أثار موضوع ادلجة الدين وتسيسه وتوظيفه للدفاع عن مصالح طبقية وفئوية وشخصية الكثير من الحوار والنقاش على المستوى الفكري والسياسي والثقافي، وذلك بغية تحليل وفهم وتفسير هذه الظاهرة، ومدى انعكاساتها وتجلياتها وتأثيراتها في صيرورة تطور المجتمعات، وبناها السياسية في البلدان العربية والإسلامية. وتم ذلك وفق مناهج متباينة، ساهم بعضها عن قصد أو بدونه في اخفاء الخلفية الاجتماعية- الاقتصادية- السياسية الحقيقة لبروز الطائفية عبر مراحل تاريخها الطويل. وقد توسع النقاش والبحث بمديات أوسع، بعد أن وصلت إلى السلطة احزاب الإسلام السياسي، في بعض البلدان العربية التي شهدت سقوط رؤوس انظمتها، نتيجة الانتفاضات التي اندلعت فيها. هذا المعطى الجديد ساهم في المحصلة النهائية، في إعاقة إعادة بناء الدولة على أساس مدني ديمقراطي، ولعله من المفيد هنا لفهم سياق تطور هذه الظاهرة وانعكاساتها، تحليل الخلفيات التاريخية والاجتماعية- السياسية والفكرية التي غذتها وما زالت تغذيها، وتأثيرات ذلك في بناء الدولة.
بدايات الإسلام السياسي
بدأ التيار الأصولي أو السلفي يترسخ وينتصر منذ القرن الثالث عشر الميلادي، وهو ليس من اختراع اليوم. فالأصوليون الحاليون لهم جذور في الماضي. وهم يترعرعون داخل أرضية مؤاتية ومناسبة، أرضية تم التمهيد لها منذ زمن طويل. من هنا يكمن سر قوتهم وانتشارهم السريع. إن الاتجاه الذي انتصر عبر التاريخ تمثل في المذاهب السنية من جهة والمذاهب الشيعية من جهة اخرى. ولكن المذهبين السني والشيعي تعرضا لجمود خطير أو لتقلص فكري خطير بدءا من القرن المذكور، على حد تعبير محمد أركون. واستمر ذلك حتى يومنا هذا. وهذا الانغلاق التاريخي لم يدرس بشكل علمي من قبل المفكرين المسلمين.
والملاحظ لا تزال أصول الفقه وأصول الدين تدرس حتى اليوم في كليات الشريعة والمعاهد التقليدية كما كانت تدرس في القرون الوسطى! بل أن هذه الأصول كانت تدرس في العصور الوسطى الأولى بشكل أفضل مما هي عليه اليوم. لأنه كانت تحصل آنذاك مناظرات بين المذاهب الشافعي والحنفي والمالكي، بل وحتى بين المذهبين السني والشيعي، وظلت المناظرات تحصل بشكل سلمي حتى القرن العاشر الميلادي، أي أثناء الفترة التعددية المبدعة من عمر الحضارة العربية- الإسلامية. ثم اختفى الحوار السني- الشيعي بعد القرن الحادي عشر وانتصار السلاجقة الأتراك الذين دشنوا العزلة التاريخية بين المذاهب الإسلامية، واقفلوا باب الاجتهاد وقضوا على التعددية العقائدية. ولذلك يؤرخ لعصر الانحطاط ببداية عهدهم)1) والذي استمر إلى وقتنا الحاضر، ويتجلى بالأخص في التقوقع المذهبي والطائفي وأخطر ما فيه استثماره لتحقيق أغراض سياسية- اجتماعية نفعية.
وحسب الباحث الإسلامي أحمد الكاتب، هناك انقسام آخر في بنية المجتمع، نتج لا بسبب الاستبداد، بل بسبب الفكر الطائفي الذي يمزق الناس بين شيعة وسنة. مصدره ينبع من الفكر القديم الموروث، الذي هو فكر ميت حاليا. يعتمد على معارك تاريخية منقرضة وبائدة. إنه صراع وهمي، أسبابه سياسية مصلحية، وبالتأكيد لا دينية. حيث أن الإيمان بنظرية تاريخية، حول أحقية فلان بالخلافة على فلان، منذ
أكثر من ألف وأربعمائة سنة، لا يستدعي الخلاف مع الآخرين. وربما كان “رجال الدين” بالمعنى المتعارف عليه اجتماعيا، أي رجال المذاهب وسدنة الفكر القديم، أبعد الناس عن عملية الإصلاح، خصوصا إذا كانت تلك العملية تهدد مصالحهم الاقتصادية والسياسية.(2) وهذا إقرار واضح من باحث متمرس بالبعد السياسي والاجتماعي والاقتصادي للطائفية.
