18 ديسمبر، 2024 5:18 م

الفكر الصدري/ موقف الوضوح والشفافية

الفكر الصدري/ موقف الوضوح والشفافية

“الكذب حرام في الشريعة الإسلامية بالأدلة الأربعة”[1]
هذا ما كتبه الصدر[2] في كتاب “حديث حول الكذب” فهو يحرم الكذب. وأعتقد أن الصدر يدفع نحو الصدق في القول والعمل. وحسب فهمي أنه يرى:
أن المجتمع البشري مؤسسة تحتاج الوضوح والشفافية في الإدارة والعمل، لتجنب الغموض والفوضى، لكي ينجح الانسان في تنفيذ وظيفته، في المشروع الإلهي. وهذا الحكم مطابق للقرٱن الكريم. فقد ذم الكذب في اكثر من 150 ٱية، ومدح الصدق والصادقين في اكثر من 120 ٱية تقريبا.
وقد يسأل القارىء اللبيب، بعد هذا البيان الخطير، ما هو موقف الصدر من الخوف، والخطر بسبب الصدق؟؟!
ويمكن مناقشة ذلك، أو توضيح الموقف من خطورة الكذب، او من المخاطر الناجمة عن الصدق، بعدد من مستويات الفهم، كالتالي:
1️⃣ أما بخصوص الكذب، فإنه مرفوض من الخالق، كما هو واضح في البيان الشرعي (القرٱن والاحاديث والروايات) وفيه تفصيل[3].
2️⃣ خطر الكذب، أي عدم “الوضوح والشفافية” يسبب تعطيل في تنفيذ “المشروع الإلهي”. أي يتعارض مع “التخطيط الإلهي العام لتربية البشرية”..
كيف؟
تصور ان عائلة ما، تتعامل بالكذب بين أفرادها، ماذا يحصل؟
هكذا، أيضا، يحصل في الأسرة البشرية.
لذلك جعل الله المنافقين في الدرك الأسفل، والمنافق، هو من يقول خلاف ما يضمر ويعتقد. أي كذاب، وبإصرار[4].
3️⃣ هنالك مفهوم يصطلح عليه “المخالفة”. أي عكس الكذب هو “الصدق”. الذي يربي الإنسان على الشجاعة، فضلاً عن تسبيب “الإنسجام النفسي” أو الراحة (راحة الضمير)..
أي رفض الكذب، يعني الدفع نحو الصدق، المفيد، للفرد، وللمجتمع.
4️⃣ إن رفض الكذب، لا يعني بالضرورة قول الصدق. فالسكوت أفضل من الكذب. وبالتالي، يمكن تقليص مساحة التشويش التي يصنعها الكذاب.
5️⃣ أما في حالات الخطر، والخوف، فقد يكون “الصدق” إختياراً صعبا. الا أنه بالتأكيد موقفا يجسد ثقة الإنسان بالله. فما دام الخالق محب للصدق، فأن قوانينه أو مشيئته تكون الى جانب الإنسان الصادق.
فعلى سبيل المثال، في سورة الاحزاب، الٱية24:
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ.
وقد ورد:
“النجاة في الصدق”
⬛ وعمليا، كان الصدر واضحا وشفافا في بيان المواقف الشرعية، بالرغم من وجود أقسى حاكم عرفه التاريخ البشري. واعتقد أن الصدر قد ضحى بحياته ودمه، وولديه، من أجل ان تكون الحقائق واضحة للمجتمع البشري، فضلا عن الشعب العراقي. وقد خط منهجاً واضحاً للقواعد الشعبية[5] ..
وللحديث بقية.
▪️▪️الهوامش▪️▪️
[1] المصدر/محمد الصدر/ كتاب حديث حول الكذب. وجاء فيه نصاً:”

الكذب: هو عدم التطابق بين أمرين: أحدهما ذاتي، اعني كونه راجعاً إلى الفرد نفسه. كالقول والفعل والقصد والوعد وغير ذلك مما يأتي. ويمكن بيان عدم التطابق هذا على مستويات كثيرة جداً: فالقول الخبري، أو الجملة الخبرية قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة. وهذا هو فرق الخبر عن الإنشاء الذي لا يكون قابلا لهذا التقسيم بذاته. وكذب القول: هو عدم مطابقته للخارج. سواء كان الخارج ماضياً أو حاضراً أو مستقبلا. فالكذب عن الماضي هو المعنى المشهور بين الناس كما لو قلت: حصل كذا، ولم يحصل، ومثله الحاضر وكذلك المستقبل كما لو قلت: ستنجح زراعتي أو تجارتي ولم تنجح فيكون كذبا، سواء كان هذا القول بقصد الإخبار أو التفاؤل أو حتى التشاؤم”

