18 ديسمبر، 2024 6:52 م

الفكر الصدري / تكامل البشرية ومصيرها

الفكر الصدري / تكامل البشرية ومصيرها

“تخطيط خاص بالبشرية، قائم على استعمال الاختيار في تكاملها، بمعنى أنها تتكامل نتيجة لاعمالها وتصرفاتها وردود أفعالها تجاه الوقائع المختلفة. وهذا هو الذي نسميه بالتخطيط الإلهي العام لتكامل البشرية”[1].
هذا ما كتبه الشهيد الصدر في كتاب “اليوم الموعود” عن مسيرة البشرية نحو مصيرها البعيد، وهي تتكامل رغم أنفها ،أولآ، لكونها جزء من الكون، فضلآ عن تكاملها الثاني وهو تكاملها الحر “الإختياري” لكونها تسعى الى اتجاهين هما كالتالي:
1️⃣ اتجاه الرقي والكمال.
2️⃣ أو يسعى بعض البشر إلى التسافل والاندثار.
▪️أي أن البشرية، تعيش التحول المعنوي، مع مرور الزمن، بنوعين من التغيير، هما كالتالي:
⚫ أولا: التغيير القسري:
ويطلق عليه الصدر مصطلح “التخطيط القسري” لإنه تكامل معنوي كوني، يشمل البشرية، أيضآ، لكونها جزء من الكون.
أي أن الكون كله يسعى الى التكامل، ساعيا الى مصيره الحتمي، خلال زمن غير محدد…!!
.لماذا؟
الجواب: لإن المدة الزمنية للتكامل الكوني تعتمد على الأداء البشري، أيضآ.
ويرى الصدر :
إن الجزء (البشر) يؤثر -حتمآ- على مصير الكل، أي سلوك البشر يؤثر على عمر الكون.
⚫ ثانيا: التغيير الإختياري
ويطلق عليه الصدر مصطلح “التخطيط الإلهي العام لتكامل البشرية” لإنه تكامل معنوي بشري إختياري، يختص بالبشرية حصرآ. وهذا التكامل نوعان كالتالي:
1️⃣ تكامل سلبي، إذا فهمنا التكامل على أنه “تكاثر” و “تزايد” في “المحتوى النوعي”.
أي أن بعض البشر يتعمقون في الفساد والرذيلة إلى أبعد حدود الانحطاط والمثلية والتطبيع مع قوى التكبر والإستهتار.
وهذا ينتهي حتما، في نهاية المطاف. ويزول المتسافلون من الوجود. لكونهم الفاشلون في الإختبار الإلهي.
وتبقى الساحة للنوع الثاني من المتكاملين. وهم البشر الذين ساروا في طريق المعنويات والاخلاق.
2️⃣ التكامل الايجابي: وهو تزايد المحتوى النوعي المعنوي لقسم من البشر. فيحصل عندهم تراكم أخلاقي، إيجابي، ينهض بهم إلى مستوى الاأنبياء، فيكون المجتمع رساليآ، مثاليآ، وإلهيآ. يؤهله مستواه إلى “ادارة الكون” بمنزلة “الخلافة”…
أي أن المجتمع البشري القادم هو “المعصوم” ويمارس دور “الرسول” وله صلاحيات ادارة الكون او الأكوان كلها. فهو “الخليفة”…
قال تعالى:
” إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖۖ[2].
وللحديث بقية.
▪️▪️الهوامش▪️▪️
[1] أن البشرية تعيش تخطيطين مقترنين متعاونين لأجل تكاملها نحو الأفضل.
التخطيط الأول: التخطيط الكوني العام للوصول إلى أهدافه البعيدة، تعيشه البشرية بصفتها جزءا من الكون العام. ومن الواضح أنه لا يخصها بالتعيين أو ينتج فيها شيئا بصفتها الخاصة، وإنما ينتج فيها الكمال، أو يشارك فيه بصفتها جزءا من الكون ليس إلا.
نعم، يصلح هذا التخطيط أن يكون الأساس الذي يبتني عليه التخطيط الثاني الذي سنذكره، بمعنى انه افترض في بناء التخطيط الثاني الفراغ من صحة التخطيط الأول، تماما كما تفترض صحة قانون الجاذبية مثلا عند بناء سيارة أو ناطحة سحاب.
وهذا التخطيط قسري التأثير في البشرية اضطراري النتائج، لانه يعبر، فيما يعبر عنه، عما يسمى بالقوانين الكونية العامة، التي عرفنا انها جعلت لأجل مصلحة الايصال إلى الأهداف البعيدة.
التخطيط الثاني: تخطيط خاص بالبشرية، قائم على استعمال الاختيار في تكاملها، بمعنى أنها تتكامل نتيجة لأعمالها وتصرفاتها وردود أفعالها تجاه الوقائع المختلفة. وهذا هو الذي نسميه بالتخطيط الالهي العام لتكامل البشرية.
المصدر: السيد الشهيد محمد الصدر(رض)
الموسوعة ج4. كتاب اليوم الموعود.
[2] وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (البقرة30).
والخلافة منزلة تصلها البشرية بعد سيرها الطويل، المتعثر، بانواع الاخفاقات. إلا انها تصل في النهاية الى مستقبلها السعيد، بعد خوضها تجارب فاشلة، ويمكن تشبيه ذلك بدورة الماء في الطبيعة.