بدأت ارهاصات الإسلام السياسي بعد ما سمى بالصحوة الإسلامية التي قادها جمال الدين الأفغاني(3) وتلامذته مثل محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وغيرهما، غير أن الأول لم يكن ينادي بالدولة الإسلامية أو ما يعبر عنه بالإسلام السياسي الذي تتبناه الأحزاب الإسلامية كإيديولوجية، بل كان يدعو إلى نظام الخلافة العثمانية ويؤيدها مع الدعوة إلى بعض الاصلاحات. ولكن بعد أن رأي رجال الاصلاح أن هذه الصحوة لا بد لها من إيديولوجية تقوم بتأطير المسلمين وأفكارهم، وبعد أن أدركوا جيدا أن الإسلام التقليدي لا يتوافر على عناصر التحضر وأهمها تشكيل الدولة الإسلامية، عملوا على أدلجة الدين والبحث في التراث عن مقدمات وعناصر تشكيل النظام السياسي الإسلامي.
إن أول من طرح هذا المشروع هو عبد الأعلى المودودي الباكستاني الذي عاش الصراع الديني الهندي الباكستاني المرير وطرح مسألة الدولة الإسلامية التي تقوم على أساس تطبيق الشريعة مقابل الحركات العلمانية في الهند التي تبنت الطابع الغربي في صياغة نظامها ودساتيرها. ومنه انتقل المشروع إلى مصر حيث تبنته حركة الأخوان المسلمين وبعض المفكرين الإسلاميين أمثال سيد قطب ومحمد قطب ومحمد الغزالي وغيرهم من رموز الإسلام السياسي.
وبالنسبة للشيعة فقد بدأ الإسلام السياسي بالتحرك والنمو من خلال كتابات محمد باقر الصدر والسيد حسين فضل الله وعلي شريعتي والخميني الذين دعوا إلى إقامة الدولة الإسلامية بعد أن وجدوا أن التشيع التقليدي لا يكفي لممارسة دور الريادة والقيادة في اطار التنافس الحضاري بين الشرق والغرب. وكان التشيع التقليدي عازفا عن تولي السلطة وهمه الأول ترسيخ عقائد الشيعة والرد على خصومهم من الوهابية، و بدأ علماء الدين المشار إليهم بالدعوة إلى تشكيل حكومة ونظام سياسي يستوحي مقوماته من النصوص الدينية والتراث الإسلامي، بعد ورود الثقافات والايديولوجيات إلى البلاد الإسلامية وتأثر الكثير من المثقفين بها وامتدادها في الوسط الجماهيري وخاصة بالنسبة إلى انتشار الفكر الشيوعي، أحس هؤلاء العلماء بضرورة وجود ايديولوجية إسلامية أي أدلجة الدين تصد هذا التيار وتملأ الفراغ الفكري والعقائدي لدى الشباب.(4) لذلك تأسست أحزاب إسلامية شيعية وسنية على أساس طائفي مستفيدة من هذه المرجعية الفكرية الدينية كما في الحالة العراقية.
والملاحظ أن الإسلام السياسي في العراق لم يستطع في العقود الخمسة الأولى من عمر الدولة العراقية تشكيل بنية سياسية مؤثرة، بل أن تأثيراته انحبست في المناسبات الدينية والمدارس الفقهية والفتاوي الشرعية. وساهمت تأثيرات الأحزاب السياسية العلمانية على الكتل الشعبية في صياغة هوية وطنية عراقية شكلت سدا كبيرا أمام نمو وتطور الطائفية السياسية(5) في تلك الفترة.
ساهم ظهور الأحزاب الإسلامية بإذكاء الطائفية وتعميقها، وبما أن الطائفية فعل تفتيتي، فهي لا تتوقف عن ممارسة فعاليتها عند نقطة معينة محددة، قد تبدأ من نقطة ما، لكنها تنفجر ما لم يتم محاصرتها بأسرع وسيلة. المهم أن الطائفية تمارس تفتيتها لكل ما هو بناء ونظام حتى تصل إلى الإنسان ذاته فتشطره إلى نصفين، قوتين متقاتلتين تبادلا للسيطرة والعنف. والملاحظ في البداية كان
الارتداد إلى الأصول والجذور، إلى “التراث” الذي يمثل بالنسبة للبعض حماية من عراء الهزيمة، وكان عند البعض الأخر موضوعا للتأمل والدراسة والتساءل. ومع تنامي فعل التفتيت الطائفي ينحسر كل تيار في خندق خطاب مغلق لا يعترف بالخطاب الآخر ولا يدخل معه في حوار مباشر. في الخطاب الطائفي النقيض – الذي يحمل شعار الإسلام- تنعكس كل الصور، وتتضخم الأنا تعويضا عن الهزيمة والتبعية، وتتحدد الهوية على أساس “الدين”، ويتم اضطهاد الآخرين(6) باعتبارهم اعداء وأحد اسباب تخلف الأمة وإعاقة نهوضها.