ثم اضاف الصدر، ما نصه:

الكذب حرام في الشريعة الإسلامية بالأدلة الأربعة.
أما دلالة القرآن الكريم عليه فواضح بعد كل الذي سمعناه من الآيات الكريمات، بل عرفنا انه مما وعد عليه بالنار في القرآن الكريم. فيكون من الكبائر دون الصغائر. لا يختلف في كونه كبيرة من الذنوب عن الزنا والسرقة وقتل النفس المحترمة.
بل هو كبيرة باعتبار كل تعاريف الذنوب الكبيرة من حيث ان فيها احتمالات، يندرج الكذب في جميعها، منها:
أولا: إن الذنوب الكبيرة هي ما هدد عليه القرآن الكريم بالنار.
ثانياً: إنها هي التي تم تحريمها في القرآن.

ثالثاً: إنها الذنوب التي هدد عليها بالنار في الكتاب والسنة.
رابعاً: إنها الذنوب الأكثر أهمية في نظر الشارع.
إلى غير ذلك من التعاريف. ونجد ان الكذب يندرج فيها جميعاً، ولا دخل في الصغائر بأي تعريف منها.
وأما دلالة السنة الشريفة على ذلك، فالاستدلال إما أن يكون بالأخبار أو بالسيرة العقلائية أو بالسيرة المتشرعية أو بالارتكاز المتشرعي.
وأما الأخبار فلا حاجة إلى تجشم سردها بعد وضوحها وتوافرها، فليرجع فيها القارئ إلى مصادرها.
وأما السيرة العقلائية، فان يقال: انه لا شك ان العقلاء بما هم عقلاء يستنكرون الكذب ويستهجنونه، ويعدونه ضرراً على أغراضهم ومقاصدهم ونقطة سوء وضعف في أقوالهم وأفعالهم. وبالتالي فهو من المحرمات أو الممنوعات في نظرهم. وهذه السيرة لا شك إنها كانت في زمن المعصومين سلام الله عليهم. ولا شك إنها ممضاة من قبلهم عليهم السلام. إذا لو لم تكن ممضاة لوردنا الخبر بالنهي عنها أو نفي مدلولها، ولو بخبر ضعيف ولم يرد. بل وردت الأخبار والآيات مؤيدة لها وداعية لمضمونها.

[2] محمد الصدر (1943 – 1999): الصدر الثاني هو الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر، عالم ومرجع عراقي. معروف بأعلميته وزهده وشجاعته في النجف الأشرف. اقام صلاة الجمعة في مسجد الكوفة في 1998 ولمدة 45 جمعة… وقد اسس بخطبه وكتبه ودرسه لثورة عقائدية ضد الانحراف الديني، عموما، فضلا عن الانحراف السياسي في العراق. وقد رفض بشكل واضح الحكم الديكتاتوري من قبل صدام. لذلك تم إغتياله عام 1999، هو وولديه مصطفى ومؤمل. وهو والد الزعيم العراقي مقتدى الصدر.

[3] القران الكريم ذم الكذب في اكثر من 150 تقريبا مرة. ومدح الصدق والصادقين في اكثر من 120 مرة تقريبا. ويمكن البحث بجذر “كذب” وجذر “صدق” و “صادق”.

[4] إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (النساء145).

[5] لم نتوسع هنا، الى مفهوم “التقية”.. لكن بإختصار، يمكن القول: ان المفهوم الصدري للتقية، يختلف الى حد بعيد عن مفهومها المشهور أو المتداول. فالتقية ليس الكذب، لإجل دفع الخطر. بل هي النطق الذي لا يسبب الكسر. أي “حدث الناس على قدر عقولهم” حتى لا تسبب لهم “صدمة” تكسرهم عقليا. ويكرر الصدر:

إذا كسرته، فعليك جبره…

أي اذا نطقت بشكل غير مدروس، قد تسبب أذى او خلط عند المستمع، سواءا كان صديقا او عدوا.

فالرحمة تستوجب الرفق مع الٱخر، سواءا كان صديقا، او عدوا.

