أسباب وعوامل كثيرة تقف وراء رفض عالمي غير مسبوق للاعتداء التركي على الأراضي السورية، والأمر لا يقتصر على كونه اعتداء على الأكراد السوريين فقط، بل يشمل أسباب أخرى عديدة منها التسبب في موجة نزوح جديدة بدأت مع اول طلقة رصاص للقوات التركية في الأراضي السورية، رغم ان أحد أهداف العملية التركية كما يروج لها هو إعادة توطين نحو مليوني لاجئ سوري في تركيا!
الحقيقة ان الاعتداء التركي على الأراضي السورية هو طعنة جديدة تمزق نسيج هذا البلد العربي الشقيق، ولا يمكن لأي مراقب موضوعي، ناهيك عن كونه عربي مسلم، الاقتناع مطلقاً بما يروج له الاعلام المتطرف المدعوم قطرياً وتركياً بأن الحكومة السورية لا تمارس سيادتها في الوقت الراهن على الأراضي التي اجتاحها الجيش التركي، فانقطاع سيادة الدولة على جزء من أراضيها لسبب ما لا يسوغ مطلقاً للآخرين اقتطاع هذا الجزء او اجتياحه عسكرياً من دون غطاء قانوني دولي، وإلا تحول العالم إلى غابة يأكل الكبير فيها الصغير وتنتهي فكرة سيادة الدولة التي تمثل أساساً للنظام العالمي القائم ومنظماته، وفي مقدمتها الأمم المتحدة.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصف الغزو التركي للأراضي السورية بأنه “فكرة سيئة”، وقال إن الولايات المتحدة لم تؤيده، والحقيقة أن الأمر يتجاوز مجرد “الفكرة” لأنها أصبحت عدواناً فعلياً على أراضي وسيادة دولة عربية شقيقة، وأن الولايات المتحدة لم يعد يهمها إن كان السلطان أردوغان يتورط أم لا بل يهمها إخراج نفسها من “مستنقع الشرق الأوسط الذي لم يكن من المفترض أن تتورط فيه
وعلى الرغم من الانتقادات الحادة، تحدث ترامب عن سحب القوات في إطار سعيه للوفاء بوعده إبان حملته الانتخابية بإخراج الولايات المتحدة من “مستنقع الشرق الأوسط الذي لم يكن من المفترض أن تتورط فيه”، لذا فقد انتهى نظرياً دور الولايات المتحدة بحسب رؤية الرئيس ترامب إعلان النصر والمغادرة حين قال “ليس لدينا أي جنود هناك لأننا غادرنا. لقد فزنا. لقد غادرنا. حققت الولايات المتحدة النصر”.
الرئيس ترامب يفكر ربما في توريط كل من “تركيا وأوروبا وسوريا وإيران والعراق وروسيا والأكراد” بحيث يضطرهم الآن “للتعامل مع الوضع”، وبالتالي يعتقد في أنه نجح في تصدير الأزمة إلى أطراف أخرى، بحيث تتحمل مسؤولياتها، وترامب هنا يدرك تماماً أن الأزمة السورية ليست على مشارف الحل، وأن البقاء قد يهدد فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أحد جوانب هذه الازمة الجديدة التي افتعلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بهدف انقاذ شعبيته وصرف أنظار الداخل التركي عما يعانيه الاقتصاد من تدهور، وأيضاً من انشقاقات وانقسامات تتفاقم داخل الحزب الحاكم، أنه قد لن يفلح في تنفيذ أهدافها التي رسمها بخيال يفوق الحدود.
هناك محاولة واضحة من الرئيس التركي للتعتيم على الغرض الحقيقة للعملية العسكرية المسماة في الأراضي السورية، فهو يقول في أحد تصريحاته إنها لا تستهدف المواطنين الأكراد بل تنظيمات إرهابية من بينها تنظيم “داعش”! وأنها ستستمر حتى تنشئ منطقة آمنة، والحقيقة أن قراره في هذا الشأن قد أنهى للأبد فكرة الحدود الآمنة بين سوريا وتركيا، وأنه لن يفلح مطلقاً في توفير “الأمن والسلام” لقرابة مليوني لاجئ سوري يريد ترحيلهم قسرياً إلى الشمال السوري.
الآن يتنصل السلطان التركي من مسؤوليته عن اللاجئين بعد أن انتهى من توظيفهم سياسياً وابتزاز أوروبا التي ضخت حتى الآن نحو 2ر2 مليار دولار من ضمن وعود بنحو ستة مليارات دولارات كمساهمة في تحمل أعباء اللاجئين السوريين، استجابة للابتزاز التركي، الذي عاد ليطل بوجهه القبيح في صورة تهديد صريح لأردوغان بالسماح بعودة تدفقات اللاجئين السوريين للأراضي الأوروبية.
هو بالتأكيد مسلك غير أخلاقي بالمرة من جانب تركيا أن تواصل ابتزاز الغرب باللاجئين السوريين وهو من صدّعت رؤوس العالم بتحملها ما تصفه بالمسؤولية الأخلاقية والمعنوية للاجئين السوريين على أراضيها، ثم تعود لشن حملة عنصرية ضدهم وتنظم عملية ترحيل قسرية من مدن تركية عدة أبرزها إسطنبول وغيرها.
المؤكد أن الفكرة التركية السيئة كما وصفها أردوغان ستحمل بذور نهاية عصر السلطان وتعصف بكل ماحققه من إنجازات للاقتصاد التركي، ساهم نفسه في تدهورها خلال السنوات القلائل التي تلت عام 2011، حين زج بتركيا في أتون فوضى التنظيمات الإرهابية وانخرط في تحالف غير مقدس مع جماعات وتنظيمات إرهابية سعت للسيطرة على الحكم في دول عربية عدة.
الحقيقة أيضاً أن قرارات السلطان أردوغان المزاجية قد دمرت تماماً استثمارات تركية لا تقدر بمال ولا يمكن تعويضها، لاسيما ما يتعلق بحقبة مهندس السياسة الخارجية التركي السابق احمد داود اوغلو وسياساته المسماة “صفر مشاكل”، حيث سار أردوغان عكس هذا الاتجاه تماماً، بل عمل جاهداً على خلق المشاكل لبلاده، ودشن مرحلة جديدة بالفعل كما كان يصفها اوغلو ولكن بمسار معاكس تماماً لما أراد مهندس هذه السياسة، حيث غلّب أردوغان انتمائه الأيديولوجي على انتمائه الوطني ومصالح بلاده الاستراتيجية، ومضى في عكس اتجاه هذه المصالح، حيث اصبح اسم تركيا مقترناً بكل مشكلة من مشكلات وصراعات الشرق الأوسط، وانهارت الصورة النمطية الجميلة التي رسمتها الدراما التركية طيلة العقود الأخيرة، وعادت صورة تركيا إلى سمعتها القديمة كبلد مستعمر يريد ان ينقض على دول الجوار حتى انتهى الأمر باعتداء غاشم قد تسدل فيه سوريا ستار النهاية على حقبة السلطان.