يمكن القول أن الطائفية هي نتاج تفاعل عوامل سياسية- اقتصادية- اجتماعية ذات مساس مباشر بحياة الفرد اليومية، امتزجت مع تهديدات أمنية للهوية الثقافية للمجتمع، وتراكم مشاعر العجز والإحساس بالضعف، والفشل، والإحباط، والخوف أو انعدام الشعور بالأمن . لتشكل توجهات اجتماعية تعصبية نحو الآخرين الذين يختلف معهم الطائفي في تفسير المعتقدات الدينية. وهي حالة تتمسك بتفسير مدرسة فقهية واحدة للدين، بوصفه التفسير الوحيد المعبر عن اساسيات الدين. والطائفية كظاهرة اجتماعية وحركة سياسية لا يمكن عزلها عن موجة التدين و التأسلم، أي استخدام الدين في السياسة لتحقيق اغراض دنيوية لاعلاقة لها بالدين، أو حسابات الآخرة.(7) ولهذا نرى النخب السياسية الطائفية تسعى من اجل تحقيق المزيد من المكاسب السياسية، وتوظيفها للحصول على المزيد من المكاسب المادية لتقوية نفوذها الاجتماعي وموقعها الطبقي، وهذا المسار ببساطة يتنافى مع الجانب الروحي المفترض المتمثل بطلب دخول الجنة!
الطائفية والدولة العراقية
بعد قيام الدولة العراقية الحديثة عام 1921، ورغم ان العراق نال استقلاله من بريطانيا عام 1932، إلا أن السياسة الداخلية كانت في العهد الملكي حتى ثورة 14 تموز 1958 تدار من قبل البريطانيين والضباط العثمانيين السابقين، السنة، والعائلة المالكة (الشريفيين). في حين أن نواحي عديدة من الحياة السياسية العراقية في ظل الحكم الملكي، كانت تعكس الدوافع المختلفة لهذه المجموعات الثلاث، فإنها كانت تتشاطر قدرا من المصلحة المشتركة في محاولتها تحجيم موقع الإسلام الشيعي في العراق. واستمرت محاولة الدولة لتحجيم الإسلام الشيعي بعد سقوط الملكية عام 1958، لتبلغ هذه المحاولة ذروتها في ظل البعث(8) عبر إقامة دولة بوليسية شمولية سيطرت على كل مفاصل المجتمع. رغم أن هذا التحجيم خف كثيرا في السنوات الأولى لثورة 14 تموز، وهذا يعود إلى التغيرات التي حدثت في بنية النظام السياسي، وتوجهات قيادة الثورة غير الطائفية، وإلى تنامي دور اليسار الواسع وبالأخص الحزب الشيوعي العراقي في الساحة السياسية.
وحسب حنا بطاطو من الحقائق المثيرة للاهتمام، والنابعة من تجاور الملامح الدينية والاجتماعية للعراق في العهد الملكي في العشرينات من القرن الماضي كانت درجة القربى القائمة بين الولاء الطائفي والموقع الاجتماعي في أجزاء مختلفة من جنوب البلاد ووسطها. وباختصار فإن ثنائية السنة-الشيعة توافقت إلى درجة غير ضئيلة مع الانشقاق الاجتماعي الاقتصادي العميق الجذور. ولا يمكن تأكيد أو انكار أن التباينات الطبقية هنا كانت هي الأصل، وكانت التباينات الدينية هي الفرع. وقد تغيرت اتجاهات علاقة الطوائف بالطبقات، خلال العقد الأخير من العهد الملكي. فبين سنتي 1947-1958 وصل أربعة من الشيعة إلى منصب رئاسة الوزراء. والواقع أن ارتفاع الموقع الاقتصادي للشيعة هو ما يفسر إلى حد كبير التغير الذي حصل في منزلتهم الاجتماعية، وهو ما دفع في الوقت نفسه باتجاه زيادة حصتهم
في سلطة الدولة. ومع هذا أن التماثل بين الانقسامات الطائفية والطبقية لم يكن كاملا أبدا، فكان هناك سنة فقراء جدا، وأن هؤلاء وفقراء الشيعة كانوا إخوة في الشدة.(9) وهذا يعكسه بجلاء التعايش والتمازج الاجتماعي السلميين لجميع المكونات الدينية في عموم العراق.
