بعد ان تختلط الاوراق وتدخل الشعوب في الفتن واللاعودة تختفي البسمة والدعابة على وجوه الناس وترتسم بدلاً عنها امارة التشاؤم وسوء الظن واشاعة ( نظرية المؤامرة ) في كل قول وعمل وبالتالي تُفسر النوايا الجادة الى خبيئة وبالعكس ، وتتحول اقوال وافعال الناس الى فكاهات سوداء لا تجلب لاهلها الا الويل والثبور . وقد شاع استخدام الفكاهة السوداء في اوربا بعد مرورها بظلامية الحرب عدم الاستقرار والفتن ، وسرعان ما تخلصت منها وحل محلها الفكاهة البيضاء التي تجلب لمستخدمها المرح والحبور . والذي نمر به اليوم هو حصيلة مخاض عسير بين التشدد والانفتاح وبين الانفراد والتسلط وبين الديمقراطية واشاعة نواميس الحياة المتحضرة في حرية الرأي والرأي الاخر وبين الانفلات والفوضى المرافقة للتحول والتي اطلق عليها زوراً وبهتاناً ( الفوضى الخلاقة ) واية خلق تحمله وهي فوضى حد النخاع لا تفرق بين من يبدي رأيه السديد وبين من يطلق الكلمات ليفرق الجمع ، فضلاً عن اطلاق مفردات العمالة والتبعية وآخرها الرافضة والكفرة وعبدة الاوثان وغيرها من النعوت والصفات. شاهدت جلسة البرلمان الطارئة والتي لم تتكامل النصاب ومداخلات النواب وكل واحد يثني على زميله ، وكأن الذي يفتعل الازمات جاء من كوكب اخر ، أليس انتم ( بجزءكم وكلكم ) قد غابت عنكم الحكمة في درء المخاطر ؟ أليس البعض منكم يذهب الى اسياده لتلقي التعليمات والاوامر والاجندات فما ابقيتم لنا حتى تتكلمون عن اصلاح ما افسدتموه . نعتقد ان الجلسة الطارئة لم تكن حقاً طارئة وانما حدد موعدها تزامناً مع استلام رواتب النواب كي يحللوا جزءاً من رواتبهم بهذه الكلمات المنمقة وبمجملها فكاهات سوداء غايتها اللعب على ذقون شعب الذي اوصلهم لهذا (التقديس والتكريم ) الذي يحلمون به . ان المسؤولية الاخلاقية والشرعية والدستورية تحتم ايجاد الحلول بدلاً من (سين الاستقبال) الذي ظل مرهوناً في اروقة مجلسنا الموقر. الشعب يترقب لان الذي يجري بات مكشوفاً للقاصي والداني ، وان التفائل مرسوم على وجوه ابناءه بالرغم مما يبتلع من سموم الساسة واراجيفهم . وقد سُئل مرة الكاتب الكبير نجيب محفوظ (هل انت متفائلاً وهو بادٍ على وجهه الانزعاج والضجر فاجاب كيف لا اكون متفائلاً وانا أريد التواصل مع الحياة ) . لذا فأن شعبنا مصمم على مواصلة الحياة لان الازمة الجارية ليست اجتماعية او طائفية او عرقية وانما سياسية خالصة ،وبالتالي ستتجه بوصلة السياسيين المتأرجحة والخائرة الى قبلة الشعب الرصينة بعدما تنصرف اجنداتهم ويتخلى العرابون عنهم وقد انكشفت فكاهاتهم السوداء في وضح النهار .