الجزء الثاني
ومازلت اتذكر مسطرة الاستاذ وليد معلم التربية الرياضية ومادة العلوم للصف الرابع وهي تنفذ العقوبة بحق صديقي رعد الذي لم يحضر واجبه في يوم من الأيام…وللحقيقة اقول
ان جميع طلاب الصف لم يكونوا قد جهزوا واجبهم البيتي ولكن الطالب رعد كان يجلس في المقدمة وهو من تحمل العقوبة وحده….وعندما انتقلنا الى مرحلة الصف الخامس الابتدائي والذي كان يعتبر مرحلة صعبه جدا لان الطالب يدرس فيه مادة اللغة الإنجليزية ولقد تعلمنا حروف تلك اللغة في هذا الصف بجهود الاستاذ محمود الجوادي الذي كان هو معلم تلك المادة وكان الطلاب يحضرون بعض الادوات المنزلية التي يطلبها الاستاذ حتى يعلمنا معناها في اللغة الإنجليزية… اما في ماده الجغرافيا فكان الاستاذ غانم والذي كان قد تجاوز عمره الثلاثون عاما ولم يتزوج بعد كونه لا يرغب في الزواج نهائيا و اتذكر سؤاله المكرر دائما في الامتحان ويكون السؤال الاول دائماً اين يقع كل من ((دمشق بيروت)) والذي رافقه لعدة سنوات في امتحان مادة الجغرافيا للصف الخامس الابتدائي… اما معلم اللغة العربية والتربية الإسلامية فكان الاستاذ الحاج لقمان حمادي وكانت هوايته الخط وكان فعلاً خطاط من الدرجة الاولى حيث قام الخط بخط الآيات القرآنية والاحاديث النبوية الشريفة على حيطان المدرسة ليحفظها جميع الطلاب وبسهولة.. ولقد كنت من المتميزين في جميع المواد وكانت نتيجتي دوما الناجح الاول ولقد حصلت على عدة هدايا من اساتذتي اولهم معلم الرياضيات الاستاذ سلاسل رؤوف ومن معلم مادة الزراعة والتربية الاجتماعية الاستاذ عبدالرزاق اما معلم مادة التربية الفنية فهو الاستاذ أحمد السيفاوي من اهالي قرية البوسيف القريبة على مركز المدينة…
في قريتنا مستوصف صحي تم افتتاحه منذ ستينات القرن الماضي وربما اقدم من هذا التاريخ وتعاقب على ادارته العديد من اصحاب المهن الصحية منهم المضمد ومنهم المعاون طبيب وكان ابناء قريتنا يطلقون كلمة طبيب على الجميع واذكر منهم السيد شوقي والاخ حامد ابوسعد والاخ محمد ذنون الذي تزوج فيما بعد من احد المعلمات الموجودات في مدرسة البنات في القرية والتي تم افتتاح تلك المدرسة في سبعينات القرن الماضي واللاتي شغلن المدرسة الطينية في وقتها.. وكانت بنات القرية وشبابها ينظرون الى المعلمات نظرة وقار واحترام وكانت امنية اغلب شباب القرية ان يتزوجوا بأحد المعلمات الموجودات في تلك المدرسة واقصد البالغين للزواج من الشباب ولكن ظروف المجتمع الريفي والفارق الطبقي بين ابناء المدن وابناء القرى تحول دون ذلك….