إذن لا يمكن انكار أن المسألة الطائفية لها جذورها العميقة في تشكيل الدولة العراقية الحديثة عام 1921، حيث ولدت ككيان هش متصدع لم يمتلك أسسا للاندماج الوطني، مما انعكس في ممارسات ذات طبيعة طائفية تم التعبير عنها بسبل الحرمان والاحتكار والاقصاء، انبتت في جسد الدولة، ونخرت في نسيجه الوطني، وأضعفت من وحدة المجتمع واستقراره. إن الإقرار بذلك هو البداية الصحيحة للحل المتمثل في إعادة بناء الدولة والمجتمع على أسس جديدة تعتمد المواطنة، ونظام حكم ديمقراطي يلتزم بتحقيق المساواة بين مختلف العراقيين، بغض النظر عن انتمائهم الديني والقومي والسياسي، ويقوم على أساس الوحدة الوطنية والعدالة ودولة القانون والمساءلة.(10) هذا التوجه في بناء الدولة والنظام السياسي يعكسه بوضوح المشروع الوطني الديمقراطي الذي طرحه الحزب الشيوعي العراقي منذ عام 2007، والذي لم تتعامل معه الكتل السياسية الطائفية المتنفذة بجدية؛ لأنه يقف بالضد من مصالحها القائمة على تعميق الاستقطاب الطائفي واستثماره سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
ولحسن الحظ لا يوجد ذكر أو إشارة إلى السنة أو الشيعة في أي من الدساتير العراقية، بما فيها الأخير الذي أقر عبر استفتاء شعبي عام 2005، فهاتان الكلمتان بالتحديد هما في طي الكتمان أو الخفاء، كما لو كانت الهوية الطائفية مخجلة ومشينة. وكانت التصورات التوحيدية المستندة إلى العروبة تنزع الشرعية ايضا عن كل خطاب طائفي. ساهم الجميع إذن في تواري الهويات الطائفية التي اخذت تميل إلى الاضمحلال دونما إقصاء واستهجان. لكن التضامن المحلي والعائلي والعشائري سيظل هو المنحى الرئيسي لطائفية غير معترف بها، حيث سيسهم ذلك التضامن أيضا في حجبها وإخفائها. و لم يطالب النظام السياسي الذي أنشئ عام 1921 على نحو صريح، بأي شكل من أشكال التمييز الطائفي. وهكذا ففي داخل تصور هوية الدولة العراقية كمنت قواعد تمييز غير معترف به، بحيث لا بد من النبش عميقا للعثور على آثاره الجلية. والواقع أن التمييز الطائفي لم يكن متخفيا وراء نظام سياسي قام بمأسسة التمييز فحسب، بل كان محظورا عن أنظار أجيال بكاملها أيضا سواء من المستفيدين منه أو من ضحاياه،(11) لكنه سيظهر بقوة إلى السطح بعد سقوط النظام عام 2003 نتيجة تفاعل جملة من العوامل المحفزة له.
بعد سقوط النظام، عمقت سياسة الولايات المتحدة من الانقسامات الطائفية والإثنية، عندما بادرت إلى تشكيل مجلس الحكم على هذا الأسس، وكأن المجتمع العراقي ينقسم إلى كتل سنية وشيعية وكردية متجانسة وثابتة لا تعرف الحراك الاجتماعي والسياسي والطبقي داخلها، وهو منطق يخالف قوانين حركية البنية الاجتماعية- الاقتصادية وصراعاتها في أي مجتمع دع عنك مجتمع يمر في طور الانتقال إلى الحداثة. إن هذا التقسيم لم يأت اعتباطا، وإنما الغرض منه اضعاف النسيج الاجتماعي، وتفكيك بنية الدولة العراقية، وتحويلها إلى دولة طوائف ضعيفة بحيث تظل هذه الطوائف أو بالأحرى قياداتها تحتاج دائما لدعم الولايات المتحدة، التي تظل ممسكة بكل خيوط اللعبة تحقيقا لمصالحها الجيواستراتيجية في العراق والمنطقة.
وبعد تعاقب الحكومات العراقية التي قادتها الأحزاب الإسلامية، واستمرار هذه الأحزاب ممسكة بالسلطة، وهذا ما عكسته نتائج الانتخابات البرلمانية لعام 2014، ومن أجل الهروب من مواجهة المشاكل الاجتماعية الفعلية للمجتمع في لحظة تطوره الملموسة، تؤسس إيديولوجيا الخطاب الطائفي نسقا مجردا، وتساهم بالتالي في تعطيل حركية الواقع الاجتماعي وفهم تناقضاته الكبرى من خلال التأكيد الدائم، بشكل مضمر تارة ومكشوف تارة أخرى، على أن مشكلة العراق اليوم هي مشكلة طائفية وليس مشكلة سياسية – اجتماعية، وأن حلها يعني حلا لكل مشكلات العراق الأخرى. هكذا يتم اختزال الأسئلة المتعلقة بالأزمة المجتمعية والسياسية العميقة في جواب أحادى الجانب هو ” التمييز الطائفي” و “مظلومية الطائفة”، و ” التوازن الطائفي”، وان إلغاء هذا التمييز وهذه المظلومية كفيل بحل مشكلات العراق !.(12) هذا الخطاب، في الواقع، يعيد إنتاج الطائفية ولا يمكن أن يكون ابدا حلا لها.
وعن علاقة الدولة بالطوائف، تسعى النخب السياسية الطائفية أن تكون الطوائف كيانات مستقلة منغلقة قائمة بذاتها، ولا تقوم علاقات اجتماعية سوى بين الطوائف، ولا يمكن لمثل هذه العلاقات أن تتحدد إلا كعلاقات طائفية. وهي في وجودها الكياني هذا بالذات بحاجة إلى الدولة التي تؤمن لها ديمومة وجودها. إذن الدولة في هذا المنطق الطائفي، تكون شفيعة الطوائف، وكفيلتها. والدولة بدورها، تكون بحاجة إليها، فلو لم تكن الطوائف، لما وجدت الدولة(13) الطائفية بالطبع. هكذا يعزز كل طرف وجود الآخر تبادلا للمصلحة.