الفكر الصدري/ موقف الوضوح والشفافية..
ناظم العبادي
“الكذب حرام في الشريعة الإسلامية بالأدلة الأربعة”[1]
هذا ما كتبه الصدر[2] في كتاب “حديث حول الكذب” فهو يحرم الكذب. وأعتقد أن الصدر يدفع نحو الصدق في القول والعمل. وحسب فهمي أنه يرى:
أن المجتمع البشري مؤسسة تحتاج الوضوح والشفافية في الإدارة والعمل، لتجنب الغموض والفوضى، لكي ينجح الانسان في تنفيذ وظيفته، في المشروع الإلهي. وهذا الحكم مطابق للقرٱن الكريم. فقد ذم الكذب في اكثر من 150 ٱية، ومدح الصدق والصادقين في اكثر من 120 ٱية تقريبا.
وقد يسأل القارىء اللبيب، بعد هذا البيان الخطير، ما هو موقف الصدر من الخوف، والخطر بسبب الصدق؟؟!
ويمكن مناقشة ذلك، أو توضيح الموقف من خطورة الكذب، او من المخاطر الناجمة عن الصدق، بعدد من مستويات الفهم، كالتالي:
1️⃣ أما بخصوص الكذب، فإنه مرفوض من الخالق، كما هو واضح في البيان الشرعي (القرٱن والاحاديث والروايات) وفيه تفصيل[3].
2️⃣ خطر الكذب، أي عدم “الوضوح والشفافية” يسبب تعطيل في تنفيذ “المشروع الإلهي”. أي يتعارض مع “التخطيط الإلهي العام لتربية البشرية”..
كيف؟
تصور ان عائلة ما، تتعامل بالكذب بين أفرادها، ماذا يحصل؟
هكذا، أيضا، يحصل في الأسرة البشرية.
لذلك جعل الله المنافقين في الدرك الأسفل، والمنافق، هو من يقول خلاف ما يضمر ويعتقد. أي كذاب، وبإصرار[4].
3️⃣ هنالك مفهوم يصطلح عليه “المخالفة”. أي عكس الكذب هو “الصدق”. الذي يربي الإنسان على الشجاعة، فضلاً عن تسبيب “الإنسجام النفسي” أو الراحة (راحة الضمير)..
أي رفض الكذب، يعني الدفع نحو الصدق، المفيد، للفرد، وللمجتمع.
4️⃣ إن رفض الكذب، لا يعني بالضرورة قول الصدق. فالسكوت أفضل من الكذب. وبالتالي، يمكن تقليص مساحة التشويش التي يصنعها الكذاب.
5️⃣ أما في حالات الخطر، والخوف، فقد يكون “الصدق” إختياراً صعبا. الا أنه بالتأكيد موقفا يجسد ثقة الإنسان بالله. فما دام الخالق محب للصدق، فأن قوانينه أو مشيئته تكون الى جانب الإنسان الصادق.
فعلى سبيل المثال، في سورة الاحزاب، الٱية24:
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ.
وقد ورد:
“النجاة في الصدق”
⬛ وعمليا، كان الصدر واضحا وشفافا في بيان المواقف الشرعية، بالرغم من وجود أقسى حاكم عرفه التاريخ البشري. واعتقد أن الصدر قد ضحى بحياته ودمه، وولديه، من أجل ان تكون الحقائق واضحة للمجتمع البشري، فضلا عن الشعب العراقي. وقد خط منهجاً واضحاً للقواعد الشعبية[5] ..
وللحديث بقية.
▪️▪️الهوامش▪️▪️
[1] المصدر/محمد الصدر/ كتاب حديث حول الكذب. وجاء فيه نصاً:”

الكذب: هو عدم التطابق بين أمرين: أحدهما ذاتي، اعني كونه راجعاً إلى الفرد نفسه. كالقول والفعل والقصد والوعد وغير ذلك مما يأتي. ويمكن بيان عدم التطابق هذا على مستويات كثيرة جداً: فالقول الخبري، أو الجملة الخبرية قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة. وهذا هو فرق الخبر عن الإنشاء الذي لا يكون قابلا لهذا التقسيم بذاته. وكذب القول: هو عدم مطابقته للخارج. سواء كان الخارج ماضياً أو حاضراً أو مستقبلا. فالكذب عن الماضي هو المعنى المشهور بين الناس كما لو قلت: حصل كذا، ولم يحصل، ومثله الحاضر وكذلك المستقبل كما لو قلت: ستنجح زراعتي أو تجارتي ولم تنجح فيكون كذبا، سواء كان هذا القول بقصد الإخبار أو التفاؤل أو حتى التشاؤم”

