يبدو ان “التمييز الطبقي” هو احد الخطوط الحمراء في المنظومة الصدرية. اي ان منح امتيازات الى افراد على اساس اقتصادي او قبلي او وظيفي، هو امر مرفوض نظريا.
اي ان الصدر يرفض التمايز بين الافراد، لاسباب اجتماعية او حزبية اوغيرها. ويمكن القول ان هذا مطبق، داخل التيار، وخارجه، وان كان التطبيق نسبيا، لاعتبارات موضوعية.
▪️واعتقد ان هذا الذوق الصدري، قد كان واضحا في سيرة القيادات الفكرية للخط الصدري[1].
▪️ ويفترض مناقشة هذا المنهج الصدري استنادا على ما جاء في القرآن. وبالنقاط التالية:
1️⃣ ان القران الكريم قد أقر “عدم المساواة”. انظر:
«هَلْ يَسْتَوِى الَذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ» (الزمر 9).
«يَرْفَعِ اللَهُ الَذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» (المجادلة 11).
الا انه يمكن القول:
أن القرآن لم يقسم الناس إلى «طبقات»، بل الى «درجات»، والمائز هنا موضوعي وحقيقي وليس اعتباري. يعني هنالك درجة علمية او عملية، قد انتجت عطاءا. وليس عرفا او سلوكا متوارثا.
2️⃣ يمكن القول: ان الانتاج اوالعطاء هو من يرفع درجة الشخص في الاخرة، وليس في الدنيا. انظر ما يلي:
«تِلْكَ الرُسُلُ فَضَلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ» (البقرة 253).
«لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِى الضَرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَة» (النساء 95).
3️⃣ ومن الناحية الاقتصادية، فان التفضيل في الرزق، لا يعني تفضيلا اجتماعيا، لان علته من الخالق وليس من المخلوق. انظر ما يلي:
«نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ»
(الزخرف 32).
«وَاللهُ فَضَلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الْرِزْقِ» (النحل 71).
«وَلاَ تَتَمَنَوْاْ مَا فَضَلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ» (النساء 32).
▪️اي ان التفاوت الاقتصادي ليس مبررا لاحترام شخص ما او تقليل قيمة شخض اخر. لان سبب هذا الغنى او الفقر لا يتعلق بالشخص، بل بالمعادلات الالهية.
4️⃣ تركيز القران الكريم على “الاخوة” وهذا يعني “المساواة”..
وان “التقوى” هي التي ترفع درجة الفرد عند الله. وليس عند المجتمع. انظر ما يلي:
«إِنَمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» (الحجرات 10).
«يَا أَيُهَا النَاسُ إِنَا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَهِ أَتْقَاكُمْ إِنَ اللَهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات 13).
كذلك قال النبي الاكرم محمد عليه واله افضل الصوات ما يلي:
«لا فضل لعربى على عجمى ولا لقرشى على حبشى إلاَ بالتقوى».
⚫ ولا يسمح المقام بالتفصيل. الا ان الذوق الصدري والمنهج الاخلاقي له، يرفض اي نوع من انواع الطبقية، نظريا وعمليا، هذا بناءا على استقراء ما كتبوه وقالوه وعملوا به .
▪️ويمكن القول ان “التفضيل” و “الدرجات” هي معنوية واخروية، ولا مجال لها في الارض. بل قد يكون العكس. كيف؟
ان الدرجة الاخروية تفرض على الامام او القائد او المسؤول، ضريبة التواضع والزهد. وقد اكد الشهيد الصدر الثاني على هذه المفاهيم في خطب الجمعة.
ومنطقيا ان يتبع “الصدريون” سيرة النبي والوصي[2]
مثلا الشهيد الصدر رفض الطبقية عمليا[3] والقائد مقتدى الصدر كذلك[4]..
وللحديث بقية.
هوامش:
[1] قيادات الخط الصدر، يعني بهم القيادات الفكرية وليس الادارية، وهم كالتالي:
▪️الشهيد السيد محمد باقر الصدر، وكانت سيرته رافضه لاي نوع من الطبقية.
▪️الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر، وكانت سيرته رافضه لاي نوع من الطبقية. كذلك رفض تقبيل الايادي لاي سبب كان. فضلا عن تركيزه على ضرورة المساواة، وعدم منح الامتيازات لاي سبب كان. واعتقد ان ذلك يستند على الذوق العلوي. فقد اصر الامام علي بن ابي طالب على المساواة في العطاء، بالرغم من رفض الصحابة لذلك. ويبدو ان هذه المساواة هي العلة الاساس لحرب الجمل.
▪️السيد مقتدى ابن السيد محمد الصدر، وقد ثقف نظريا وعمليا على “رفض الطبقية” داخل تياره، على اقل تقدير.
[2] يستند الفكر الصدر على السيرة النبوية في رفض الطبقية، يضاف الى ذلك، التزامهم بالمنهج الاداري للامام علي. ولفهم ذلك المنهج، انظر مثلا، ما يلي:
الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) – في كتابه إلى عثمان بن حنيف -:
” ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به، ويستضئ بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه… ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى، وأكباد حرى، أو أكون كما قال القائل:
وحسبك داء أن تبيت ببطنة. وحولك أكباد تحن إلى القد أأقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش!…”
[3] رفض الصدر العرف السائد في المجتمع، اي تقبيل يد رجل الدين او الشيخ او السيد. فضلا عن قوله ما مضمونه:
“ان السيد بالسبب افضل من السيد بالنسب”.
[4] مقتدى الصدر حازم في موضوع منح الامتيازات على اساس ديني او جهادي. وقد عبر عن ذلك في اكثر من مقام.