تعد المسألة الطائفية في العراق إحدى العقبات الرئيسية التي تقف أمام التجانس الاجتماعي والإجماع الوطني، والوفاق السياسي، والتي تعرقل التوصل إلى مصالحة وطنية حقيقية تنهي الأزمة الوطنية العميقة، وإلى إعادة بناء الدولة والمجتمع. والطائفية بمعنى المذهبية العقائدية بحد ذاتها، كتعبير عن اجتهاد أو رؤية محددة في الدين، قد لا تكون هي المشكلة، إذا ما تم النظر إليها في حدود التنوع والتعدد المذهبي، لكنها تغدو مشكلة خطيرة حين تتحول إلى نظام سياسي يلغي أو يضعف الهوية الوطنية، ويقوم على أساس المحاصصة، دون اعتبار لمفهومي المواطنة والشراكة وحقوقهما وواجباتهما. ولقد اثبتت التجارب أن نظاما قائما على المحاصصة الطائفية السياسية يؤدي لا محالة إلى خلق حالة طائفية بكل أشكالها الفردية والمؤسساتية والثقافية والاجتماعية، بكل ما ينطوي عليه ذلك من سلوكيات وتحيزات واصطفافات، تتجاوز الحياة الشخصية والخيارات الفردية، لكي تنعكس في النشاط العام وميادين العمل على شكل احتكاكات وأحيانا صراعات قاتلة(14) وهذا يتمثل بوضوح في الحالة العراقية الراهنة بكل تجلياتها.
إن حل مشكلة هوية الدولة في العراق تكمن في تبني المشروع الوطني الديمقراطي الذي يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تعددية. ومن المفيد في هذا الصدد أن نذكر من التجارب السابقة لنا أن العلمانية لم تكن مجرد تعبير عن رغبة مزاجية لبعض الأفراد أو المجموعات الفكرية أو السياسية، بقدر ما كانت عبارة عن حل عملي فرضته الحروب الدينية التي شهدتها عموم أوروبا في القرنين السادس والسابع عشر. حيث مرت القارة على امتداد مائة وثلاثين سنة متتالية (1559-1689) أي منذ ظهور البروتستانتية في شمال أوروبا، ثم محاولة امتدادها نحو الوسط، باضطرابات سياسية وحروب دينية مفزعة. ففي فرنسا مثلا امتدت حروبها بين 1562- 1598 قبل أن تتجدد مرة أخرى في القرن السابع عشر، مخلفة وراءها ركاما هائلا من القتل والتدمير والانتقام المتبادل بين الكاثوليك والطائفة البروتستانتية الكالفينية. لذلك كانت العلمانية في صورتها العامة عبارة عن تسويات تاريخية فرضتها
هذه الحروب.(15) وإلى جانب هذه الحروب، هناك عوامل أخرى تمثلت في التحولات البنيوية التي شهدتها البنية الاجتماعية-الاقتصادية، وصعود البرجوازية التجارية وثم الصناعية وانتهاء دور الإقطاع كل هذه العوامل مهدت لتبني الدول الأوروبية للعلمانية وتحييد الدين عن السياسة.
مشروع تقسيم العراق
تصاعدت في دوائر أمريكية دعوات إلى “تقسيم هادئ” للعراق على أساس طائفي وإثني. وطرح جون بايدن مشرعه المعروف بتقسيم العراق إلى ثلاثة اقاليم شيعي وسني وكردي. ويثور السؤال التالي: ما هي فرص أن يثبت تقسيم “هادئ” للعراق أنه اقل عنفا من تقسم الهند عام 1947؟ الذي ما زالت نتائجه تتفاعل إلى الآن، وبالأخص تأزم العلاقات الدائم بين الهند والباكستان، إذ يرى الكثير من خبراء العلاقات الدولية أن هذا التقسيم يعد بمثابة الخطوة الأولى في تأجيج العنف على نطاق أوسع يشمل العراق والدول المجاورة.
تاريخيا لم تكن الكيانات الإدارية التي شملت عراق اليوم مستندة إلى هوية طائفية وإثنية. ومن غير الممكن في أي فترة معينة خلال 1300 عام من حكم الإمبراطورية الإسلامية الحديث عن كيانات إدارية معترف بها بأنها شيعية أو سنية أو كردية خالصة. لذلك لم يكن للولايات الثلاث العراقية في العهد العثماني مظهر طائفي خاص علما أنها دامت ثلاثين عاما فقط!. وكان في بغداد شيعة أكثر مما كانوا في البصرة، بينما كانت الموصل أساسا ولاية تضم الكرد والعرب والتركمان والإيزيديين والمسيحيين وآخرين. وعندما فكر البريطانيون قليلا إبان الحرب العالمية الأولى في الفصل بين ولايتي البصرة وبغداد، كان تفكيرهم يرتبط بأهمية البصرة الاستراتيجية بوصفها المدخل إلى الهند، ولم يكن له أي شأن بالحسابات الطائفية(16) آنذاك.
