23 ديسمبر، 2024 4:22 م

الفكر البداوي – قراءة في ازدواجية الخطاب السياسي النخبوي والجماهير

الفكر البداوي – قراءة في ازدواجية الخطاب السياسي النخبوي والجماهير

هناك أنساق من التصورات والاستعدادات الفكرية والثقافية ممتزجة بتوجهات أخلاقية وسلوكية(بداوية ) أي بدائية /بدوية ساهمة في ترسيخ ازدواجية الخطاب داخل الوسط السياسي والجماهيري العراقي وتعمل كإلية قبيلة للاشعورية داخل الوعي الجمعي تظهر على هيئة خطاب انفعالي تحشيدي عاطفي يرتدي ثوب ديني/مذهبي تارة ،و عرقي/حزبي تارتاً أخرى حيث ستطاع هذا الخطاب بما يحمله من أنساق (بداوي) في أحدث شرخ وانقسام اجتماعي وثقافي انعكس سلباً على العملية  السياسية والثقافية  للجماهير فرغم التحول الكبير الذي شهده العراق على المستوى السياسي والثقافي تمثل  بسقوط النظام الدكتاتوري السابق واستبداله بنظام ديمقراطي يضمن لكل أطياف المجتمع حرية الرأي و التعبير والمشاركة في اختيار سلطة تضمن للإنسان العراقي جميع حقوقه  بعدما كانت حكراً على حزب او أسرة واحدة ،إلا أن العقل السياسي العراقي بشقيه النخبوي والجماهيري لم يكن بمستوى هذا التحول والتطور المطلوب ،فعلى المستوى السياسي الحزبي مثلا نجد نسق (بدوي)واضح لدى النخب السياسية يتضح في ازدواجية خطابها فمثلا: هي تتبنى خطاب الوحدة الوطنية كحل لي إشكالية  الانقسام  الطائفي والعرقي  و لكنها مع جماهيرها تعيد إنتاج  طابع الانقسام الطائفي كخطاب مضمر لضمان  الوصول للسلطة او البقاء في السلطة، وتعلن في جميع وسائلها الإعلامية  أن مرجعيتها الدستور وهي أول من يخرق الدستور من خلال ارتجال القوانين التي تصب في مصالحها الحزبية الضيقة   ،وتتبنى  الشراكة والتوافقية  في العمل السياسي وهي أول من يقاطع  هذه الشركة  إذا تطلبت مصالحها ، لذلك ظلت هذه  الازدواجية في الخطاب هي السمة الغالبة التي تشكل  المشهد السياسي اليوم   بما تحمله من أنساق ودلالات مضمره في خطاب هو نتاج عقلية بدوية تغالبيه لا تنظر الواقع على انه فاعلية فكرية وعلمية وبالتالي هو استثمار لكل التجارب الناجحة للشعوب بقدر ما تنظر له على انه تغالب من اجل إفراغ جميع ثروات البلاد في جيوب قياداتها وأتباعها وهذا يعكس ميل بدوي واضح ،هذا من جانب ، إما على المستوى الجماهيري  فنجد أن الوعي الثقافي للجماهير لازال يعاني من سيطرت أنساق بدائية فطرية تتضح  في ازدواجية فاضحة  في خطابها وما يرافقه من طقوس وشعائر بدائية فهذه الجماهير هي من أوصل هذه النوعية من السياسيين إلى سدة الحكم وبالتالي فالسلطة هي نتاج للوعي الثقافي للجماهير  وتعكس من خلاله مدى انسجامها مع هذا الخطاب وتمثلها لكل ما يحمله من وعي ماضوي عقائدي سحري زائف (بدائي) فمثلا هي تظهر من خلال خطابها الوطني الاحتفالي والجماهيري شعارات الوحدة الوطنية والشعبية  لكنها   تضمر في للاوعيها   انتماء ديني ومذهبي وعرقي  كأولوية وجودية و ثقافية  تظهر في الاختيار والتمثيل السياسي الذي يمثلها حتى لو كان هذا الاختيار على حساب الهوية والوطنية رغم التباكي على ضياع هذه الهوية    ، وكذلك يكشف خطابها  مدى ادعائها  الرفض لكل أنواع الفساد  المالي والإداري الذي مارسته النخب السياسية لكنها في المقابل هي من تدفع السياسي للاستمرار في الفساد عن طريق  ثقافة التملق والإطراء   لهذا الحاكم  او ذاك ولهذا الحزب او ذاك التي تنتهجها هذه الجماهير بمختلف انتماءاتها الدينية والعرقية والحزبية  و هي السائدة اليوم  للوصول إلى مكسب مادي اومركز  اجتماعي بسيط . إن  ازدواجية الخطاب السياسي النخبوي والجماهيري اليوم تكشف عن أنساق (بداوية )مضمرة في للاوعي الجمعي  هي جزء من بنية  ثقافية متجذرة في مجتمعاتنا وتراثنا وتصوراتنا وسلوكنا   تمثل عقبة ثقافية ومعرفية في وجه التطور والتحديث السياسي و الثقافي والمعرفي وان جزء كبير من هذه البنية  يرتبط بالموروث والعادات التي نرفض محاكمتها او نقدها ثقافيا بحجة المقدس والبعض الأخر يرتبط بمدى التهميش والإقصاء الذي عاناه الإنسان العراقي من بداية تشكيل الدولة العراقية الحديثة وحتى يومنا هذا ،حيث نعيش اليوم أزمة هذه الازدواجية في أوسع وأوضح صورها فهناك تواطؤ وتماثل واضح في ازدواجية الخطاب السياسي النخبوي و الجماهيري  يظهر في طبيعة الإصرار على التمسك  بنخب سياسية غير كفوئه  والسؤال الأهم هو .هل نحن قادرين على تجاوز هذه العقبة ؟ لا يتم ذلك ألا بإحداث قطيعة مع بعض هذا التراث ووضع هذا التراث تحت مشرط النقد العلمي والمعرفي الحقيقي والبناء.