18 ديسمبر، 2024 8:44 م

تعوَّدنا ان نطرح الأفكار المضادة لبعضنا البعض بثنائية الضد النوعي، ونتحمسلرفض الآخر ، باستحضار ثنائية الضد المخزونة باللاوعي .

انت مع الحشد …. انا ضد الحشد ، انت مع ايران…. انا مع امريكا انت علماني …. أناضد العلمانية، انت اسلامي … انا ضد الاسلامي والعكس صحيح ، لم نفكر ان نصنعفكرة بديلة.

فكرة الضد هي فكرة البحث عن العدو المفترض ، وهي تعمل على صناعة فريقينمتصارعين على الدوام ، لان اساس الفكرة ناشئة على الخصومة ، وبالتالي نهاياتهامعروفة وهي المواجهة والصِدام . ففكرة الضد هي الفكرة التي لا تقبل التعايش مع الاخر ،باعتبارها فكرة متوترة مأزومة غير قادرة على صناعة الحلول العقلانية .

ودائماً ما يلجأ اصحابها الى الاثارة والتجييش، وشيطنة الخصم ، فهي الوسيلةالوحيدة للانتصار كما يعتقدون . ربما يكونوا منتصرين، ولكنه انتصار الوهم ، نعممنتصر ، لكن السؤال منتصرٌ على مَنْ ؟

ان أصل فكرة الضد متأتية من ثنائية الله والشيطان، اي الخير المطلق والشر المطلق ،وهي فكرة دينية بحته ، خرجت من رحم الموروث الثقافي الديني ، فالشيطَّنة أو الأبلَّسة مفهوم ديني لا يصلح في عالم السياسة ، الذي ليس فيه محرمات ولا مطلقات في العملباعتبار ان عالم السياسة عالم متغير .

من هنا تعتبر الشيطنة عصا شديدة القوة تستخدمها الاديان من اجل فرز من لا يؤمنونبالله، وبالتالي يحق على الرافضين العذاب دون اعترض من احد .

ولكون محاربة الشر وما يرتبط به طبيعة فطرية ، لذا يكون التسويق لفكرة الضد سهلةوميسرة .

لذا استخدم السياسيون الثيوقراطيون والمؤدلجون بشكل عام ثقافة شيطنة الخصوم،لانها اسهل طريقة للوصول الى الهدف ، اذا ما علمنا ان اغلب السياسيين يراهنون علىوعي الشارع العاطفي المنفعل.

ان نفي فكرة الضد ليست في مصلحة المتخاصمين سياسياً، لذا نراها رائجة على الدواموحاضرة متى ما وجدت العقول المريضة .

ومن ناحية اخرى فان أفكار الضد تعيش على بعضها البعض وتكتسب ديمومتها منالاخرى ، وان أقصت احدهما الاخرى عن مشهد الصراع لفترة ما ، لكن الاخرى لن تموتبل ستبقى حية تتربص باختها للظهور مرة اخرى.

لازال العقل السياسي العراقي والعربي بشكل عام يعاني من ثنائية الفكرة ، باعتبارهعقل موتور ومأزوم ، يؤمن بثقافة صناعة الأعداء ،حتى لو كانوا وهميين.

لم يتمكن هذا العقل في مسيرته السياسية وعبر مراحله التاريخية من البحث عن فكرةثالثة تستوعب الفكرتان، ليمنحنا قدر اً من العقلانية كمواطنين ، بل جعلنا ندور فيفلك التبرير لفكرة الضد ، بالطائفية مرة وبالقومية اخرى وثالثة بالمدنية ، وكل هذاوالعناد هو السيد المسيطر على انفعلاتنا النفسية .

ففي كل حدث يتجدد الصراع بين العراقيين ، وينقسمون الى فريقين مؤيد ومعارض ،وتتصاعد موجة الاتهامات والتخوين والعمالة ، ومن الطبيعي ان نتوقع المواجهة بينهما، فلكل فعل رد فعل يساويه بالقوة يعاكسه بالاتجاه.

ففي المواجهة يخسر الجميع وفِي المقدمة الوطن .

ربما نتمنى ان ينتهي الصراع في وطننا ونعيش بثبات ونبات ونجيب صبيان وبنات ،لكن التمني وحده ليس كافياً . نحتاج الى نهضة عقلانية حقيقية ، وهذه النهضة لايصنعها الشارع المنفعل بل تصنعها النخب المستنيرة .

حينما نتحدث عن الفكرة الثالثة،نعني بذلك الفكرة المسترخية الفكرة الخارجة من رحمالخير، التي لا تنمو معها الطفيليات السياسية، ويمكن ان نطلق عليها نقطة الشروعالجديدة لمشروع جديد.