظلومية والحقوق والاستبداد، ولا يغفل ذكر الكورد وانتفاضتهم سنة ٢٠٠٤ وتداعياتها على المجتمع السوري، لكنه يحاول في اغلب الاحيان وضع تلك الانتفاضة في سياق الاحتجاجات الشعبية التي يرافقها العنف والاضرار بالاقتصاد وبنية المجتمع ولا يتردد في ذكر مصطلح “المؤامرة” وان تلك الاحداث لم تكن سوى مؤامرة من النظام لتوسيع الهوة بين العربي والكوردي.

جاري الذي يشاركني اللجوء، لا ينأى بنفسه عن ما يحدث في سوريا، ويرى في عودته لبلده الام سوريا قريبه، ويامل في حدوث التغيير المنشود واقتلاع النظام ويجد نفسه مساهما في ذلك التغيير، لكنه متخوف من آثار الحرب والدمار الذي حصل على كافة المستويات وتغيير ولائات الكثير من السوريين, ولا يستثني من تخوفاته مسألة التقارب الكوردي الكوردي، ويبرر تخوفه بان الكورد المتنفذين في مناطقهم هم ليسوا من كورد سوريه, وانهم دخلاء على الثورة السورية وعلى جسم المجتمع السوري، وعند الحديث عن الحق الكوردي في سوريا ومظلوميتهم فإنه يتجاوز كل الاستبداد الذي مارسه النظام بحق المجتمع السوري, وتتفتح كل شرايين الشوفينية في جسده العروبي، ويرى ان الكورد رفعوا من سقف مطالبهم لمستوى اعلى من حقوقهم,هو ذاته الذي يحدثني عن الاظطهاد والتمييز في بلد ليس بلده وارض ليست ارضه وثقافة لا تمت بصلة الى ثقافته, ولكن ذلك ليس بالغريب كونه يعتبر وجود الكورد في سوريا كوجوده في بلد اللجوء, فهم مهاجرون وليسوا اصحاب قضية.

انها الازدواجية في المعايير التي يعاني منها الاغلبية من شعوب الدول الاربعة المغتصبة لكوردستان، تلك الازدواجية التي تنم عن فكر تقليدي موروث، زرعته الانظمة الحاكمة وتوارثتها الاجيال المحقونة بشعارات الممانعة والمقاومة والارث العظيم للاجداد.

في كثير من الاحيان احاور ذلك الجار المسلوب الفكر والارادة، ولا يخلو حديثنا احيانا من بعض التشنجات وكذلك الفكاهة، ولا انكر اني اشفق عليه احيانا لما يطرحها من افكار ورؤى سياسية صاحبته منذ ان كان يعتقد بانه مواطن سوري من الدرجة الاولى، قبل ان يكتشف بانه لم يكن سوى عود حطب على رف محرقة البعث والاسد, ومع ذلك فاجده يحصر نفسه والاغلبية العربية المغلوبة على امرهم في دائرة الولاء لفكرة عروبة سوريه والكورد الانفصاليين.

إن مناخ خطاب الكراهية هو السائد داخل المجتمع السوري نتيجة الفساد الذي مارسه النظام والافساد الذي زرعه في بنية الدولة السورية واركانها, ولايمكن الخروج من هذه الدوامة إلا بتأسيس الدولة الوطنية السورية بنظامها المدني الديمقراطي التعددي التي تحقق الحرية والعدالة والمساواة بين أبناء المجتمع السوري, وبعقد اجتماعي يشعر جميع الافراد والطوائف والمكونات بأن هذه الدولة هي لهم جميعا, ودون تمييز على اساس العرق او الدين او المذهب وان الظلم والاستبداد لن يتكرر مرة أخرى, ومهما كان الطريق وعرا ومساحة التشاؤم كبيرة, فإننا يجب أن نعمل ضمن حيز التفاؤل الضيق المتاح لنا.