كنا في الصف الواحد لا يتجاوز عددنا عشرون طالب ومازلت اتذكر اسماء زملائي طلاب الصف السادس الابتدائي ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر…
كانت امتحانات السادس الابتدائي تكون مركزية ونسميها امتحان الوزاري كون الاسئلة موحدة في عموم العراق تضعها لجنة وزارية وتوزع على مديريات التربية وكان نؤدي الامتحان نحن طلاب مدرسه اصفيه الاولى والواقعة على بعد 40 كيلو متر تقريبا جنوب مدينة الموصل ويكون الامتحان سنويا لكل مدارس منطقة جنوب الموصل في ناحيه حمام العليل التي تبعد عن قريتنا ثمانية كيلومترات وفي حينها لم تكون وسائط النقل متوفرة مثل ما موجود في يومنا هذا ولذلك كانت ادارة مدارسنا تقوم بأيجار بيت سكني لكل الطلاب ليستقروا فيه خلال فتره الامتحانات والتي كانت مدتها اسبوعان تقريبا…
وتعتبر تلك الفترة هي الزيارة الاولى التي تبعدنا عن عوائلنا وتعتبر اول سفر يبقينا خارج بيوتنا اكثر من عشره ايام فلقد تعودنا البقاء في القرية.. وعندما تنتهي فترة الامتحانات ترانا نطير من الفرح ونحن نركب الباص متوجهين الى قريتنا وتشاهد الوجوه مبتسمه والانفاس منقطعة تنتظر لحظة الوصول…وما ان يصل الباص الى القرية حتى تشاهد الاحتفال في عموم بيوت تلك القرية وكأننا كنا في سفر خارج البلاد وهذا كله يرجع اسبابه الى حال الفقر الشديد في قرانا في تلك الحقبة الزمنية فربما تجد في بعض القرى سيارة واحدة يملكها شخص يقوم بنقل اهل القرية عند الضرورة الى المدينة…
وبعد انتهاء فترة الامتحانات وما يرافقها من سهر ودراسة وخوف من العواقب… نبدأ بانتظار النتائج التي تعلن احيانا عبر المذياع ويقوم باستلامها مدير المدرسة من المديرية العامة للتربية في المحافظة فور اعلانها من الوزارة والتي كانت تسمى وزارة التربية والتعليم…. وذات يوم وكانت الساعة تشير الى الرابعة عصرا جاءني احد زملائي في الصف وهو الطالب ابراهيم خلف فتحي والذي كان معنا هو واخوه ياسين وهم أبناء الملا خليف الفتحي المعروف بإلمامه وعلمه في الامور الدينية وابلغني بظهور النتائج وانها ملصقة على جدار حائط المدرسة وانني ناجح فتوجهت الى هناك وقرأت اسمي ودرجاتي وكانت ممتازة جدا
بعد ان انهينا الدراسة الابتدائية في قريه العين واصفيه مدرسة اصفية الاولى الابتدائية المختلطة لم يكن هناك متوسطة وثانوية في تلك القرية انقسم الطلاب الى قسمين قسم منا توجه الى الدراسة في ثانوية فتح للبنين الموجودة في ناحية الشورة المركز الاداري لقريتنا اما نحن ثلاثة طلاب فقط توجهنا للدراسة في قرية قريبة من قريتنا تسمى قرية امنيرة وقد تم افتتاح فيها صف اول متوسط ويكون موقعه في نفس المدرسة الابتدائية ويسمى تكميلي لان المعلمين هم انفسهم يدرسون الابتدائية والاول متوسط.. وبصراحة كانت الدراسة صعبة ولايوجد مكان استراحة للطلاب ولذلك لم تنجح هذه الفكرة وبعدها بسنة تقريبا تم افتتاح متوسطة في قريتنا في نفس المدرسة الطينية القديمة وكان الكادر التدريسي من اهالي مدينة الموصل وقسم من قرى جنوب الموصل واذكر الاستاذ حامد مدرس اللغة الانجليزية من قرية قبر العبد والاستاذ إبراهيم من قرية الصلاحية التابعان لناحية حمام العليل والاستاذ صفاء مدير المتوسطة والاستاذ هاني مدرس اعتقد الرياضيات من العاصمة بغداد والبقية من مدينة الموصل… وكانت المدرسة تضم العديد من الطلاب من كل القرى المجاورة كونها الاقرب الى قراهم لان اغلبهم يأتون الى الدوام مشياً على الاقدام…
وحتى انتقل من الحياة الدراسية الى ذكريات من نوع آخر. ذكريات لا يمكن نسيانها مهما طال الزمان وطوى صفحاته اتذكر رنة ذلك الهاتف الارضي الذي جاءني صباحا من احد اقاربي يبلغني استشهاد احد اصدقائي من الاقارب من الدرجة الاولى الملازم سلمان الحسن.. مفاجأة كانت صادمه لكنها الحرب التي لا تمحو ولا تزر..
الحرب التي قتلت خيرة شبابنا في منطقه جنوب الموصل خصوصا وفي العراق عموما هذه الحرب التي كنا نبحث فيها عن الرابح والخاسر وتبين فيما بعد ان الجميع قد اصبحوا في خانه الخسارة…
سلمان منذ صغره كنا نعيش في قريه واحده وكنا في المدرسة الابتدائية ندرس سوية ورغم ان بيني وبينه مرحله لصف واحد لكن اخوه الاكبر سلام يدرس معي في نفس المرحلة رغم انه يتقدمني بفارق سنة من العمر او سنتين… سلمان ذلك الشاب الاسمر الذي احبه كل من يعرفه فقد استطاع ان يواصل دراسته الى ان انهى الدراسة الاعدادية وبعد تخرجه من الإعدادية توجه للدراسة الأكاديمية وكانت رغبه اغلب الشباب في تلك المرحلة هو الذهاب الى الكلية العسكرية وكان شعارها في ذلك الوقت الكلية العسكرية مصنع الابطال…