إن عدم الفصل بين ما هو طائفي ومذهبي وما هو إستراتيجي وسياسي من شأنه أن يشعل المنطقة العربية ويقلبها رأسا على عقب. فالخلط المتزايد بين الاختلافات السياسية والخلافات المذهبية والعقائدية من شأنه أن يفتت النسيج الاجتماعي بشكل قد يصعب التخلص من آثاره سريعا كما يحدث في العراق منذ عام 2003. ومن شأن بناء الهويات السياسية على أسس طائفية ومذهبية أن يعمق الخلافات الإقليمية التي سيصبح تجسيرها لاحقا أمرا في غاية الصعوبة خاصة مع إراقة الدماء الكثيرة.
والآن لم يعد الفصل بين البعدين الداخلي والخارجي للمسألة الطائفية أمرا ممكنا بعدما تداخلا وتشابكا طيلة الفترة الماضية. لذا لم يكن غريبا أن يصف بعض الساسة والباحثين الغربيين ما يحدث الآن في المشرق العربي باعتباره انهيارا لترتيبات معاهدة سايكس- بيكو التي جرى الاتفاق عليها قبل قرن تقريبا وكانت سببا في ظهور النظام العربي بصورته الراهنة(17) وما رافق هذا النظام من صراعات ابرزها ما يتعلق برسم الحدود التي رسمت بشكل اعتباطي يلبي المصالح الجيواستراتيجية للدولتين المستعمرتين بريطانيا وفرنسا.
نموذجان
يعد النموذج اللبناني الذي يتبنى الطائفية السياسية، نموذجا صارخا من حيث تداعياته المدمرة على بناء مؤسسات الدولة والمجتمع، وإنتاجه المستمر للأزمات السياسية والأمنية والمجتمعية، علما
هناك في الكتل الطائفية المتفذة في العراق من يعتبر هذا النموذج مثاليا، في حل اشكاليات توزيع السلطة والثروة والنفوذ! لذلك، من الناحية العملية، فإن تجربة العملية السياسية في العراق بعد سقوط النظام باتت تسير باتجاه لبننته، لأن هذا النموذج يخدم مصالح النخب السياسية الطائفية، ويعطيها المزيد من النفوذ والقوة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. فما هي جذور ومكونات هذا النموذج؟
من المعروف في الستينات اخذت الجماهير في لبنان تشعر بوطأة الصراع الطبقي بصورة متزايدة ومتبلورة وحادة. علما أنه ينتمي الكثير من المسلمين إلى الطبقة الكادحة والفقيرة وإلى الشريحة الدنيا من متوسطي الحال، بينما يشعر المسيحيون أن النظام الاجتماعي القائم هو نظامهم باعتبار أنهم المستفيدون منه أكثر من غيرهم في تسخيره لخدمة مصالحهم. ومن المسلم به أن الفئات الإسلامية المرتاحة ماديا والمشاركة في الاستفادة من النظام القائم تقوم بدور هام في لترويج لشعارات سياسية-اجتماعية مثل “بناء الجسور بين الطبقات” و”التفاهم والأخوة والمحبة”. وحين تترجم هذه الشعارات إلى لغة الدين والطائفية تكون النتيجة الحوار الإسلامي- المسيحي، والتوافق بين الطوائف. وهذا الحوار هو محاولة تفاهم بين قيادات لشرائح اجتماعية –مسيحية ومسلمة- تملك الثروة ووسائل إنتاجها في البلاد وهي بذلك متنفذة ومسيطرة. والغاية النهائية من كل هذه الجهود هي المحافظة على النظام الطائفي القائم بكل مضامينه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية باسم الدين وغير الدين، وتغطية للصراع الطبقي المحتدم في المجتمع اللبناني وتحويلا للأنظار عنه،(18) رغم أنها لم تنجح دوما في هدفها هذا.
وقد أخذ الجميع من إيديولوجي البرجوازية اللبنانية بمقولة، أن لبنان فريد من نوعه، في تركيبه الطائفي. حيث أن الفريد غير قابل للتغيير أو التغير، إنه الجوهر ابدا. لا يدخل في دائرة العام، ولا في دائرة عقله، فله عقله دون غيره. الم يكن بيار الجميٍل يردد دوما (الصيغة الصيغة، إنها فريدة حرام أن تتغير).
لكن بعد سنوات من الحرب الأهلية، وبعد أن عجزت القوى الفاشية من فرض نظامها، أخذت تتأكد، في صيرورة هذه الحرب، ضرورة تغيير النظام السياسي القائم، كشرط لانتهاء الحرب، وأخذت مقولة الفرادة، تفقد وظيفتها في الدفاع عن هذا النظام، وفي الاسهام في تأمين ديمومته، من حيث أنها، في حقل الدلالات المحددة بحقل الصراعات السياسية الإيديولوجية الطبقية، وبتطوره، بدأت ربما تعني التحنط في صيغة جامدة.(19) غير أن اتفاق الطائف عام 1989 الذي نجح في وقف الحرب الأهلية، لكنه لم يعالج اسبابها الحقيقة والكامنة في بنية النظام السياسي وأزماته، الناتجة من تبني نهج الطائفية السياسية في الحكم، لذلك نرى الوضع اللبناني هشا ومتوترا باستمرار وقابلا للاشتعال على نطاق أوسع، وما يتم التوصل إليه من حلول بين النخب السياسية الطائفية إنما هو محاولة تجميل مؤقت للنظام الطائفي.
