18 ديسمبر، 2024 10:51 م

الفكر السياسي العراقي .. بين مستنقع الأيديولوجيات وغوغائية القطيع

الفكر السياسي العراقي .. بين مستنقع الأيديولوجيات وغوغائية القطيع

هل يوجد لدينا فكر سياسي يحمل هوية عراقية ؟ الجواب لا طبعا ، الفكر الذي تواجد في العراق عبارة عن هجين مستورد ، الشيوعية مصدرها موسكو ، والقومية جاءت من سوريا ومصر ، والإسلام السياسي الشيعي جاء بفعل فاعل من إيران ، والمفارقة ان البلد الذي يتفاخر بحضارات : سومر وبابل وآشور .. لم ينتج فكرا سياسيا وطنيا يستجيب لحاجات الشعب ومصالح الدولة ، وجميع التيارات السياسية المذكورة كانت عدوا صريحا للعراق إذ انها مارست التخريب والتجسس وحملت السلاح وإرتكبت جرائم قتل أبناء القوات المسلحة ، وبخوصوص النشاط السياسي في كردستان لا يعد عراقيا هو حالة منفصلة مارس التآمر والتخريب والقتل !

ساد العراق الفكر الأيديولوجي الشيوعي والقومي والإسلامي تاريخ العراق الحديث ونشر قباحاته وأمراضه العدوانية وطروحاته المعادية للحياة ومصالح الإنسان ، والمصيبة إشتغلت الدعاية الحزبية لتصوير من إعتنق أمراض هذه الأيديولوجيات وما أدت إليه من خراب وخسائر للعراق على أنه ( نضال وطني / وجهاد ) وفيما بعد تم تخصيص رواتب شهرية وتعويضات للمخربين والعملاء من عناصر هذه التنظيمات !

كذلك عقم المجتمع العراقي بدا واضحا في العجز عن إنتاج فكر مدني علماني يرسم هوية حضارية للبلد ، فبعد إنقلاب 14 تموز المشؤوم سنة 1958 توقفت الحركة المدنية الحقيقة ، وحتى جماعة كامل الجادرجي التي أطلقت على نفسها ((الحزب الوطني الديمقراطي )) كان مجرد مشروع شخصي غير مبدئي بدليل تواطؤ رئيس الحزب الجادرجي مع الإنقلابيين جماعة عبد الكريم قاسم وخيانته للديمقراطية .

وربما المرحلة الليبرالية الوطنية المضيئة بتاريخ العراق كانت على يد تيار الشهيد نوري سعيد الذي أسس مجلس الإعمار وكان لديه رؤية ومشروع طموح لإخراج العراق من محيطه المتخلف الى آفاق التطور والتحضر من خلال ربطه بتحالفات مع بريطانيا وأميركا ، مثلما تفعل الآن دول الخليج العربي ونجحت في بناء بلدانها وحمايتها بفضل التحالفات مع الدول الكبرى وفي مقدمتها أميركا ، ولابد من الإشارة الى ان العهد الملكي تعرض الى ثلاث مؤامرات كبرى هي :

– تآمر الجماعة النازية بزعامة المجرم رشيد عالي الكيلاني .
– والشيوعيون الذين حركتهم موسكو كجزء من الحرب الباردة ضد التواجد الغربي في العراق .
– والميليشيات الكوردية التي حركتها أيضا موسكو ودفعتها لحمل السلاح ضد العهد الملكي المسالم الديمقراطي !

زائدا ثرثرة وهتافات القوميين ممن حرضهم جمال عبد الناصر ضد وطنهم العراق .

بعد هزيمة هذه الأيديولوجيات الثلاث : الشيوعية والقومية والإسلامية .. دخل العراق في مرحلة غوغائية القطيع والضياع وغياب الرؤية السياسية الواضحة ، ولم ينتج المجتمع نخب سياسية وتنظيمات تملأ الفراغ الحاصل بعد إندحار الأفكار التقليدية الأيديولوجية ، ومن المؤسف ان يظهر على المجتمع العراقي هذا الخواء والعجز والاستسلام للخراب وكأن هذا الخراب جزء متأصل في فكر ومشاعر وسلوك العراقيين حتى حينما توفرت لهم فرص العيش والتعلم في بلدان أوروبا وأميركا ظلوا ينتجون التخلف ، ويبدو علينا ان تجرع مرارة طرح سؤال : من قال ان جميع الشعوب يحب ان تعيش متطورة وسعيدة ؟ أنظروا الى قارة أفريقيا وتخلفها الأبدي ، والى القارة اللاتينية وأمراضها المزمنة ، فلماذا يكون العراق إستثناءا من مستنقع التخلف ، ما الذي قدمه أبناؤه من فكر وجهود وعمل كي تتبدل ظروفه وأحواله وينهض ؟ !