23 ديسمبر، 2024 2:38 م

الفوضى : سمة ملازمة للسلوك الحكومي اليومي

الفوضى : سمة ملازمة للسلوك الحكومي اليومي

تعلمنا منذ الصغر الكثير من الامثال والاقاويل والحِكَم سواء كانت هذه الأقوال والامثال  اساسها البيئة بما فيها التربية الاسرية والمجتمعية , أو كان اساسها المدرسة  ودورها المهم في تغذية عقولنا وافكارنا بالمعلومات العلمية والادبية , خصوصا وان تاريخنا غزير و زاخر بالمأثرفي مجال الحكم والامثال والفخر والاعتزاز بالنفس , من بين هذه الامثال والحكم مقولة لا يصح الا الصحيح وهي مقولة بسيطة في معانيها وواضحة في مفرداتها اللغوية ولا تحتاج الى تفسير او شرح  فهي  بكل بساطة تعني ان هناك قوانيين تحكم علاقاتنا  الانسانية والمهنية هذه القوانين واضحة ومفهومة من الجميع أي ان الفرد  كمواطن صالح يَعرف ما له وما و عليه ومتفهم   لهذه القوانين , وكذلك   الدولة  متمثلة بمؤوسساتها الحكومية , واذا حصل شيء ما خارج هذه العلاقة يوضع في خانة الشواذ ولا بد للحكومة والمواطن اصلاحه بأسرع ما يمكن لتعود العلاقة بينهما الى مسارها الصحيح , ولا يمكن الاستمرار بالحالة الشاذة الى وقت طويل وعدم معالجتها لأنه  باستمرارها الشاذ والغير صحيح  ستتحول الى ظاهرة يتم التعامل معها  في المستقبل على انها ظاهرة طبيعية من الصعب معالجتها ..
هذا ما يحصل حاليا في داخل المجتمع العراقي و داخل المؤوسسة الحكومية وبين الافراد  , حيث نرى ان الكثير من المظاهر الموجودة على ارض الواقع هي في حقيقتها واصلها كانت مظاهر شاذة ومرفوضة من الحكومة والمجتمع ولكن لعدم وجود معالجة سريعة لهذه الظواهر اصبحت بمرور الزمن ظواهر طبيعية  وهذ ما نخشاه  حقا وبالتالي يكون من الصعب اصلاحه , فكل شيء في هذا البلد يسير بالمقلوب , بالرغم من وجود  القوانين التي تنظم العلاقة بين الدولة والمواطن ولكن لا نجد على ارض الواقع ما يثبت تنظيم هذه العلاقة , و كما هو معلوم ان هناك علاقة مشروطة بين الدولة  متمثلة ( بالحكومة كمؤوسسة ),( والمواطن كفرد متفهم لواجباته ) هذه العلاقة متمثلة بمفردتين مهمتين , هما الحقوق والواجبات وعلى الطرفين أي الحكومة والفرد احترام وتنفيذ هاتين المفردتين وبالتالي تصبح مقولة لا يصح الا الصحيح مقولة قابلة للتطبيق العملي ,  ولكن  ما يحدث اليوم , ان الحكومة غير قادرة على القيام بواجباتها اتجاه المواطن ,  من توفير الامن والخدمات والعمل والحرية الشخصية وحق العيش وحرية الرأي الخ , بالمقابل نجد ان المواطن اعتاد على خرق  شروط العلاقة بينه وبين الموؤسسة الحكومية بعد  ما اصابه من احباط في تحقيق  الواجبات الملقاة على الحكومة , واخذ لا يعير اهتمام لها حيث اصبح يدير مؤسسته الاجتماعية والاقتصادية والوظيفية بقوانين يضعها ويتحكم بها حسب مصالحه الشخصية والعشائرية والمذهبية , ثم يفرضها على الاخرين بمعزل عن قوانيين الدولة , ولذلك نجد الفوضى في كل مكان في الشارع  و الدائرة و المدرسة والجامع والمعمل والبيت وحتى في غرف النوم حيث تتخذ القرارات الصعبة والمصيرية !! . وبذلك فقدت الدولة متمثلة بالحكومة كل مقومات الدولة المدنية الحديثة , وفقد المواطن كل مقومات الوطنية والشعور بالانتماء الوطني ودوره المهم في بناء مجتمع يحترم القانون ويعمل جاهدا من اجل تطبيقه , وأخذ المواطن لا يعي أي معنى لدوره  في التظاهر والاحتجاج والتغيير..  وقد يكون هناك من يعترض على هذا القول ويدعي ان ما  تعرض له المجتمع العراقي من ظروف صعبة منها الاحتلال و التناحر الطائفي وغياب الدولة لفترة ما  ربما تسمح له ان يمر بمثل هذه الحالة الشاذة ,  هذا  صحيح ولكن لفترة قصيرة  محددة لا يمكن ان تصل الى فترة طويلة ربما تستمر الى اجيال  , وما مر به العراق ليس اسوء مما جرى في الكثير من البلدان التي سبقته , ولكن سرعان ما نهضت  هذه البلدان ونفضت الغبار واعادت الحياة الى مسارها الطبيعي  ولنأخذ مثلا المانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية قد دمرتا تماما واعطت تضحيات اضعاف  ما حصل بالعراق وسادت الفوضى والخراب في كل مؤسساتهما الحكومية والمدنية , ولكن سرعان ما نهضت من جديد وخلال فترة قصيرة استطاعت ان تعيد الحياة الى مسارها الصحيح دون ان تنظر الى الماضي وما خلفه من ويلات وخراب ودمار , المجتمعات المدنية المتحضرة تنسى جراحها ومئاسيها وتنهض من جديد عكس المجتمعات المتخلفة  والذي يحكمها العرف العشائري والقبلي والديني لا تنهض ولا تستيقض من تخلفها واميتها الا بعد ان يتحرر فكرها من مظاهر الجهل والتخلف ..
[email protected]