إما في نموذج الإسلام الشيعي الإيراني الذي اقيم بعد سقوط نظام الشاه عام 1979 على أساس طائفي، حيث ينص الدستور الإيراني على تبني المذهب الجعفري، فقد اصبحت الدولة خادمة المؤسسة الدينية لأنه لها السلطة العليا، وبما أن منصب القائد العام أهم من منصب رئيس الجمهورية وللأول حق عزل الثاني، أي أن الدولة أداة المؤسسة الدينية. على هذا الأساس فإن مهمة المؤسسة الدينية هي ترويض الدولة أولا لخدمة استمراريتها، والدولة في تحالف مع المؤسسة تؤمن كذلك استمرارية الأولى، والشعب يخضع لترويض مضاعف، من جهاز الدولة والمؤسسة الدينية في نفس الوقت، وكلاهما يبرر شرعيته ويؤكدها بطريقته في حال التنابذ.
تثبت المؤسسة الدينية لأتباعها أنها لا تتحرك في السياسة ولكنها تنقلب عليها متى ضيموا، وبهذا المعنى فهي تحافظ على أهمية رمزية في وعي الشعب الإيراني وعمق استراتيجي في التحولات الاجتماعية والسياسية، إنها تعلو على الزمان، فالقائد وجماعته من خارج الزمان لا يخطئون ولكن السياسي ضرورة أن يخطئ، ولا بد من رده عن خطئه. حيث يكون ذلك أكثر المواقع لاستمراريتها، إنه موقع الفاعل الرقيب، يدير المتغيرات دون ان يتغير.
امتلاك المؤسسة الدينية كل وسائل السلطة ليس عمليا وليس في صالحها، فهناك قيادة عامة وخاصة، أي قيادة الولي المطلقة وقيادة رئيس الجمهورية المقيدة. يسعى ذلك لجعل الأولى مقدسة، والثانية مكشوفة مفضوحة، تنتخب الثانية فتتكشف كل خفاياها وعيوبها، وتمتنع الأولى عن ذلك لأنها هبة الله!.(20) علما أن الخميني قد عدل من أفكاره عن الحكومة والحكم نتيجة لممارسته قيادة الثورة أولا، ثم الدولة – طوال عشر سنوات- ثانيا، إلا أنه حافظ على تصوراته الأساسية عنهما: فالقائد حاكم مطلق تتجمع في يده السلطات كلها، ويتدخل في الشؤون العامة جميعا، رغم وجود أجهزة متخصصة لها. وفي الواقع لم يكن اعترض الخميني على إضافة “الديمقراطية” إلى اسم الجمهورية الإسلامية اعتراضا شكليا، عندما صرح بأنه لا معنى لإضافة هذه الصفة، لأن الإسلام ديمقراطي بطبعه، بل هو اعتراض فكري اساسا، فالديمقراطية تستند على تفويض الشعب، بينما حصل هو على تفويضه من الله!(21).
لهذا النموذج تناقضاته الداخلية ونقاط ضعفه، ابرزها انعدام التعددية السياسية، مما يعني أن النظام مع مرور الوقت يبدأ بفقد شرعيته، ويزيد هذا من المطالب بالتغيير، وما الحركات الاحتجاجية التي شهدتها إيران في السنوات القريبة الماضية، والتي قمعت بشدة إلا تعبير عن بوادر تفجر هذه التناقضات التي إن عادت يمكن أن تكون أكثر جذرية، ويمكن أن لا تطالب بإصلاح النظام من داخله فقط وإنما بتغييره ببديل مدني ديمقراطي.
الهوامش
1- للمزيد راجع محمد أركون، قضايا في نقد العقل الديني، ترجمة هاشم صالح، ط 4، بيروت، 2009، ص 327-330.
2- راجع مقابلة مع أحمد الكاتب، مجلة الآداب البيروتية، العدد 7-8 تموز 2009، ص75- 78.
3- كان الأفغاني غير متزمت في عقيدته الدينية وفي سلوكه، والملاحظ أن أصحابه ومريديه كانوا من أديان وطوائف شتى، فكان فيهم المسيحي واليهودي والبهائي والازلي والسني والشيعي والمجوسي والملحد. وكان على الرغم من أصله الشيعي لا يتعصب للتشيع تعصبا أعمى بل هو ينتقد السنة مثلما ينتقد الشيعة. راجع علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج 3، 2004، ص 350-351.
4- للمزيد راجع أحمد القبانجي، الإسلام المدني، ط 1، بيروت، 2009، ص 215- 231.