ثم اضاف الصدر، ما نصه:

الكذب حرام في الشريعة الإسلامية بالأدلة الأربعة.
أما دلالة القرآن الكريم عليه فواضح بعد كل الذي سمعناه من الآيات الكريمات، بل عرفنا انه مما وعد عليه بالنار في القرآن الكريم. فيكون من الكبائر دون الصغائر. لا يختلف في كونه كبيرة من الذنوب عن الزنا والسرقة وقتل النفس المحترمة.
بل هو كبيرة باعتبار كل تعاريف الذنوب الكبيرة من حيث ان فيها احتمالات، يندرج الكذب في جميعها، منها:
أولا: إن الذنوب الكبيرة هي ما هدد عليه القرآن الكريم بالنار.
ثانياً: إنها هي التي تم تحريمها في القرآن.

ثالثاً: إنها الذنوب التي هدد عليها بالنار في الكتاب والسنة.
رابعاً: إنها الذنوب الأكثر أهمية في نظر الشارع.
إلى غير ذلك من التعاريف. ونجد ان الكذب يندرج فيها جميعاً، ولا دخل في الصغائر بأي تعريف منها.
وأما دلالة السنة الشريفة على ذلك، فالاستدلال إما أن يكون بالأخبار أو بالسيرة العقلائية أو بالسيرة المتشرعية أو بالارتكاز المتشرعي.
وأما الأخبار فلا حاجة إلى تجشم سردها بعد وضوحها وتوافرها، فليرجع فيها القارئ إلى مصادرها.
وأما السيرة العقلائية، فان يقال: انه لا شك ان العقلاء بما هم عقلاء يستنكرون الكذب ويستهجنونه، ويعدونه ضرراً على أغراضهم ومقاصدهم ونقطة سوء وضعف في أقوالهم وأفعالهم. وبالتالي فهو من المحرمات أو الممنوعات في نظرهم. وهذه السيرة لا شك إنها كانت في زمن المعصومين سلام الله عليهم. ولا شك إنها ممضاة من قبلهم عليهم السلام. إذا لو لم تكن ممضاة لوردنا الخبر بالنهي عنها أو نفي مدلولها، ولو بخبر ضعيف ولم يرد. بل وردت الأخبار والآيات مؤيدة لها وداعية لمضمونها.

[2] محمد الصدر (1943 – 1999): الصدر الثاني هو الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر، عالم ومرجع عراقي. معروف بأعلميته وزهده وشجاعته في النجف الأشرف. اقام صلاة الجمعة في مسجد الكوفة في 1998 ولمدة 45 جمعة… وقد اسس بخطبه وكتبه ودرسه لثورة عقائدية ضد الانحراف الديني، عموما، فضلا عن الانحراف السياسي في العراق. وقد رفض بشكل واضح الحكم الديكتاتوري من قبل صدام. لذلك تم إغتياله عام 1999، هو وولديه مصطفى ومؤمل. وهو والد الزعيم العراقي مقتدى الصدر.

[3] القران الكريم ذم الكذب في اكثر من 150 تقريبا مرة. ومدح الصدق والصادقين في اكثر من 120 مرة تقريبا. ويمكن البحث بجذر “كذب” وجذر “صدق” و “صادق”.

[4] إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (النساء145).

[5] لم نتوسع هنا، الى مفهوم “التقية”.. لكن بإختصار، يمكن القول: ان المفهوم الصدري للتقية، يختلف الى حد بعيد عن مفهومها المشهور أو المتداول. فالتقية ليس الكذب، لإجل دفع الخطر. بل هي النطق الذي لا يسبب الكسر. أي “حدث الناس على قدر عقولهم” حتى لا تسبب لهم “صدمة” تكسرهم عقليا. ويكرر الصدر:

إذا كسرته، فعليك جبره…

أي اذا نطقت بشكل غير مدروس، قد تسبب أذى او خلط عند المستمع، سواءا كان صديقا او عدوا.

فالرحمة تستوجب الرفق مع الٱخر، سواءا كان صديقا، او عدوا.