الفن … هو مركب من العلم والحكمة, فالعلم يقتصر على المعرفة أما الحكمة فهي آلة المنطق التي نتدارك بها الأشياء, وما بين العلم والحكمة يقف الفن .. فهو مجال الإبداع والإنتاج .. تقنية تستخدم لنشر الخير والمعرفة والمحبة ..فمن العلم (الوسيلة) ومن الفن (الغاية) …
إذن فأن أية وسيلة علمية وأية مقدرة عملية عليها أن تترجم وتتقن فنيا لتعطي صورتها الجمالية والكمالية بالإنتاج والإبداع …
أما الفن الثقافي فيشكل في الحقيقة جزءا أساسيا من هيكل البلد .. كما يعتبر الفن المرآة العاكسة للوجه الحضاري في ذلك البلد… بدأً من تراثه وما ارتقى إليه, ما وصل وما توصل إليه .. الفن أقوى لغة تجسد صورة الواقع وتعبر عن منطق الأشياء تعطي وجودا لما لا وجود له..
ما نعيشه اليوم من تهديدات ثقافية وتهرؤ في نسيج المجتمع , سببه انفصال الروح الحضارية عن الجسد العراقي وقطع حبل الوصال الفني فيه .. باتت بيوته الثقافية ومؤسساته الإعلامية سواء المقروءة أو المرئية وغير المرئية .. بمثابة منابر سياسية تعمل على تشويش الحقائق وتظليل هوية المجتمع الحقيقية..بسبب تدخل المال السياسي المسلوب وتوظيفه لخدمة المصالح الفئوية والحزبية …
يمثل العراق في حقيقته موقعا رائدا لامتزاج الثقافات والحضارات مع الاحتفاظ بصبغته الرافدينية المميزة ففي الزمن الجميل كان يمثل قمرا منيرا في سماء الثقافة والفن .. بدأ من تاريخه الموسيقي مع أول قيثارة إلى اختراع العود وإضافة الوتر الخامس إلى الإيقاعات والمقامات العراقية المختلفة , تطورت الموسيقى العراقية بشكل ملحوظ بداية القرن العشرين ، ووصل عدد المطربات في أربعينيات القرن إلى ما يقارب الأربعين مطربة، ثم عرفت الموسيقى العراقية بعد ذلك العديد من الملحنين الذي رفدوا الأغنية العراقية بأجمل الأغاني .. كما يقول أحد أستاذة الموسيقى علي حسين جابر لولا وجود الموسيقى لكنت في أحد مكانين … القبر أو مستشفى المجانين .. وذلك يدل على تأثير الموسيقى في الروح والوجدان ,أنا شخصيا بدأت أصغي للموسيقى فوجدت في ذلك لذة صغيرة أخذت تبدد غيوم الحزن والانتكاس من سمائي لتجعلها صافية بيضاء تشرق فيها مشاعري وتحلق فيها طيور أفكاري .. لتطلق طاقاتي فتمنحني قدرة أقوى على التفاعل مع الحياة. ..
فالثقافة عملية متجددة لا تنتهي أبدا تجسدها الكلمة اللوحة التمثيل أي شكل من أشكال الفن الصادق الهادف لكننا مع شديد الأسف نعيش واقع مفقر تماما من الفن فالتمثيل أصبح خجولا جدا بسيط الأسلوب لا يرتقي لمستوى الأداء الفني والثقافي لا دور للسينما ولا عروض موسيقية ومعظم الأقلام قد استأجرت أما الحرة تصرخ وتكتب في الهواء .. بسبب ما يتعرض له البلد من ظروف متدهورة وكذلك ظهور الغطاء الديني السياسي سبب حساسية مفرطة من كلمة فن لا سيما في المجتمعات ذات الطابع الديني والقبلي أول ما تخيل له كلمة فن ( ظل للفساد). وهذا كفر شنيع بحد ذاته ..الفن حاله حال الجوانب الأخرى كالتعليم الإدارة والسياسة يحتمل أن يكون مغرضا إن أسيء استخدامه.. بينما الفن في حقيقته إشعاعا للخير والتجدد بل هو لغة التعبير عن الواقع الماضي أو الحاضر وهو بمثابة أطلاقات روحية وفكرية إنسانية..
نحن بأمس الحاجة اليوم إلى إحياء الفن وتشجع الناس على القراءة والثقافة .. وفهم الواقع وإعادة هيكل الدولة الحضاري وهيبت المجتمع.. بتشغيل المسارح ودور السينما وأحياء أصبوحات وأمسيات فنية فيه تعتبر مورد مالي اقتصادي, كما من شأن ذلك أن يسهم في حجب ظاهرة هجرة المواهب وتوظيف الطاقات خدمة للصالح العام …