5- راجع لطفي حاتم، “جذور الإسلام السياسي في العراق وتياراته”، الثقافة الجديدة، 324، السنة 2008، ص 28.
6- للمزيد راجع نصر حامد أبو زيد، دوائر الخوف … قراءة في خطاب المرأة، ط 4، بيروت، 2007، ص 55-73.
7- راجع موسى الحسيني، “الطائفية في الوطن العربي: تعريفها وأسبابها”، المستقبل العربي، العدد 408، شباط| فبراير 2013، ص 195-197.
8- راجع اسحق النقاش، شيعة العراق، ترجمة عبد الاله النعيمي، ط 1، دمشق، 1996، ص 145-146. وبالعودة إلى الوراء، زمن الدولة العثمانية، يذكر على الوردي عندما فتحت المدارس الحديثة في العهد الحميدي لم يدخل الشيعة أبناءهم فيها، لسببين الأول كانت الدولة لا تحبذ دخول الشيعة إلى المدارس لكي لا يطمحوا بالوظائف الحكومية، وكان الشيعة من جانبهم بالأخص علماء الدين يحرمون المدارس ويعدونها مفسدة للدين والاخلاق، غير أن هذا الموقف قد تغير فيما بعد، حيث أسست في البداية مدارس جعفرية خاصة. وفي هذا الصدد يقول كامل الجادرجي في مذكراته “كانت الطائفة الشيعية تعد في زمن السلطان عبد الحميد – والحقيقة في زمن الدولة العثمانية- أقلية تنظر إليها الدولة بعين العداء، فلم تفسح لها مجالات التقدم في أية ناحية من نواحي الحياة. ولا يقبل منها فرد في وظائف الدولة إلا ما ندر وعند الضرورة القصوى. وحتى في مدارس الدولة الاعدادية القليلة كانت توضع العراقيل في طريق دخول أبناء هذه الطائفة فيها فأدى ذلك كله بطبيعة الحال إلى انعزالها وسلوكها الاعمال الحرة كالتجارة والصناعة والزراعة وما إلى ذلك من أعمال لا علاقة لها بالحكومة…” راجع علي الوردي، مصدر سابق، ص 292-295.
9- للمزيد راجع حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، الكتاب الأول، ترجمة عفيف الرزاز، ط 1، بيروت، 1990، ص 65-71.
10- صلاح النصراوي، “المصالحة والوفاق الوطني في العراق .. دروس من تجارب الآخرين”، السياسة الدولية، 177، يوليو 2009، ص 249.
11- راجع جان بيير لويزار،” الحد الطائفي للمسألة العراقية”، في كتاب المجتمع العراقي حفريات سوسيولوجية في الإثنيات والطوائف والطبقات، ط 1، بغداد- بيروت، 2006، ص 210- 218
12- لنحذر… الطائفية لن تكون أبدا خيارا نصطف معه!، لجنة العمل الفكري المركزية، آذار 2013.
13- للمزيد راجع مهدي عامل، في الدولة الطائفية، ط 3، بيروت، 2003، ص 20-22.
14- صلاح النصراوي، مصدر سابق، ص 248- 249.
15- راجع رفيق عبد السلام، في العلمانية والدين والديمقراطية.. المفاهيم والسياقات، ط 1، الدوحة، 2008، ص 26-27. من المفيد أن نذكر هنا أن الفيلسوف الهولندي سبينوزا تصدى في كتابه “رسالة في اللاهوت والسياسة” الذي نشر عام 1670 دون أن يحمل اسم المؤلف، لنقد الفكر الديني من داخله وبنصوصه، وشمل ذلك التوراة والانجيل، وعالج تأسيس الشروط الفعلية للدولة الحديثة التي تضمن حرية الاعتقاد وحرية التفلسف. وقد تعرض لهجمة شديدة من قبل الكنيسة الكاثوليكية والأوساط اليهودية والقوى الرجعية، ونعت بالملحد رغم أنه لم يكن كذلك. للمزيد راجع أحمد العلمي، “المسألة الدينية في فلسفة سبينوزا”، مدارات فلسفية، 18 لسنة 2009، ص 121-137.
16- راجع ريدار فيسير، الهوية الطائفية والصراع الإقليمي في العراق: وجهة نظر تاريخية، في كتاب العراق تحت الاحتلال، ط 1، بيروت، 2008، ص 181-184.
17- خليل العناني، “الانقسامات الطائفية والدينية في دول الثورات العربية”،شؤون عربية، 154 صيف 2013، ص 121.
18- للمزيد راجع صادق جلال العظم، نقد الفكر الديني، ط 10، بيروت، 2009، ص 44.
19- مهدي عامل، مصدر سابق، ص 5-6.
20- راجع تهامي العبدولي، أزمة المعرفة الدينية، ط 2، دمشق، 2005، ص 112-117
21- راجع سليم عبد الأمير حمدان، “الإسلام- الدين والسياسة: الموقف الشيعي”، الثقافة الجديدة، 295، لسنة 2000، ص 82-83.
* مقالة نشرت في الأصل في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 367، السنة 2014.